غاية بعض التنظيمات الدينية الوصول لأهداف تغازل فكرة السلطة بداخلهم، ولا ضير من استخدام أي وسيلة تصل بهذه التنظيمات إلى الهدف المنشود؛ كثير من هذه التنظيمات تستخدم وسائلها الخاصة، وتقوم على شرعنة هذه الوسائل عبر فقهائها مع إضفاء صبغة دينية لتؤكد أن ذات الوسيلة من الفرائض أو الرخص، والاستشهاد في ذلك بالحديث الشريف: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"، كمحاولة لاستمالة المعنى المرجو من الوسيلة التي يبررها هؤلاء بادعاء سمو الغاية.
إدراك طبيعة هذه التنظيمات يدفعك لفهم التركيبة النفسية والعقائدية التي تميل دائمًا إلى الاستحلال، فتجد مثلًا عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي يعتمد بشكل أساسي في تمويل عملياته على خطف الرهائن الأجانب والفدية، ويجمع من هذه التجارة مئات الملايين من الدولارات، ونفس ذات الوسيلة يعتمدها رأس التنظيم في أفغانستان من خلال تجارة المخدرات بهدف الإنفاق على عملياته العسكرية، ويؤكد في ذلك أن سمو الغاية المتمثل في قتال ما يراه مرتدين يبرر له الحصول على الأموال بأي صورة كانت.
في فترة التسعينيات من القرن الماضي كانت تبرر الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في مصر لأعضائها سرقة البنوك والسطو على محال الذهب خاصة محال غير المسلمين من أجل الإنفاق على عمليات التنظيم، كما اعتبر التنظيم أن أموال من يقومون بقتله غنيمة يحصل عليها التنظيم، فوجدنا كثيرا من العمليات التي قامت جماعات دينية بتنفيذها هدفها الأساسي هو السرقة باسم الدين من خلال استحلال هذه الأموال وليس شيئا آخر.
فعل تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية لا يختلف كثيرًا عن فعل تنظيم قاعدة الجهاد في دول المغرب العربي أو غيرها من العواصم العربية، أو حتى جماعات العنف في مصر سواء التي مارسته في التسعينيات من القرن الماضي أو التي تقود العمليات المسلحة حاليًا في سيناء أو بعض محافظات الدلتا، فنجد تنظيم الدولة الإسلامية عمد إلى سرقة مدخرات البنك المركزي في مدينة الموصول، والتي قدرت بـ425 مليون دولار، كدليل على أن السرقة فعل متأصل داخل تكوين هذه التنظيمات، فمن يسرق الروح من جسد لا يملكه يضع لنفسه مبررًا لسرقة أموال الغير واستحلال إنفاقها.
أحد أهم مصادر تمويل التنظيمات الدينية خاصة تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق التي يسيطر عليها نهب الموارد والسلع، عملًا بالفهم الخاطئ للقواعد الشرعية، وينتج عن ذلك سرقة المستشفيات، ومراكز التسوق، والمطاعم، ومرافق الكهرباء والمياه، هذا النوع من السرقة يوفر ملايين الدولارات بشكل يومي يتيح للتنظيم تنفيذ عمليات مسلحة واقتحامات وإثارة قلاقل في عواصم دول أخرى بهدف إخضاعها لسلطان الدولة الإسلامية فتقع ضمن أراضيها، أو المحاولة معها من أجل الوصول لهدف في نهاية المطاف يجعل هذه الدولة المتطرفة مُهابة بين غيرها من الدول.
تعتمد التنظيمات الدينية على فرض إتاوات في صورة جزية لغير المسلمين في المناطق التي يسيطرون عليها نظير حمايتهم لهذه الأقلية وضرب مفاهيم المواطنة وحقوق الآخرين بعرض الحائط، ويخير هؤلاء حسب منطق هذه التنظيمات على دفع الجزية أو إعلان الإسلام أو التهجير من الوطن، وفي هذه الحالة تعتبر التنظيمات الدينية أنها قائمة باسم الدين، وأنها تقوم مقام الرسول والخلفاء الراشدين في فتح البلاد.
من تجارة المخدرات للسرقة وفرض الإتاوات والقتل بدافع الحصول على الغنيمة، سلوك عميق يدفعنا لإعادة قراءة الخلفيات النفسية التي بُنيت عليها عقائد هؤلاء المتطرفين، والتي تؤكد أن فكرة التطرف هي من تقود هؤلاء إلى سلوكهم المعادي للآخر، بدءًا من تطرف المشاعر وانتهاءً بتطرف العقيدة، والتي ينسب إليهم في ذلك الفهم الخاطئ لمراد الشريعة وترجمة بعضهم لأحكامه بما يُخدم على هدفهم الأساسي للوصول للسلطة.