الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"بنت القلعة".. ونخب الخيبة والندامة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ستظل أم كلثوم علامة فارقة فى التاريخ الفنى، ليس لأنها قيثارة الشرق وكوكبه ولكن لتكوينها الإنسانى الفذ، فهى ابنة الريف، الفلاحة الفقيرة التى وهبها الله صوتا لا مثيل له.. فانتقلت حياتها وتبدلت لتصبح «الست» التى تنال كل الاحترام من الرؤساء والملوك بشموخها الذى يماثل ملكات الفراعنة.. وقد وصلت لتلك المكانة باجتهادها وصبرها ومثابرتها فى التعلم والاستماع إلى كل ما يضيف إليها ويصقل شخصيتها، وقد ساعدها تواجدها وسط نخب مثقفة ومتفانية تساعد فى البناء وتسعد به.. لذلك تحولت القروية الساذجة إلى سيدة صالون، ومع ذلك ظلت على حيائها وخجلها إلى نهاية العمر، كما ظلت فخورة ببيئتها التى نشأت وتربت فيها وكانت تُعرف نفسها بأنها «فلاحة» بكل فخر واعتزاز بتلك البيئة الزراعية المعطاءة والتى جاء من جذورها فطاحل الفن والأدب وغيرهما من المهن التى أثرت الحياة المصرية والعربية وكانت قوة قاهرة وقادرة فى وجه أعدائنا.. وهنا نجد الفرق بين هؤلاء وبين الأجيال اللاحقة.. فمثلا الفنانة «شيرين عبدالوهاب» والتى أعلنت اعتزالها للغناء والانسحاب من المجال الفنى، وهو خبر أعتبره فرقعة إعلامية للحظة ضبابية عاشتها فنانة أتت إلينا من بيئة شعبية.. تلك البيئة التى تتميز فتياتها بالجدعنة والشهامة كالرجال ولهن ما يميزهن عن غيرهن، وهو ما عبرت عنه السينما والمؤلفات الأدبية وحتى لوحات الفن التشكيلى مثل: «بنت البلد» و«بنات بحرى» للفنان السكندرى «محمود سعيد» أحد رواد الفن التشكيلى فى مصر والذى يعد من أبرع الفنانين التشكيليين خلال القرن الماضى وحتى وقتنا هذا، والذى أوضح من خلال لوحاته أن للبنات فى كل بيئة سمات مختلفة عن غيرهن.. ولكن بكل أسف جاءتنا «العولمة» أو «الأمركة» بمفهومها الحقيقى لتحاول طمس جذورنا وأصولنا وتراثنا، وتجعلنا نسخا ممسوخة من مجتمعات لقيطة بلا جذور أو هوية.. ونجد ذلك يتجلى فى بعض الفنانات اللاتى تتغير بيئتهن تبعا لتغير ظروفهن المادية فيتحولن إلى النقيض.. لنجد من تربت فى حى شعبى له عادات وتقاليد مثل «شيرين» تتخلى عنها، رغم أن الحفاظ على الأصل والافتخار به حتى وإن بدا بسيطا يجلب الاحترام والتميز، ويعطى الشخصية الارتياح والرضا كما كانت «أم كلثوم».. ولكن محاولة الخروج من الثوب الحقيقى هو ما يسبب حالة التقلب التى تصيب البعض.. مثل «شيرين» بنت «القلعة» الحى الشعبى المتحضر التى تخلت عن طريقة نشأتها وطبيعتها، وانشغلت بنفسها أكثر من الاشتغال على نفسها! رغم أنها تملك من الموهبة ما يغنيها عن ذلك، ولا أعلم من أدخل فى قناعتها أنها امرأة مثيرة مما جعلها تغالى فى ارتداء ملابس لا تناسبها وتصرفات لا توائمها ولا تنبع من شخصيتها، فتبدو مفتعلة وخاصة عندما تتصنع تصرفات الفتاة الدلوعة المتحررة وهى ليست طبيعتها، تفتعل مواقف من المفترض أنها عفوية وتلقائية ولكنها تظهر بوضوح مصطنعة.. فعندما ظهرت فى برنامج «ستار أكاديمى» وهى ترتدى فستانا طويلا واسعا، مفتوحا إلى ما يقرب من الوسط، ولأنه واسع لم تظهر ساقها، فأخذت فى فتح فستانها بيديها لتظهرهما!!.. وهو ما لا يليق بفنانة فى حجم شيرين ومكانتها، موهوبة فى اختيار أغانيها ومحبوبة وهى على فطرتها، فماذا تريد من تغيير السلوك؟!.. هل يزيد شهرتها وجماهيريتها؟!!.. وقد اشتدت الانتقادات على شيرين فى الفترة الأخيرة وهى تحاول إظهار أنها لا تبالى بآراء أحد!!.. وتصر وتزيد وتتمادى فى استفزاز منتقديها!! تبالغ فى إظهار حريتها وتبادل القبلات مع زملائها -وهى الظاهرة المخزية التى أصبحت أيضا فى مؤسساتنا الثقافية بين القيادات على الملأ حتى فى المناسبات الرسمية- ثم تقول: «بطلت البوس علشان بنتى فصلها كله باسها».. وهى كلمات غاية فى الخطورة أن يلتفت نظرها مؤخرا إلى أن لا ترى ابنتاها منها ما لا تحب أن تراهما عليه!!.. شيرين فنانة حقيقية وبنت بلد، سيتزايد نجاحها وتهنأ بحياتها لو تعاملت بشخصيتها الحقيقية البسيطة، كما كانت طلتها الأولى، وتعلم أن الأناقة ليست المبالغة فى العرى ولكن ما يلائم الشخصية والجسد، والحقيقة أن التخبط الذى تعانى منه شيرين وجيلها نتيجة لافتقاد الوسط الثقافى لنخب حقيقية، تجتمع فى الصالونات ومعهم الفنانون لخلق الحالة الثقافية الفنية البناءة.. فهل وجدت شيرين أمثال العمالقة أحمد رامى والسنباطى وفكرى أباظة والتابعى وزكريا أحمد والقصبجى ومصطفى أمين وغيرهم الكثيرون الذين احتضنوا أم كلثوم وأخذوا بيديها وأثقلوها بالعلم والثقافة، وهو المناخ المفتقد تماما منذ عشرات السنين لاعتقاد من يعتقدون فى أنفسهم أنهم نخب أن الثقافة تعنى الإباحية وتمثيل شخصيات الأنبياء والتلاسن بينهم وبين كل ما يمثل الدولة لإخضاعه وهم يجهلون من الصالح ومن الطالح!! ولا يعرفون إلا لغة المصالح والدفاع عن الموصومين بالعهر والسكر والإباحية والضاربين فى الثوابت الدينية والمجتمعية والذين يسيرون نياما على خريطة التغيير المجتمعى والحرية المطلقة والتى رسمتها الصهيونية العالمية بكل مهارة واقتدار.. هكذا يتجلى الفرق بين جيل كوكب الشرق «أم كلثوم» وجيل «شيرين» ونخب الخيبة والندامة!!