الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قراءة عقيدية.. الإخوان ليسوا خوارج فحسب.. فمن هم؟ (10)

الباحث الإسلامي محمد
الباحث الإسلامي محمد يسري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما زلنا نحاول الوصول إلى الجذور العقدية لجماعة الإخوان، وقد رأينا في الحلقات السابقة أنها جمعت الكثير من انحرافات المرجئة والخوارج والشيعة والمتكلمين والفلاسفة، إضافة إلى ذلك التفسير العجيب للإسلام على أنه دين انقلابي، وما في ذلك التفسير من هدم لوحي السماء، وتعرفنا على أن عقيدة الجماعة في إثبات العالم وإثبات وجود الله وصفاته وأسمائه، تتأرجح بين المعتزلة والأشاعرة على اختلاف مشاربهم، وفي هذه الحلقة ننتقل إلي منطقة أخرى وهي هل جماعة الإخوان طريقة صوفية أم لا؟
لعلك تستغرب إذا قلت لك: إن سيرة حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان تتشابه في الكثير من المواطن مع سيرة القطب الصوفي السيد أحمد البدوي من حيث اعتماد التربية والعمل الحركي والسري والدعوة الخاصة والأستاذية والأوراد والمنامات ودعوة الخلافة وغيرها.
يحكي حسن البنا في مذكراته رواية عن شخص يدعى الشيخ الصاوي دراز وصفه بأنه فلاح ذكي قصة دخول السيد أحمد البدوي مصر فيقول: "جاء السيد البدوي إلى مصر من مهجره من مكة وكان أهله من المغرب، ولما نزل مصر كانت محكومة بالمماليك، مع أن ولايتهم لا تصح لأنهم ليسوا أحراراً وهو سيد علوي اجتمع له النسب والعلم والولاية، وأهل البيت يرون الخلافة حقاً لهم وقد انقرضت الخلافة العباسية وانتهي أمرها في بغداد، وتفرقت أمم الإسلام دويلات صغيرة يحكمها أمراء تغلبوا عليها بالقوة، ومنهم المماليك هؤلاء. فهناك أمران يجب على السيد أن يجاهد في سبيلهما: إعادة الخلافة واستخلاص الحكم من أيدي المماليك الذين لا تصح ولايتهم. كيف يفعل هذا؟ لا بد من ترتيب خاص. فجمع بعض خواصه ومستشاريه، ومنهم سيدي مجاهد وسيدي عبد العال وأمثالهم، واتفقوا على نشر الدعوة وجمع الناس على الذكر والتلاوة وجعلوا اشارات هذا الذكر السيف الخشبي أو العصا الغليظة لتقوم مقام السيف والطبل يجتمعون عليه، والبيرق ليكون علماً لهم والدرقة - وهذه شعائر الأحمدية - فإذا اجتمع الناس على ذكر الله وتعلموا أحكام الدين استطاعوا بعد ذلك أن يشعروا وأن يدركوا ما عليه مجتمعهم من فساد في الحكم وضياع في الخلافة فدفعتهم النخوة الدينية، واعتقاد واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى الجهاد في سبيل تصحيح هذه الأوضاع وكان هؤلاء الأتباع يجتمعون كل سنة. واختار السيد طنطا مركزا لحركته - لتوسطها في البلدان العامرة في مصر، ولبعدها عن مقر الحكم - فإذا اجتمع الأتباع سنوياً على هيئة” مولد” استطاع هو أن يدرك إلى أي مدى تأثر الناس بالدعوة. ولكنه لا يكشف لهم عن نفسه بل يعتكف فوق السطح ويضرب اللثام مضاعفاً ليكون ذلك أهيب في نفوسهم، وهذا هو عرف ذاك الزمان، حتى كان أتباعه يشيعون أن النظرة بموتة فمن أراد أن ينظر إلى القطب فليستغن عن حياته في سبيل هذه النظرة. وهكذا انتشرت هذه الدعوة حتى أجتمع عليها خلق كثير.
ولكن الظروف لم تكن مواتية لتنجح هذه الحركة، فقد تولى مصر الظاهر بيبرس البندقداري، فانتصر على الصليبيين مرات، وانتصر على التتار مع المظفر قطز. ولمع اسمه وارتفع نجمه وأحبه العامة، ولم يكتف بذلك بل استقدم أحد أبناء العباسيين وبايعه بالخلافة فعلاً، فقضى على المشروع من أساسه" (انظر٬ مذكرات الدعوة والداعية، تحت عنوان "طريقتان")
ولعلك تلاحظ إذا توقفت أمام الفقرة السابقة من كلام البنا في مذكراته ٧ نقاط وهي:
الأولى: أن البنا اعتبر أن دعوة السيد أحمد البدوى جاءت لإقامة الخلافة الإسلامية التي انقرضت وحل محلها المماليك في مصر الذين لا تحل ولايتهم كما قال. ولا شك أن إقامة الخلافة بمفهوم جماعة الاخوان كانت ومازالت شغلهم الشاغل بل وجعلوها أوجب الواجبات علي المسلمين، بل اعتبروا الحاكمية أحد اركان الإيمان.
الثانية: أن دعوة البدوي جهاد في سبيل الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاستخلاص الحكم وانتزاعه من أيدي المماليك، ولا شك أن اعتبار دعوة السيد البدوي جهاد في سبيل الله من الأمور العجيبة لمن اشتم رائحة العلم الشرعي إذ كيف يمكن التصديق بأن رجلا يتبول علي الحصر في المسجد ويكشف عورته أمام المصلين، آن يوصف بأنه مجاهد بله إمام وخليفة للمسلمين يعيد لهم خلافتهم التي انقرضت؟
يروي الحافظ السخاوي في كتابه الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" عن الغماري عن شيخه أبي حيان قال: " ألزمني الأمير ناصر الخطيب، وعندما أقيمت الصلاة. وضع "الشيخ أحمد البدوي" رأسه في طوقه بعدما قام قائما، وكشف عن عورته في حضرة الناس، وبال علي ثيابه وعلي حصر المسجد، واستمر ورأسه في طوق ثيابه وهو جالس ، حتي انقضت الصلاة ولم يصل" انتهي كلام السخاوي. (انظر: السيد البدوي دراسة نقدية، عبدالله صابر طبعة موقع الصوفية ص٣٣)
ويقول سعيد عاشور: "كما يروى عن أحد علماء المالكية أنه كان كثير الإنكار علي السيد البدوي حتي ذهب ذلك العالم ومعه جماعة من طلبته إلي طنطا لاستجلاء حقيقة ذلك الصوفي الذي كثر حوله الكلام، وهناك في طنطا جلسوا بجوار الدار التي يعيش فوق سطحها السيد البدوي، حيث أخذوا يتكلمون عنه وينتقدونه، وكان أن سمعهم السيد البدوي، وهو فوق السطح، فأتي إلى طرف السطح فوق رءوسهم وبال عليهم…." (انظر: السيد البدوي ، تأليف سعيد عاشور ، والمرجع السابق)
ولا يعتبر أتباع السيد البدوي هذه الأشياء نقيصة في حقه ، فهي لديهم من الكرامات الكبرى التي يفتخرون بها ويمكنك ان تري ذلك في المرجع الأول ودستور الصوفية كتاب "الطبقات الكبرى للشعراني"
الثالثة: أن شعائر الأحمدية جعلت الناس يتعلمون أحكام الدين وأثارت النخوة الدينية في قلوبهم لتصحيح الأوضاع. وفي هذه الحالة فنحن أمام احتمالين لا ثالث لهما إما أن يكون حسن البنا لم يطلع علي شعائر الأحمدية ولا يعرف شيئا عن السيد البدوي، وهو أمر بعيد عن الحقيقة كما سنرى فيما بعد، والاحتمال الآخر وهو الأقرب إلي الحقيقة، وهو أن البنا كان على دراية بها ورضا كامل عنها.
الرابعة: اعتماد العمل الحركي السري وثناؤه على اختيار البدوي لمدينة طنطا لتوسطها البلدان العامرة وبعدها عن مقر الحكم واجتماع الاتباع فيها على هيئة "مولد" للتمويه. ولا شك أن العمل الحركي السري ، كان ولايزال أحد أهم أدوات الاخوان ، وكان يعتمد عليه حسن البنا في تأسيس دعوته واختيار أتباعه ويلزمهم بذلك كما ذكر في رسالة التعاليم ، يقول عبدالعظيم رمضان: "
" أن البنا كان يعقد لهم اجتماعات ليلية للدراسات الروحية يبيتون فيها معه فى المركز العام أو إحدي الشعب إلى الصباح وكان يطلق على هذه الاجتماعات اسم "الكتائب " فرجال الكتائب إذن يقصد بهم رجال هذه الاجتماعات من خاصة الإخوان الذين يعدهم البنا للجهاد ... وكانت هناك كتائب للطلبة وأخري للموظفين وثالثة للعمال" .
ويضيف: "فى الحقيقة أن هذه الأسر أصبحت مدخلا لنظام الخاص (التنظيم السري) باعتباره المجال العملي للجهاد (الأسرة هى المجال الروحي) فقد روعي فى نظامها أن ينقل العضو إلى "النظام الخاص" انتقالا تدرجيا وطبيعي" . (انظر: الإخوان المسلمون والتنظيم السري ، عبدالعظيم رمضان الفصل الثاني)
الخامسة: شعار الحركة السيف الخشبي والطبل والبيرق أي الراية وقد كان السيف أحد مكونات شعار جماعة الإخوان فيما بعد
السادسة: يقول البنا إن الظاهر بيبرس قد قضي على "مشروع" السيد البدوي للخلافة وهو بذلك يمهد لأن يصبح مشروع الجماعة امتدادا لمشروع السيد البدوي الذي ثبتت علاقته بفرقة الاسماعيلية الباطنية، وهو ما أكده الكثير من الباحثين وعلى رأسهم شيخ الأزهر الأسبق الشيخ مصطفي عبدالرازق وكذلك دائرة المعارف الإسلامية ، يقول عبدالله صابر: وفي رحلة البدوي إلي العراق هو وشقيقه الحسن ، قاما بزيارة قبر الحسن بن منصور الحلاج الصوفي الشيعي، الذي أعدم عام ٣١٩ هـ ، بسبب عقائده الخارجة على الدين" (انظر: السيد البدوي دراسة نقدية، عبدالله صابر ، والسيد البدوي، سعيد عاشور، ودائرة المعارف الإسلامية "سفير" ، ج٦)
ويذكر الشيخ مصطفي عبدالرازق أن العلويين هم الذين خططوا لارسال أحمد البدوي إلي مصر لإعادة الدولة الفاطمية، يقول: "ان العلويين لم يجدوا أكفأ من السيد البدوى لهذه المهمة كمبعوث سرى للصوفية المتشيعين فوجهوه الى الديار المصرية ، وقبل وصول (البدوى) الى مصر أى فى سنة (637 هجرية 1239م )
ويضيف: "نزلها قبله بعام عز الدين الصياد المتوفى سنة (670 هجرية _ 1271م ) وهو شيعى متصوف وزعيم مدرسة احمد الرفاعى لاختيار المكان الذى سيمارس فيه البدوى دعوته وهذا يفسر اتجاه البدوى من مكة الى طنطا مباشرة. (انظر: مجلة السياسة الاسبوعية عدد ٨٩ لعام ١٩٢٧، عن المولدين الأحمدي والدسوقي، والمراجع السابقة)
السابعة: رغم أهمية القصة فإن حسن البنا يرويها عن شخص ليس من أهل العلم وقد وصفه بأنه فلاح ذكي لا يملك الا الحكي والروايات ، وهو دأب الجماعة التي لا تهتم بتعليم أبنائها وأتباعها الدين من منابعه المباشرة، وهو عامل مشترك بين جماعة الاخوان والطرق الصوفية.

ويمكن القول إن هذه الفقرة المهمة من كتاب مذكرات الدعوة والداعية، التي لم يلتفت إليه الباحثون تعد مدخلا مهما لفهم العلاقة بين مؤسس الإخوان والقطب الصوفي السيد أحمد البدوي، في دعوتهما لعودة الخلافة كل بطريقيته.
في الحلقة القادمة نتابع إن شاء الله كشف مزيد من أسرار وتفاصيل هذه العلاقة، وما إذا كانت جماعة الإخوان طريقة صوفية أم لا؟