الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

التكفير يتمدد في الوطن العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

- يطل فكر التفكير علي البلاد العربية والإسلامية بين الحين والآخر مصاحبا ً للقتل والتفجير .. وآخر ضحايا هذا الفكر هو العالم الصومالي الوسطي الشيخ/ عبد القادر فارح نور الذي قتلته جماعة تكفيرية في الصومال وهو يؤدي صلاة العصر في مسجد البدر بمدينة جروي وسط الصومال .. فلم يرحموا علم الرجل ولا سنه ولا أخلاقه ولا بيت الله الذي يصلي فيه .. ولا حرمة الصلاة نفسها .. ولا الفتنة التي تصيب المساجد من جراء إطلاق الرصاص فيها .
- ناسين أن هذا العالم أحد أعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المعروف بوسطيته واعتداله وسماحته .
- ولكن أين السماحة من فكر يكفر المسلمين عوامهم وخواصهم وعلمائهم ولا يستثني أحدا ً منهم .. ثم يتبع ذلك بقتلهم .
- فما هو فكر التكفير .. وما هي الخلفيات الذهنية والقلبية له .. وهذا ما أجيب عنه في النقاط التالية:
- إذا كان الفكر صحيحا ً سليما ً أنتج مردودا ً ايجابيا ً صالحا ً ومصلحا ً .. والعكس صحيح.. وليس هناك فكر علي وجه الأرض لا مردود له في الواقع العملي.
- والتكفير لابد أن يؤدي حتما ً إلي التفجير .. هذه قاعدة هامة يعرفها كل من يدرس أفكار التكفير.
- والتكفير لابد أن يؤدي إلي الاستحلال .. فالذي يكفر المسلم ويستحل عرضه ويرميه بالكفر من اليسير عليه أن يستحل دمه وماله. . وأريد في هذا المقال أن أعرض لسوءات فكر التكفير في نقاط مختصرة:
1- التكفير يعد أسوأ لوثة أصابت العقل المسلم في مقتل.. وقد بدأت منذ أيام الخليفة الراشد علي بن أبي طالب.
2- لوثة التكفير ليست لوثة في العقل فقط ولكنها أيضا في القلب والفؤاد .. فالقلوب الغليظة الجافة التي لا تعرف الرحمة هي التي يسكنها فكر التكفير والتي تستكثر علي رحمة الله الواسعة أن ترحم عاصيا أو تدخل مقصرا ً الجنة.. ناسيا أن الله أدخل بغيا “,”أي مومسا ً“,” الجنة لأنها سقت كلبا ً كان يلهث من العطش حيث نزلت البئر وغامرت بنفسها وملأت حذاءها بالماء لتسقيه.. فشكر الله لها هذا الصنيع فغفر لها .. كما ورد في الحديث الصحيح.. وقد قال ابن القيم “,”إن نور التواضع والرحمة الذي سكن قلب هذه البغي أحرق كل معاصيها السابقة“,”.
3- العقل التكفيري ينتمي لمن قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عنهم “,” من قال هلك الناس فهو أهلكهم“,” .. فهم لا يعجبهم أحد .. يكفرون الحاكم وأعوانه .. والشرطة والجيش .. ويكفرون البرلمان أيضا .. ويكفرون الصوفية ويكفرون بعض الحركات الإسلامية .. فالناس جميعا عندهم هلكي .. وكان صديقي وحبيبي الشيخ حمدي عبد الرحمن يمزح مع أحدهم فيعطيه ورقة صغيرة ويقول له مازحا: “,” اكتب لي في هذه الورقة أسماء المسلمين في العالم من وجهة نظرك“,” .. وكان هذا أكبر تعبير عن نظرية “,” هلك الناس“,” .. فهو شامخ بنفسه مغتر بإيمانه .. يري نفسه أفضل من الآخرين .. وقد بشره الرسول صلي الله عليه وسلم “,” بأنه أهلكهم “,” بضم الكاف أي هو أسوأ منهم .. أو بفتح الكاف أي أهلكهم يترك دعوتهم والاستطالة والتكبر عليهم .
4- التكفير ينتشر في البيئات قليلة العلم جافة الطبع.. ولذلك انتشر بين الصيادين في الفيوم في إحدى الفترات وفي سيناء وينتشر بين القرويين والشباب أحادي التفكير ..
5- وهو فكر انشطاري يفرق ولا يجمع .. ويمزق ولا يوحد .. فكل خلاف بين أصحابه هو كفر وإيمان.. ليصبح أحدهما كافرا ً والآخر مسلما ً .. أو يكفر أحدهما الآخر.. وهذا عكس الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم الذي كان خلافهم دوما ليس في الحق والباطل والكفر والإيمان.. ولكن في الراجح والمرجوح .. فالآراء الفقهية المعتبرة ليس فيها حق وباطل .. وكفر وإيمان.. ولكنه راجح ومرجوح.
6- تأملت معظم جماعات التكفير التي رأيتها فوجدت أنها سطحية الفكر لا تحب العلم وتكره الاستزادة منه وتحب الطاعة العمياء والتلقين.
7- التكفير يعني تكفير المسلم بالمعصية أو الذنب.. وجماعات التكفير تكفر الحاكم والمحكوم والشرطة والجيش والبرلمان والقضاء.. ومازالت حتى اليوم علي نفس أفكارها ولم تستفد شيئا ً من أفكار ثورة يناير السلمية.. ولكنها اتخذتها وسيلة لنشر أفكارها في ظل أجواء مهيئة من التكفير السياسي والاستقطاب الحاد.
8- المعصية تنقص الإيمان ولكنها لا تنقضه.. والفرق بينهما “,”نقطة علي الضاد“,”.. فالإيمان يزيد ولا ينقص .
9- مصيبة التكفير أنه يجعل من نفسه إلها علي الأرض يحكم علي من يشاء بالكفر ثم ينفذ الحكم بنفسه ثم يدخله النار أيضا ً.. كل ذلك يفعله في هدوء.. ناسيا ً أنه يستلب حق الله في الدنيا والآخرة.. وناسيا ً أيضا ً أن الله سبحانه وتعالي قال للنبي (صلي الله عليه وسلم) وكان وقتها رئيسا ً للدولة “,” لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ “,” .. وقال له: “,” لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ “,” وقال له: “,” فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ “,”.
10- العقل التكفيري يستكثر رحمة الله بخلقه ويضن بها عليهم .. فكيف يدخل هذا العاصي الجنة وكيف يتساوي مرتكب الكبيرة مع العابد والزاهد ليدخل هؤلاء الجنة سويا .. ناسيا أن الله غفر لبغي “,” أي لمومس“,”.. لأنها سقت كلبا رأته يلهث في الصحراء من العطش فنزلت البئر وملأت خفها وسقته .. وكأن الله يقول لهذه البغي“,” أنا أكثر منك جودا ً وكرما ً“,”.
وقد قال ابن القيم تعليقا ًعلي ذلك: “,”أن أنوار الرحمة والتوحيد التي أضاءت بقلبها في هذه اللحظة وهي تسقي الكلب إرضاء ً لله وحده دون سواه فلم يكن يراها أحد من الخلق .. ناهيك عن التواضع لهذا الحيوان الضعيف .. كل هذه الأنوار أذهبت نار المعصية من قلبها فغفر الله لها “,”.
11- لا يدرك هؤلاء أن الحكم علي الناس ليس من صميم عمل الدعاة.. فضلا عن عوام الناس .. والدعاة لا يكفرون الناس ولكنهم مصدر هداية ورشاد ورحمة لهم .
12- الفرق بين فكر التكفير وفكر واعتقاد أهل السنة هي “,” نقطة الصاد “,” كما كنا قديما نعلم أبناءنا.. فأهل السنة والجماعة يقولون إن المعصية تنفي الإيمان ولا تنقصه من أساسه.. أما جماعات التكفير فيقولون أن المعصية تنفي الإيمان وتنقضه.