السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هل يحتاج العالم إلى سوبر مان؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى الأسبوع الماضى جلست أمام شاشة التليفزيون أتابع وقائع فيلم «عودة سوبرمان» مبهورا ومحاطا بابتسامة الجالسين معى الساخرة وتعليقاتهم حول «هيافة» هذه النوعية من الأفلام الخيالية، وانتقاداتهم لمضامينها السياسية الأمريكية «العنصرية».
جلست أفكر فى سبب حبى للأبطال الخارقين، وفى الطريقة التى شكلوا بها شخصيتى وحياتى ووجهات نظرى فى الخير والشر، ومعنى البطولة والعالم. 
فى طفولتى لم تكن أفلام الأبطال الخارقين كثيرة ورائجة كما هو الحال اليوم، ولكننى كنت محظوظا بوجود مجلات القصص المصورة «الكوميكس» حولى فى البيت، ولدى أكشاك الصحف وباعة المجلات القديمة.
السبعينيات كانت العصر الذهبى لمجلات «الكوميكس»، وبالأخص قصص «الأبطال الخارقون»، التى تصدر فى بيروت، «سوبرمان وباتمان والبرق وتان تان...إلخ»، وهذه كانت أولى الحكايات الدرامية، مع حكايات «ميكى وسمير»، تحفر فى رأسى آثارا لا تمحى. 
إلى اليوم، وعقود تفصل بينى وبين الطفل الذى كان يقرأ هذه الحكايات، يدق قلبى كلما طالعت مجلة قديمة من مجلات هذه الفترة... إلى اليوم أتذكر، وأحن إلى هذه القصص، وأستمتع بقراءتها.
عندما ظهر أول وأشهر فيلم لسوبرمان عام ١٩٧٨، الذى لعب بطولته كريستوفر ريف، وشارك فيه أسطورة التمثيل مارلون براندو، شاهدته بالطبع عندما عرض فى مصر، ووقعت مثل الملايين فى عشقه.
ولكن من بين كل الأبطال الخارقين كان عشقى الأكبر، ولم يزل، لشخصية باتمان.. ربما لأنه إنسان عادى فى النهاية. لم يأت من كوكب آخر مثل سوبرمان، ولم يلدغه عنكبوت مثل سبايدرمان، ولم تركب له أجهزة صناعية مثل «الرجل الحديدى»، ولم تتغير جيناته الوراثية مثل «الرجل الأخضر»، ولا يعتمد على المسدسات والمدافع مثل أبطال الكاوبوى.
لم أكن أستطيع التفكير بهذه الطريقة بالقطع، ولكن كل ما هناك أننى كنت أستطيع مع باتمان أن أعيش أحلام يقظة كثيرة أتخيل فيها أننى أرتدى قناعه، وأتسلل ليلا للقبض على اللصوص والمجرمين، وأصدق بالفعل أننى يمكن أن أصبح فى قوته من خلال التمارين الرياضية واكتساب مهارات القتال اليدوى والقفز بالحبال وقذف القطع المعدنية وارتداء سترة مضادة للرصاص.
كثير من الانتقادات توجه لقصص الأبطال الخارقين. فى طفولتى سمعت حكاية الطفل الذى ربط قطعة قماش حول عنقه وقفز من النافذة مقلدا شخصية «فرافيرو»، سوبرمان المصرى الذى كان يؤدى صوته الكوميديان فؤاد المهندس.
لا أعلم مدى صحة الواقعة، ولكن منذ عدة أعوام نشرت الصحف خبرا عن قيام أخين صينيين بالقفز من النافذة مقلدين سوبرمان، مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الثانى.
هل تؤذى أفلام الأبطال الخارقين الأطفال؟ هل تدفعهم إلى ارتكاب أفعال طائشة؟ وهل تزرع فيهم العنف، أو العنصرية، أو الهروب من الواقع...؟ إلى آخر قائمة الاتهامات التى يوجهها البعض لهذه النوعية من القصص والأفلام.
ربما، وربما أناقش هذه الاتهامات لاحقا، ولكن الآن أريد أن أناقش «فوائد» الأبطال الخارقين.
فى نهاية فيلم «عودة سوبرمان» يوشك البطل الخارق على الموت بعد أن بذل كل طاقته فى سبيل إنقاذ الأرض، وتقوم حبيبته، الصحفية، لويز لين، بكتابة مقال بعنوان «هل يحتاج العالم إلى سوبرمان؟».
فى الفيلم لا تكمل لويز لين المقال، وتترك السؤال للقراء ومشاهدى الفيلم والمحللين والنقاد.. الكثيرون قدموا إجاباتهم، وفيما يلى إجابتى مصحوبة ببعض ما اقتنعت به من إجابات الآخرين. 
ولد سوبرمان، كأول رسوم متحركة لبطل خارق، على يد الكاتب جيرى سيجل والرسام جو شوستر عام ١٩٣٨، بعد عقد من الكساد الاقتصادى الكبير وذروة الصراع بين الإمبراطوريات الاستعمارية، وصعود الحزب النازى فى ألمانيا، وقبل عام من قيام الحرب العالمية الثانية. 
كان سوبرمان أقوى من أى كائن بشرى آخر ظهر فى تاريخ الدراما: أسرع من الرصاصة، وأقوى من القطار المتحرك، وقادر على القفز من أعلى ناطحة سحاب. «سوبرمان» هو أول «إله علمانى» إذا جاز التعبير، فالبطولات الخارقة للطبيعة كانت حتى ذلك الوقت حكرا على الآلهة والرسل والمخلوقات غير البشرية وأنصاف الآلهة الإغريقية المولودين لامرأة من البشر، ورجل من الآلهة أو الجان.. أما قدرات سوبرمان الخارقة فلها تفسير علمى واضح: هناك كوكب بعيد اسمه كريبتون حاق به الدمار الشامل، ولكن حاكم الكوكب وزوجته نجحا فى إرسال طفلهما الرضيع إلى كوكب الأرض، ولذلك فإن جيناته الوراثية مختلفة، مثلما يحدث لو أن إنسانا سافر إلى كوكب آخر تخف فيه الجاذبية الأرضية وجدرانه من الكارتون ومساحته فى حجم مدينة صغيرة، ساعتها سيعتبر بطلا خارقا بمقاييس سكان هذا الكوكب.
صفات كثيرة تجمع بين سوبرمان ومبعوثى العناية الإلهية إلى البشر: الولادة غير الطبيعية، القوة المطلقة، الكمال الأخلاقى، الإخلاص فيما يفعله، والمسئولية التى يشعر بها تجاه العالم كله.
الكثيرون كتبوا عن المضمون الدينى لسوبرمان والأبطال الخارقين عموما، ولكن أحدا لم يأخذ هذه الفكرة بجدية مثلما فعلوا فى تايلاند، حيث يوجد معبد بوذى مرسوم على جداره تجليات بوذا المختلفة، ومن بينها رسومات لسوبرمان وباتمان و«نيو»، بطل فيلم «الماتريكس» الذى جسده كيانو ريفز!
يجسد «السوبرمان» أرقى ما وصل إليه طموح البشر فى قالب خيالى قصصى. وهو يجسد حلم الإنسان الدائم بالارتقاء، وفقا لنظرية النشوء والارتقاء لداروين، وهو الحلم الذى عبر عنه الفيلسوف الألمانى الكبير فى كتابه «هكذا تكلم زرادشت»، الذى تنبأ فيه بارتقاء الجنس البشرى إلى «أوبرمينش»، أو «سوبرمان»، إلى كائنات أذكى وأقوى وأسرع وأجمل..والتقطه الزعيم النازى أدولف هتلر مقنعا الشعب الألمانى أنهم أرقى البشر ومن يحملون داخلهم بذرة «الأوبرمينش».
بغض النظر عن أن الأحلام يمكن أن تتحول إلى كابوس، إلا أن الحلم بالارتقاء والتحول إلى سوبر بشر موجود داخل الجميع.
انظر إلى أبنائك وأحفادك، وسوف تراهم كذلك بالفعل، أو على الأقل سوف تتمنى وأنت تنظر إليهم أن يصبحوا كذلك.
سوبرمان هو دعوة للتطور، للاكتمال، وهو يخاطب بالضبط غريزة البقاء والارتقاء، ويستثير بذرة التحول والتحرك، داخل الإنسان.
وللحديث بقية...