تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يمتاز شهر مارس- عن غيره من باقى شهور العام- بأنه بمثابة «شهر المرأة»، حيث تتعدد فيه المؤتمرات والفعاليات التى تنتهى يوم ٢١ بعيد الأم.. تلك الاحتفالية الوحيدة على مدار العام التى نتذكر فيها الدور الكبير الذى تلعبه المرأة بجميع أدوارها، سواء كزوجة تدفع زوجها للنجاح، أو أم ترعى أبناءها وتضطلع بمسئولية تنشئتهم لتقديم شركاء إيجابيين فى بناء المجتمع.
والواقع أنه رغم هذه الاحتفاليات الاجتماعية إلا أنها وبكل أسف لا تتعدى كونها ديكورا اجتماعيًا من باب «ذر الرماد فى العيون».. فما تعلنه أجهزة الدولة خلال هذا الشهر تحديداً، أن المرأة هى العمود الفقرى لأى مجتمع، شيء، وما يمارس على أرض الواقع شيء آخر تماماً.
فما زالت جريمة التهميش تمارس على قدم وساق، وهى تتمثل فى إنكار قدرة المرأة على تولى المنصب القيادية.. وبكل أسف فإن كثيرين يتذرعون ببعض الأحاديث الضعيفة والتى يساء تفسيرها من عينة «ناقصات عقل ودين».. و«المرأة مخلوقة من ضلع أعوج».. «ما ولى من أمر المؤمنين امرأة إلا ضاعوا».. إلى آخر هذه القائمة الطويلة من الافتراءات التى ما أنزل الله بها من سلطان.
كما أن المرأة ما زالت تعانى أقسى أنواع انتهاك الحقوق والتى تبدأ منذ نعومة أظافرها بتطبيق حد «الختان» عليها بقطع جزء من جسدها على اعتبار أنها ستخرج إلى الحياة «عاهرة» لو حافظنا على سلامة جسدها وحقها فى الحياة الطبيعية، وهو ما يترك آثاراً سوداء تلازمها طوال حياتها وتحولها إلى «دمية جنسية» يلهو بها الرجل كيفما شاء.. ولا يعدم مرتكبو هذه الجريمة وسيلة أيضاً فى التذرع ببعض الأسانيد الاجتماعية والدينية التى تدعم موقفهم الإجرامى ضد المرأة.
وإذا انتقلنا للحديث عن القنبلة الاجتماعية المسماة بـ«المرأة المعيلة» فحدث ولا حرج، فهى عبارة عن مأساة بشرية تتحرك على ساقين، حيث تواجه أقسى ظروف فى الحياة بدءاً من مسئوليتها عن رعاية الأبناء بكل ما تشمله هذه العبارة من معانى الكفاح والمعاناة إلى جانب تحميلها ما لا تطيق فيما يختص بتدبير نفقات البيت من مأكل وملبس وتعليم، لتواجه صعابا فوق احتمال البشر بعد أن تركها زوجها سواء بالوفاة أو العجز والبطالة أو حتى الطلاق.. ورغم جهود وزارة التضامن فى تقديم خدمات إنسانية لهذه المرأة المعيلة إلا أنها لا تكفى حتى لتوفير قيمة الإيجار ناهيك عن نفقات المأكل والملبس والدراسة.
ورغم حرص القيادة السياسية المتمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى على منح المرأة حقوقها وامتيازاتها، وهو ما ظهر بصورة واضحة فى عمليات التعيين فى مجلس النواب والاستعانة بأكثر من ٣ وزيرات فى التشكيل الوزارى الأخير.. تصر أجهزة الدولة والمسئولون على التعامل مع المرأة على أنها مخلوق درجة عاشرة وهو ما ينعكس على استمرار تراجع مشاركة المرأة فى بناء المجتمع ونهضته.
فهل يعلم هؤلاء المسئولون أن معيار تقدم المرأة يقيسه الغرب المتقدم بمدى حصول المرأة على حقوقها ومكتسباتها وبناء على حجم المشاركة الإيجابية وتوليتها المناصب القيادية؟! وها هى التجربة الألمانية ماثلة أمام أعيننا، حيث تتربع المستشارة أنجيلا ميركل على رأس أقوى الاقتصادات فى العالم.. فهل ميركل ناقصة عقل ودين وهى تدير دولة عظمى اقتصادياً بحجم ألمانيا.
إن بناء المجتمعات ونهضة الأمم لا تقوم أبداً على حساب إقصاء النساء وكأنهن «رجس من عمل الشيطان»، وإنما تكتمل الحضارات بمشاركة كل فئات وأطياف المجتمع فى ترسيخ مقومات الدولة المدنية الحديثة التى تكون مؤهلة بحق وليس ظاهرياً فقط لتبوء مكانتها وسط دول العالم.. ولن تكتمل مسيرة بناء مصر إلا بحصول المرأة على كامل حقوقها وفى القلب منها حقها فى سلامة الجسد وعدم التمييز العنصرى ضدها.. وقتها فقط نستحق أن نقول «إن مصر عادت شمسها الذهبية».. فشهر احتفالات واحد لا يكفى.