السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الراقصون مع الذئاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يخطئ مَنْ يظن أن الأزمة السورية فى طريقها للحل، وأن الدمار الهائل الذى شهدته معظم المدن والبلدات والقرى السورية مرشح للتوقف، بعد أن انهار الاقتصاد وتشرد ملايين السوريين فى أصقاع الأرض، وبعد أن تمزق الجيش النظامى أو كاد تحت وطأة حرب العصابات الشرسة التى خاضها طيلة خمس سنوات مع تنظيمات مسلحة شرسة مدججة بأحدث أسلحة الترسانة الأمريكية وبتمويل عربى تركى أمريكى باذخ، ولولا «الوقفة العنترية» للرئيس الروسى فلاديمير بوتين والجمهورية الإيرانية وحزب الله اللبنانى لأصبح نظام بشار الأسد فى ذمة التاريخ ولأصبحنا أمام واقع جديد لدولة سورية «أصولية» ستحاول مستقبلا أن تحكم قبضتها على المنطقة وتحاول تصدير خرابها المستعجل لدول الجوار التى تعنى هنا مصر مباشرة، لأن إسرائيل تعرف أن المؤامرة أساسا حيكت لصالحها، وبالتالى سيكون هذا المد الأصولى متجاوزا لها ولأمنها ومصالحها، لأن مصر التى تجاوزت المرحلة الأولى من المؤامرة والتى كانت متمثلة فى إسقاط جماعة الإخوان من حكم مصر بعد أن كانت ماضية فى طريق أخونتها وإلقائها ثمرة ناضجة فى الطبق الأمريكى الصهيونى.
الشاهد هنا فى أن الأزمة السورية تعايش الآن أخطر مراحلها على الإطلاق رغم الهدنة المعلنة فإن المتآمرين مع المشروع الأمريكى لم يحصدوا نصرا أو تغييرا على الأرض رغم ما أنفقوه من مليارات الدولارات وما دفعوه من دم بعض «فصائلهم» المباشرة على الأرض السورية مثل جبهة النصرة المحسوبة على الدولة السعودية والتى يشارك فى مكوناتها الرئيسية «جهاديون» سعوديون وسوريون ولفيف من عدة جنسيات عربية وأجنبية، وما زال تمويلهم قائما ومستمرا على قدم وساق، ولعل الخبر الذى تناقلته وكالات الأنباء العالمية الأسبوع الماضى يؤكد ذلك، عن إعلان وزارة الداخلية الإسبانية ضبط ٢٠ ألف بدلة عسكرية قبل إرسالها إلى مسلحى تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، حيث قالت الوزارة الخميس الماضى إن الشرطة نفذت عملية لمكافحة الإرهاب فى مدن ساحلية، منها فالنسيا والجزيرة الخضراء فى قادس، حيث تم العثور على ثلاث حاويات شحن بداخلها بدلات عسكرية وغيرها من المستلزمات، وجاء فى بيان الوزارة الإسبانية أن «الشرطة ألقت القبض على سبعة أشخاص للاشتباه فى توفيرهم الدعمين اللوجستى والمالى لتنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» فرع تنظيم القاعدة فى سوريا، وأضاف البيان أن البدلات مرفقة بتصاريح تفيد بأنها «ملابس مستعملة»، فى محاولة لتجنب إثارة الشكوك أثناء مرورها عبر الجمارك.
هذا يعنى أن «جبهة» المؤامرة نشطة وما زالت مستمرة فى غيها ولا يهمها أن يعود الاستقرار إلى سوريا أو أن يتوقف الدمار الممنهج الذى يعيث فى الدولة ويقطع أوصالها، طالما بقى النظام السورى «موجودا» وغير قابل للمحو، وطالما اتسع الاشتباك معه مخافة أن يسترد قوته ويرد الصاع لأنظمة أنفقت الكثير لتدميره، وهو ما أكدته وثائق جديدة فك تشفيرها موقع ويكيليكس بشكل كامل لنصوص بيانات ومعطيات سرية سعودية.
وتقول الوثيقة المنشورة بإن أكثر ما كانت تخشاه الرياض هو تدخل روسيا فى الحرب الدائرة فى سوريا، وأفادت صحيفة «جلوبال ريسيرش» إن «الخوف السعودى كان هائلا لحد دفع سلطات المملكة ومنذ بداية الأزمة إلى منع وسائل الإعلام التابعة لها من انتقاد القادة الروس أو مهاجمتهم، لقد أدركت هذه السلطات أن إعداد وتنفيذ الانقلاب فى سوريا بواسطة القوة سيصبح ممكنا وقابلا للتحقيق فقط إن أبدت موسكو اللا مبالاة فى هذا المجال» وقالت الصحيفة «إن تاريخ الوثائق السرية التى تم فك تشفيرها يعود إلى بداية ٢٠١٢».
وجاء فى الوثائق: «من المهم جدا الإشارة إلى أنه لو تمكن النظام السورى بأى شكل من الأشكال الصمود وتخطى هذه الأزمة، فإن مهمته الأولى والأساسية ستكون بعد ذلك، الانتقام من الدول التى وقفت ضده، والهدف الأول له سيكون المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، ولذلك يجب استخدام كل الطرق المتوفرة للإطاحة بالنظام القائم فى دمشق» - بحسب تلك الوثائق.
إن هذا يعنى فى الأساس أن الهدنة المفروضة حاليا والتى «استثنى» النظام السورى منها جبهة النصرة وتنظيم داعش هى هدنة شكلية معنية أساسا بإخراج أى تنظيمات أخرى من المعادلة، وأن الحرب مستمرة بشكل جديد يعتمد على القصف المدفعى التركى على طول الحدود السورية بحجة لجم الأكراد عن تهديد تركيا وهو فى نفس الوقت يقدم دعما غير محدود لداعش والنصرة، بالحفاظ على الممرات التركية «الآمنة» التى تتدفق منها شحنات السلاح وآلاف المقاتلين، ولا يعنى الاتفاق الذى أدى إلى الهدنة غير أن نظام بشار الأسد «ومن معه» رأوا أن «يراقصوا» الذئاب الذين يحاولون الفتك بهم، وستكون الغلبة فى النهاية لمن يصمد فى رقصته الأخيرة.