الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

المزايدون يمتنعون!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا أفهم لماذا نتوقع نتائج مختلفة لمقدمات لم تتغير؟، فمازالت الذاكرة تحفظ أجواء ما قبل 25 يناير 2011، ومازالت الشبكة العنكبوتية الافتراضية تحتشد بدقائق ما كان وما حدث، وما حدث خلف الأبواب المغلقة يتسرب ببطء إلينا لنجمع قطع الصورة المتفرقة ولم تكتمل الصورة بعد، ومازالت الأسئلة المطروحة والمتجددة تبحث عن إجابات، فلا تجد إلا تخمينات، ولم تعد نظرية المؤامرة قادرة على تفكيك ملابسات ما حدث وما يحدث.
أطراف عديدة لم تدرك بعد أن زلزال 25 يناير قد كشف عن واقع جديد وعن متغيرات على الأرض متجاوزة للحلول التقليدية والقمعية والأمنية، لم يلتفت من بيدهم القرار والسلطة لخطورة أن تنتقل فعاليات الاحتجاج من العواصم إلى المدن والقرى في قلب الدلتا والصعيد، ودلالات هذا وتداعياته في المستقبل المنظور، مازالت رؤاهم تشكلها التقارير التي لم تتغير منذ الكاتب المصري الذي احتفظ المتحف المصري بتمثاله وحتى اللحظة، وشعاره كله تمام يافندم، وما هؤلاء إلا قلة مندسة، تحركها أيادٍ خارجية، أو داخلية متآمرة، في إشارة للقوى الرافضة لمنهج السلطة الحاكمة في إدارة الأزمة، وسعي الاختطاف الحثيث والبليد والمفارق لواقع اللحظة وتغيراتها، غافلة عن فعل الشباب الذي تفترسه تضاغطات عديدة بين مستقبل غائم وبطالة تجاوزت معدلاتها الطبيعية، وموجات من الوعود التي لا تملك أن تتحول إلى واقع، وعيون منكسرة تقذف بهم بعيدًا عن الحد الأدنى من الحياة الطبيعية.
لم يكتف القادمون الجدد بإعادة إنتاج ما كان من معالجات قاصرة وانفصال عن الشارع بل زادت بمطاردة أمل أن نجد في “,”الآخرة“,” ما لم نجده في “,”الدنيا“,”، فراحت تؤكد أن من يقفون على الشاطئ الآخر من نهرهم، مارقين وكفرة وخارجين عن المِلَّة، ليصبح شظف العيش وموت الأمل من أمامهم، وجهنم وسعيرها من خلفهم.
لا تزايدوا على وطنيتنا، انتبهوا أيها السادة فخطاكم متسارعة إلى مصير من انقلبتم عليهم، ويبدو أن علاقتكم بالتاريخ منعدمة، وهو المحمل بدروس لو تعلمون مرعبة لكل من يتصور أن الأمور قد دانت له.
لن أذكركم بمفارقة مشهد الجاكت المفتوح بميدان التحرير، وتعلية أسوار القصر لدرء هجوم حصى شباب غاضب، ولا بقرارات تتبدل وتتغير بينما مدادها لم يجف بعد، ولا إحالة لفشل في إدارة الأزمة إلى مقاومات بعض من الغوغاء والحاقدين بحسب تعبيرات دائرة المشيرين، ولا الاتهامات الكارثية غير المسئولة الموجهة كسهام مسمومة للكنيسة والأقباط بشق الصف، والتي يعقبها عزف كتيبة الشر الإعلامية مقطوعات الإقصاء والتهميش وتحقير معتقداتهم في صلف وكبرياء وحس مفارق لمصريتنا وتراثنا، وغير بعيد من المشهد كتائب التخريب، تخطف وتقتل وتحرق، وسلطة تشيح بوجهها بعيدَا، وتعطي للقانون إجازة على نهج من سبقوهم بتفوق يضع السابقون في صفوف التلاميذ.
ويبدو الأمر وكأن شبح الماضي الدموي يطاردهم، فيسرعون الخطى لوضع أيديهم على مفاصل الوطن، يطاردهم هاجس الفشل، ويبدو أن أحلامهم في ليلهم الممتد قد اقتحمتها كوابيس السجون والمعتقلات ويخشون أن تأتي لحظة ترتد بهم إلى خلف قضبانها، فيلهثون في سعي إلى القبض على مقدراته ولا يلتفتون إلى من يطلبون وطنًا لكل المصريين ودولة مدنية ودستور يحقق حلم الإنقاذ والتنمية وتنوير يفتح آفاق الخروج من المأزق، وتحذيرات من التكالب على إعادة هيكلة مؤسسات الدولة على غير أساساتها الصحيحة بما يضمن سطوتهم وسيطرتهم، وعلى الهامش يحبذ وزير التعليم الانقضاض على القوة المصرية الناعمة بدعمه لإلغاء حصة الموسيقى بدلا من إحيائها، وهي القابعة منذ زمن في غرفة الإنعاش، إذ به يأمر برفع أجهزة التنفس الصناعي توطئة لإعلان وفاتها، لأنها بحسب التعبير المنسوب إليه بغير تكذيب تدعو للفجور!!.
وننتظر أن تمتد يد الاغتيال إلى المسرح والسينما والأوبرا والنحت وليس بعيدًا عن الذاكرة ما حدث قبل أيام قلائل، تغطية تمثال أم كلثوم بالمنصورة بوشاح أسود، وكسر تمثال عميد الأدب ـ الذي كان ـ طه حسين بالمنيا، وإغلاق القنوات وإحالة الإعلاميين إلى المحاكم والسجون ومحاصرة مدينة الإنتاج والمحكمة الدستورية ورسائل الترويع التي تملأ الفضاء الإعلامى.
وكأن شيئًا لا يحدث على الأرض من اعتراضات وتحذيرات وكأن مرحلة الارتباك قد انتهت، نفاجأ بإصرار لا يفهم خارج سياق سعي الاستحواذ، بالإصرار على إجراء انتخابات مجلس النواب، تأسيسًا على قانون انتخابات محل جدل وسُجلت عليه ملاحظات دستورية فادحة، وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل مباغت يهدف إلى تفتيت وتشتيت الكتل التصويتية المعارضة، وتحديد مواعيد إجراء الانتخابات في مرحلتها الأولى في أيام أعياد المصريين المسيحيين وكأنهم نسيًا منسيًا، نفس ما كان يتبع في امتحانات المدارس والجامعات، نفس الجليطة السياسية والعناد المتطرف، وربما القصد الجنائي بإقصاء الأقباط جبرًا عن التصويت، والمزري أن يخرج من يتهمهم بالتطرف وتفضيل الخيار الديني على الوطن، يا سلام على الذكاء والألمعية، صحيح إن لم تستح فقل ما شئت، لم ينتبه أولي الأمر أن كل هذا وغيره هو الذي يقف وراء دعوات الاعتصامات المفتوحة والعصيان المدني والتي وجدت لها مكانًا في العديد من المحافظات انطلاقًا من محافظات القنال وتطرق أبواب العاصمة، وتتجمع غيوم كثيفة في سماء الوطن، منذرة بما هو أسوأ، ويكون الرد هو نفس ما كانت تقول به أبواق النظام السابق، مازلت لا أفهم لماذا نتوقع نتائج مختلفة لمقدمات لم تتغير؟.