يعرف الأصدقاء عنى أننى واحد من زارعى الأمل فى النفوس التى أرهقتها محنة مغامرة سنة حكم الإخوان السوداء، وأننى انتميت لثورة ٣٠ يونيو وأنا بكامل قواى العقلية والنفسية لاستشرافى الخطر فى كل ركن بمصر وبالمنطقة إجمالًا، وما زلت على عهدى مدافعًا عن مستقبل أولادنا لينعموا بوطن ترفرف عليه رايات العدالة الاجتماعية وسيادة دولة القانون.
أبحث عن الجوانب المضيئة لكى أحتفى بها وأشير إلى مكامن الخطر لكى ننجو من مصيدة الحرب والتقسيم، دافعت عن بيان ٣/٧ ودعمت خارطة الطريق، وعانيت انتقاد رفاق الميادين لى وأنا أراهن على الدولة الجديدة، أكاد أكون قد تغيرت كليًا من صارخ عتيد فى زمن مبارك إلى هادئ يدعى العقل فى زمن الدولة الجديدة، وحتى كتابة هذا المقال أحاول انتقاء الكلمات وتدقيق المصطلح من أجل وضوح الفكرة وإصابة الهدف فى سويداء القلب.
المعركة ضد الإرهاب والمفخخات والقنابل الهيكلية هى معركة مقدسة وانتصارنا فيها هو بوابة العبور للغد الذى نريده، هى معركة حاشدة يتقدمنا فيها جيشنا بأبطاله ونحن له داعمون، هذه بديهية نضعها نصب أعيننا ولا مجال للمناقشة أو المزايدة عليها، ولكن بينما الحال كذلك نلمح الثغرة التى هى أصعب من ثغرة الدفرسوار فى حرب ١٩٧٣، تلك الثغرة التى تتسع يومًا بعد يوم ويكتسب فيها خصوم التقدم أرضًا جديدة، فيتسلل الإحباط إلى جيش ٣٠ يونيو الشعبى ويمضغون المرارة.
العنوان الأبرز فى تلك الثغرة هو التردد فى التعامل مع فكرة تجديد الخطاب الدينى، فنجد مؤسسة الأزهر على سبيل المثال ما زالت على ذات الدرب القديم الذى يؤسس للقتل والتدمير وتكفير المختلف، ينزعج شيخها من مقال هنا أو حلقة تليفزيونية هناك إذا خرج المضمون عما تتصوره المؤسسة، ونشهد صمتًا قاتلًا من ذات المؤسسة إذا ما ثار فى المجتمع حدث يشبه الفضيحة، مثلما رأينا إضراب تلميذات مدرسة بالمنيا احتجاجًا على تعيين مديرة مسيحية للمدرسة، لم يصمت الأزهر وحده لكن سكتت وزارة التربية والتعليم وكل الجهات التى من المفترض أن تصون الجبهة الداخلية للوطن، هذا الصمت يعتبره الدواعش الصغار بمصر مباركة لموقفهم فيتمادى المعتدى فى غيه.
المنابر التى أسست فقه العنف ما زالت تصدح بالمهجور من الكتب وتنسى فقه المواطنة، البرلمان الذى تحملنا من أجل تشكيله ما لا يطاق وارتضينا بتشكيلته التى لا تعبر عن روح ٣٠ يونيو ما زال صامتًا عن مناقشة قوانين الحسبة، التى هى الطريق الأسرع للسجن ومعاقبة التفكير، الصحافة القومية وماسبيرو لم يعرفا طريق المنافسة الجادة والمهنية القائمة على المعلومة الصحيحة وجودة عرضها، فصار إهدار المال العام على منتجهما الردىء عنوانًا شاذًا يتناقض مع فكرة التقشف ودعوة مشاركة الجميع للمساهمة فى البناء.
ليس هذا فقط ولكن الاستفزاز اليومى الذى يلقاه الناس من رجال الأعمال وعدم معاقبة المشبوهين منهم وتحصيل أموال الدولة من هؤلاء يجعل الفجوة، أو الثغرة كما سميتها، تتسع يومًا بعد يوم، نعم نريد سلامًا مجتمعيًا تقوم أركانه على إعلاء شأن دولة القانون وفتح الملفات بشجاعة تليق بدولة ناهضة، نريد عدالة اجتماعية حقيقية تؤمن العلاج والتعليم ودحر البطالة بين الشباب، نريد تضييق الفوارق بين الطبقات حيث لا مجال الآن لكى يزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرًا.
أعرف ويعرف الكثيرون من مؤيدى الدولة أن الحمل ثقيل جدًا، ولكننا نعرف أيضًا أن مؤشرات البوصلة مهمة جدًا لكى نطمئن على سلامة الطريق، ولكى نحمى المنجز العبقرى الذى تحقق فى العامين الأخيرين، وفى ظنى أن الإرادة السياسية متوفرة لتحقيق تلك المؤشرات، ولكن تلك الإرادة فى أمس الحاجة الآن للكادر المتفهم القادر على ترجمة ذلك الطموح على الأرض، لذلك ليس عيبًا أن نرى التغيير المستمر فى كل المواقع لكل عاجز عن اللحاق بركب التقدم، بلادنا تستحق منا الكثير، فامنعوا أهل الثقة من العدوان على أهل الخبرة حتى تستقيم الأمور.