لو صدقت التصريحات التى أدلى بها المستشار «أحمد الزند» وزير العدل، فى أنه يفكر فى إضافة نصوص لقانون الإرهاب لمعاقبة أسرة الإرهابى سواء فى ذلك الأب والأم عقابًا لهما على جنوح الابن للتطرف أو الإرهاب لعدم تربيته تربية قويمة، لكان فى ذلك مخالفة صارخة للقواعد المستقرة فى نظرية التجريم.
ويرجع ذلك إلى أن القانونيين -وأنا منهم- تعلموا منذ سني الدراسة فى كلية الحقوق مبدأ من المبادئ المقدسة فى القانون، وهو شخصية العقوبة. بمعنى أنه لا يجوز عقاب من لم يقم بالجريمة مباشرة تحت أى حجة من الحجج.
ويدهشنى للغاية - مرة أخرى لو صدقت هذه التصريحات المنسوبة للمستشار «الزند» - أن تصدر منه، وهو مستشار جليل يعرف ليس فقط أبجديات القانون الجنائى، ولكن - بحكم خبرته الطويلة على منصة القضاء- عليم بكل النظريات القانونية فى مجال التجريم والعقاب.
وموضوع التجريم لا يتعلق فقط بنصوص قانونية تحدد الأركان المادية والمعنوية للجريمة ولا للعقوبات، بل إن ما يطلق عليه فى فلسفة القانون نظرية التجريم تعالج موضوعات فلسفية عميقة تتعلق بالأهداف القصوى التى يتغياها المشرع فى تحديد الجرائم وفرض العقوبات.
والمشرع ليس حرًا طليقًا فى صياغة القواعد القانونية الخاصة بالجريمة والعقاب. وذلك لأنه لابد أن يكشف عن الإطار الفلسفى الذى يصدر عنه فى مجال التجريم وتحديد العقوبات.
وقد درس هذا الموضوع بعمق شديد أستاذنا الراحل الدكتور «أحمد محمد خليفة»، مؤسس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وذلك فى رسالته للدكتوراه فى القانون الجنائى، وكان موضوعها «النظرية العامة للتجريم» والتى ناقشها - وكنت حاضرًا هذه المناقشة - لجنة من كبار فقهاء القانون الجنائى تتكون من عميد الجنائيين العرب الدكتور «محمود مصطفى» (وهو أستاذى)، والدكتور «على راشد»، والدكتور «مصطفى القللى».
وكانت المناقشة مثيرة، لأن أعضاء اللجنة من كبار الأساتذة كانوا من أنصار المنهج التقليدى فى القانون، والذى يعتمد بصورة أساسية على التحديد الدقيق لأركان الجرائم وعقوباتها بدون التعمق فى الأسس الفلسفية للقانون.
وعلى العكس من ذلك كان أستاذنا الدكتور «خليفة» متعمقًا فى فلسفة القانون، وخبيرًا بمشكلات علم الاجتماع القانونى، ولذلك عنى فى رسالته القيمة بالتأصيل الفلسفى للقواعد القانونية.
وأنا حين أتحدث فى هذا الموضوع أنطلق من تخصصى العلمى الدقيق وهو «القانون الجنائى»، ولى فى فلسفة القانون الجنائى كتاب أساسى عنوانه «السياسة الجنائية المعاصرة: دراسة نقدية لنظرية الدفاع الاجتماعى» الصادر عن دار الفكر العربى عام ١٩٧٣.
وهذا الكتاب أول وأعمق دراسة لمذهب جديد فى مجال السياسة الجنائية يطلق عليه «الدفاع الاجتماعى الجديد»، والذى وضع مبادئه المستشار الفرنسى «مارك آنسل» الذى كان رئيسًا لمحكمة النقض الفرنسية.
وقد قمت فى كتابى بالشرح الدقيق لهذا المذهب الجديد من مذاهب السياسة الجنائية، والذى يركز أساسًا على أهمية دراسة «شخصية المتهم» حتى يمكن تقدير العقوبة المناسبة، وحتى العقوبات التقليدية وجهت لها انتقادات متعددة، وظهر من بين الفقهاء من ينادون باستبدالها بما يطلق عليه التدابير الاحترازية.
وإذا كانت سياسة الدفاع الاجتماعى الجديد تركز تركيزًا شديدًا على ما نطلق عليه «دوسيه شخصية المتهم»، فإنه يبدو أمرًا بالغ الغرابة ما ورد فى تصريحات المستشار «الزند» من عقاب والد أو والدة المتهم بالإرهاب! لأن العقوبة - فى سياق مبادئ الدفاع الاجتماعى- لابد للقاضى إن أراد أنه يصدر بها حكمًا على المتهم أن يتأكد أولًا من واقع الأوراق أنه - وليس غيره - هو الذى ارتكب الجريمة من ناحية، وأن العقوبة أو التدبير الاحترازى الذى سيطبق عليه مناسب لشخصيته كما تم فحصها بواسطة الخبراء.
أين هذا الأسلوب العلمى فى التعامل مع المتهمين الذى ثبت بالفعل ارتكابهم الجرائم المنسوبة إليهم مع مقترحات تدعو لمعاقبة أهل المتهم؟
نحن مع التطبيق الدقيق لسيادة القانون، ليس ذلك فقط، ولكن مع الاستفادة القصوى من مذاهب السياسة الجنائية الجديدة التى تركز على إصلاح المتهم وليس عقابه بالطرق التقليدية، وكذلك من الأساليب الجديدة فى علم العقاب، والتى تولى عملية تصنيف المذنبين عناية قصوى حتى لا يختلط الحابل بالنابل فى السجون، وحتى لا تتحول إلى «مفارخ» جديدة للجريمة.
ولذلك - فى هذه المرحلة التى يمر بها المجتمع المصرى بعد ثورة ٢٥ يناير- لابد من الإعمال الدقيق لمبدأ سيادة القانون، والاحترام الكامل لمبدأ شخصية العقوبة، ومعاملة المسجونين بطريقة إنسانية رفيعة لا تهدر آدميتهم ولا تصيب بالأذى من سوء المعاملة ذويهم وأقرباءهم ممن يتوجهون لزيارتهم وفقًا للوائح فى محابسهم.
سيادة القانون، وتحقيق العدالة الناجزة، والتعامل الإنسانى مع المذنبين، شعارات أساسية ينبغى علينا أن نكافح جميعًا حتى تتحقق.
ويرجع ذلك إلى أن القانونيين -وأنا منهم- تعلموا منذ سني الدراسة فى كلية الحقوق مبدأ من المبادئ المقدسة فى القانون، وهو شخصية العقوبة. بمعنى أنه لا يجوز عقاب من لم يقم بالجريمة مباشرة تحت أى حجة من الحجج.
ويدهشنى للغاية - مرة أخرى لو صدقت هذه التصريحات المنسوبة للمستشار «الزند» - أن تصدر منه، وهو مستشار جليل يعرف ليس فقط أبجديات القانون الجنائى، ولكن - بحكم خبرته الطويلة على منصة القضاء- عليم بكل النظريات القانونية فى مجال التجريم والعقاب.
وموضوع التجريم لا يتعلق فقط بنصوص قانونية تحدد الأركان المادية والمعنوية للجريمة ولا للعقوبات، بل إن ما يطلق عليه فى فلسفة القانون نظرية التجريم تعالج موضوعات فلسفية عميقة تتعلق بالأهداف القصوى التى يتغياها المشرع فى تحديد الجرائم وفرض العقوبات.
والمشرع ليس حرًا طليقًا فى صياغة القواعد القانونية الخاصة بالجريمة والعقاب. وذلك لأنه لابد أن يكشف عن الإطار الفلسفى الذى يصدر عنه فى مجال التجريم وتحديد العقوبات.
وقد درس هذا الموضوع بعمق شديد أستاذنا الراحل الدكتور «أحمد محمد خليفة»، مؤسس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وذلك فى رسالته للدكتوراه فى القانون الجنائى، وكان موضوعها «النظرية العامة للتجريم» والتى ناقشها - وكنت حاضرًا هذه المناقشة - لجنة من كبار فقهاء القانون الجنائى تتكون من عميد الجنائيين العرب الدكتور «محمود مصطفى» (وهو أستاذى)، والدكتور «على راشد»، والدكتور «مصطفى القللى».
وكانت المناقشة مثيرة، لأن أعضاء اللجنة من كبار الأساتذة كانوا من أنصار المنهج التقليدى فى القانون، والذى يعتمد بصورة أساسية على التحديد الدقيق لأركان الجرائم وعقوباتها بدون التعمق فى الأسس الفلسفية للقانون.
وعلى العكس من ذلك كان أستاذنا الدكتور «خليفة» متعمقًا فى فلسفة القانون، وخبيرًا بمشكلات علم الاجتماع القانونى، ولذلك عنى فى رسالته القيمة بالتأصيل الفلسفى للقواعد القانونية.
وأنا حين أتحدث فى هذا الموضوع أنطلق من تخصصى العلمى الدقيق وهو «القانون الجنائى»، ولى فى فلسفة القانون الجنائى كتاب أساسى عنوانه «السياسة الجنائية المعاصرة: دراسة نقدية لنظرية الدفاع الاجتماعى» الصادر عن دار الفكر العربى عام ١٩٧٣.
وهذا الكتاب أول وأعمق دراسة لمذهب جديد فى مجال السياسة الجنائية يطلق عليه «الدفاع الاجتماعى الجديد»، والذى وضع مبادئه المستشار الفرنسى «مارك آنسل» الذى كان رئيسًا لمحكمة النقض الفرنسية.
وقد قمت فى كتابى بالشرح الدقيق لهذا المذهب الجديد من مذاهب السياسة الجنائية، والذى يركز أساسًا على أهمية دراسة «شخصية المتهم» حتى يمكن تقدير العقوبة المناسبة، وحتى العقوبات التقليدية وجهت لها انتقادات متعددة، وظهر من بين الفقهاء من ينادون باستبدالها بما يطلق عليه التدابير الاحترازية.
وإذا كانت سياسة الدفاع الاجتماعى الجديد تركز تركيزًا شديدًا على ما نطلق عليه «دوسيه شخصية المتهم»، فإنه يبدو أمرًا بالغ الغرابة ما ورد فى تصريحات المستشار «الزند» من عقاب والد أو والدة المتهم بالإرهاب! لأن العقوبة - فى سياق مبادئ الدفاع الاجتماعى- لابد للقاضى إن أراد أنه يصدر بها حكمًا على المتهم أن يتأكد أولًا من واقع الأوراق أنه - وليس غيره - هو الذى ارتكب الجريمة من ناحية، وأن العقوبة أو التدبير الاحترازى الذى سيطبق عليه مناسب لشخصيته كما تم فحصها بواسطة الخبراء.
أين هذا الأسلوب العلمى فى التعامل مع المتهمين الذى ثبت بالفعل ارتكابهم الجرائم المنسوبة إليهم مع مقترحات تدعو لمعاقبة أهل المتهم؟
نحن مع التطبيق الدقيق لسيادة القانون، ليس ذلك فقط، ولكن مع الاستفادة القصوى من مذاهب السياسة الجنائية الجديدة التى تركز على إصلاح المتهم وليس عقابه بالطرق التقليدية، وكذلك من الأساليب الجديدة فى علم العقاب، والتى تولى عملية تصنيف المذنبين عناية قصوى حتى لا يختلط الحابل بالنابل فى السجون، وحتى لا تتحول إلى «مفارخ» جديدة للجريمة.
ولذلك - فى هذه المرحلة التى يمر بها المجتمع المصرى بعد ثورة ٢٥ يناير- لابد من الإعمال الدقيق لمبدأ سيادة القانون، والاحترام الكامل لمبدأ شخصية العقوبة، ومعاملة المسجونين بطريقة إنسانية رفيعة لا تهدر آدميتهم ولا تصيب بالأذى من سوء المعاملة ذويهم وأقرباءهم ممن يتوجهون لزيارتهم وفقًا للوائح فى محابسهم.
سيادة القانون، وتحقيق العدالة الناجزة، والتعامل الإنسانى مع المذنبين، شعارات أساسية ينبغى علينا أن نكافح جميعًا حتى تتحقق.