ويحل يوم 9 مارس وهو يوم الشهيد في مصر، وفي هذا اليوم أشرف الجنرال الذهبي الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف خلال حرب الاستنزاف، ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت 8 مارس 1969م، موعدًا لبدء تنفيذ الخطة وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمر جزءًا من مواقع خط بارليف وتسكت بعض مواقع مدفعيته في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973.
وفي صباح الـ 9 من مارس 1969م، قرر الفريق عبدالمنعم رياض، أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة، ويشارك جنوده في مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدمًا التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترًا، ووقع اختياره على الموقع رقم 6، وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على العدو.
حيث يشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الفريق عبدالمنعم رياض، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده، واستمرت المعركة التي كان يقودها الفريق بنفسه نحو ساعة ونصف الساعة، إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الموقع الذي كان يقود المعركة منها، ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء استشهد الفريق عبدالمنعم رياض بعد 32 عامًا في العسكرية المصرية، ولهذا تم اختيار يوم الشهيد في مصر 9 مارس.
وجاء استشهاد عبدالمنعم رياض تجسيدًا لمفهومه حول القيادة فهو الذي يقول إن القائد يجب أن يكون قدوة لجنوده، وأن يكون في المقدمة وأن النصر لن يتحقق إذا ظلت القيادات في مكاتبها تدير المعركة من القاهرة، ففى 8 مارس عاد بالطائرة قبل ساعات من بغداد، حيث حضر اجتماعات لرؤساء أركان حرب جيوش الجبهة الشرقية، وتابع معارك المدافع يوم السبت من مكتبه في القيادة العامة التي شنتها المدفعية المصرية قصفًا لمركز لنقاط العدو في خط بارليف.
وكانت نتائجه حسبما نقلت عناصر الاستطلاع مبهرة وأصابت العدو بحالة من الجنون.
ولم يكن لدى أطباء المستشفى في الإسماعيلية وقت طويل للمحاولة، رغم أمل ساورهم في البداية، حين وجدوا جسده كله سليمًا بلا جرح أو خدش، لكنها خمس دقائق لا أكثر ثم انطفأت الشعلة، وتلاشت تقلصات الألم التي كانت تشد تقاطيع الوجه المعبر عن الرجولة، لتحل محلها مسحة هدوء وسلام، ورضى بالقدر واستعداد للرحلة الأبدية إلى رحاب الله.
وقبل استشهاده انطلق يطوف بالمواقع في الخطوط المتقدمة، يتحدث إلى الضباط والجنود، يسألهم ويسمع منهم، ويرى ويراقب ويسجل في ذاكرته الواعية، وفى أحد المواقع التقى بضابط شاب، وكانت حماسته للشباب مفتوحة القلب ومتدفقة، وقال له الضابط الشاب، ولم يكن هدير المدافع قد اشتد بعد:
- سيادة الفريق.. هل تجىء لترى بقية جنودى في حفر موقعنا؟
وقال عبدالمنعم رياض، بنبل الفارس الذي كانه طول حياته، وبالإنجليزية التي كانت تعبيرات منها تشع كثيرًا سلسة وطيعة على لسانه:
Yes. By all means - أي: نعم، وبكل وسيلة.
وتوجه مع الضابط الشاب إلى أكثر المواقع تقدمًا، الموقع المعروف برقم 6 بالإسماعيلية، وفجأة بدأ الضرب يقترب، وبدأت النيران تغطى المنطقة كلها، وكان لا بد أن يهبط الجميع إلى حفر الجنود في الموقع، وكانت الحفرة التي نزل إليها عبدالمنعم رياض تتسع بالكاد لشخصين أو ثلاثة.
بيان رئاسة الجمهورية الذي نعى فيه الرئيس جمال عبدالناصر، البطل الفريق أول عبدالمنعم رياض في التاسع من شهر مارس عام 1969:
فقدت الجمهورية العربية المتحدة أمس جنديًا من أشجع جنودها وأكثرهم بسالة وهو الفريق عبدالمنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة، وكان الفريق عبدالمنعم رياض في جبهة القتال وأبت عليه شجاعته إلا أن يتقدم إلى الخط الأول بينما كانت معارك المدفعية على أشدها وسقطت إحدى قنابل المدفعية المعادية على الموقع الذي كان الفريق عبدالمنعم رياض يقف فيه وشاء قضاء الله وقدره أن يصاب وأن تكون إصابته قاتلة.
إننى أنعى للأمة العربية رجلًا كانت له همة الأبطال تمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته وأصالته.
إن الجمهورية العربية المتحدة تقدم عبدالمنعم رياض إلى رحاب الشهادة من أجل الوطن راضية مؤمنة واثقة في أن طريق النصر هو طريق التضحيات ولقد كان من دواعى الشرف أن قدم عبدالمنعم رياض حياته للفداء وللواجب في يوم مجيد استطاعت فيه القوات المسلحة أن تلحق بالعدو خسائر تعتبر من أشد ما تعرض له، لقد وقع الجندى الباسل في ساحة المعركة ومن حوله جنود من رجال وطنه يقومون بالواجب أعظم وأكرم ما يكون من أجل يوم اجتمعت عليه إرادة أمتهم العربية والتقى عليه تصميمها قسمًا على التحرير كاملًا وعهدًا بالنصر عزيزًا، مهما يكن الثمن ومهما غلت التضحيات.
- إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه.
- لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة عندما أقول شرف البلد، فلا أعني التجريد وإنما أعني شرف كل فرد، شرف كل رجل وكل امرأة.
- أنا لست أقل من أي جندي يدافع عن الجبهة ولا بد أن أكون بينهم في كل لحظة من لحظات البطولة.
- إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة، فالهزيمة تصبح لنا محققة، إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية.
- لا أصدق أن القادة يولدون، إن الذي يولد قائدًا هو فلتة من الفلتات التي لا يقاس عليها كخالد بن الوليد مثلًا، ولكن العسكريين يصنعون، يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة.. إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم والقائد الذي يقود هو الذي يملك القدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب وليس مجرد القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار.
- إن بترول أمريكا سوف يبدأ في النفاد وستطوق إلى بترول العراق خلال 30 عامًا تقريبًا.
- أن تبين أوجه النقص لديك تلك هي الأمانة وأن تجاهد أقصى ما يكون الجهد بما هو متوفر لديك تلك هي المهارة.
- كن دائمًا بين جنودك في السلم ومعهم في الصفوف الأمامية في الحرب.
- كن قدوة صادقة لجنودك.
- اهتم بشئون جنودك ومشاعرهم.
- لا تجعل جنودك حتى في أحلك الظروف واللحظات يرون عليك علامات القلق والارتباك.
- لا تتسرع في قراراتك وحينما تقرر لا تتراجع ولا تتردد.
- لا تكن تقليديًا أو نمطيًا، واسع للإبداع والابتكار.
حياته في سطور
رئيس
أركان حرب القوات المسلحة المصرية من مواليد 22 أكتوبر 1919 قرية سبرباى مركز طنطا
محافظة الغربية، واستشهد في 9 مارس 1969 شارك في الحرب العالمية الثانية بين عامي
1941 و1942 وفي حرب فلسطين عام 1948 والعدوان الثلاثي عام 1956 وحرب 1967 وحرب
الاستنزاف.
التحق
بكلية الطب بناء على رغبة أسرته ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الالتحاق بالكلية
الحربية التي كان متعلقًا بها وتخرج فيها عام 1938 برتبة ملازم ثان وحصل على شهادة
الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول وأتم دراسته كمعلم
مدفعية مضادة للطائرات بامتياز في إنجلترا عامي 1945 و1946 وأجاد عدة لغات منها
الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية وانتسب وهو برتبة فريق إلى كلية التجارة
كما انتسب أيضًا لكلية العلوم لدراسة الرياضيات البحتة.
أتم
دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وحصل على زمالة كلية الحرب العليا عام
1966.. في عامى 1962 و1963 اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة
المدفعية المضادة للطائرات حصل في نهايتها على تقدير الامتياز في عام 1941 وعُين
بعد تخرجه في سلاح المدفعية، في عام 1951 تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة
للطائرات وكان وقتها برتبة مقدم، وفي عام 1953 عُين قائدًا للواء الأول المضاد
للطائرات في الإسكندرية من يوليو 1954 وحتى أبريل 1958 تولى قيادة الدفاع المضاد
للطائرات في سلاح المدفعية خلال عامي 1947 و1948 وعمل في إدارة العمليات في 9
أبريل 1958 سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفيتي لإتمام دورة تكتيكية تعبوية
في الأكاديمية العسكرية العليا وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز، وقد لقب هناك بالجنرال
الذهبي عام 1960 بعد عودته شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية عام 1961 نائب رئيس
شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة وأسند إليه منصب مستشار قيادة
القوات الجوية لشئون الدفاع الجوي وفى عام 1964 عُين رئيسًا لأركان القيادة العربية
الموحدة، ورُقي في عام 1966 إلى رتبة فريق، وفي مايو 1967 وبعد سفر الملك حسين للقاهرة
للتوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك عُين الفريق قائدًا لمركز القيادة المتقدم في
عمان فوصل إليها في الأول من يونيو 1967 مع هيئة أركان صغيرة من الضباط العرب
لتأسيس مركز القيادة وحينما اندلعت حرب 1967 عُين الفريق قائدًا عامًا للجبهة الأردنية
وفي 11 يونيو 1967 اختير رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية فبدأ مع وزير
الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها.
حقق "رياض" انتصارات
عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل
معركة رأس العش التي منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على
مدينة بور فؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس، وذلك في آخر يونيو 1967 وتدمير
المدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967 وإسقاط بعض الطائرات الحربية
الإسرائيلية خلال عامي 1967 و1968.
حصل على
العديد من الأنواط والأوسمة، منها: ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة، وسام
نجمة الشرف، وسام الجدارة الذهبي، وسام
الأرز الوطني بدرجة ضابط كبير من لبنان، وسام الكوكب الأردني طبقة أولى.