الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

وزارة الحالات الفردية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الأشياء التى عجلت بزوال حكم الإخوان هو أنهم دخلوا فى خناقات مع الجميع.. واستطاعوا فى وقت قصير أن يجمعوا الغالبية العظمى من الشعب المصرى على كراهيتهم بمنتهى البراعة.. وكأنهم كانوا متآمرين على أنفسهم.. وقد وفروا بصراحة شديدة جهد ووقت المتربصين بهم للتآمر والقضاء عليهم.. وقد اكتفينا نحن وقتها بالفرجة على مصائب من صنع أيديهم، وكان دورنا كصحفيين وإعلاميين أن ننشرها ونعلن عنها فقط ليعلم بها الجميع.. دخل الإخوان فى خلافات مع الصحفيين والقضاة والشرطة والأطباء والمهندسين وحتى الفنانين.. كما دخلوا فى معارك أيضا مع كل القوى السياسية من الثوار والنشطاء والشباب.. وهنا كان يكمن الخطر الذى أودى بحياتهم السياسية سريعا. 
كان الغرور قد امتلكهم بمجرد أن تولوا الحكم واعتلوا العرش.. لذلك لم ينظروا إلى أحد ولم يهتموا بغضب أحد.. وتجاهلوا الكراهية التى تتراكم فى نفوس الناس لهم يومًا بعد يوم.. ولم يعطوا لها بالا.. فقد تصوروا أن لا أحد يقدر عليهم.. وكان من الداء الدواء.. حيث إن داءهم الأشد أنهم تجاهلوا طبيعة وطبائع الشعب المصرى.. الذى يصمت ليظن الجميع أنه فى سبات عميق، ولكنه يهب فجأة ويخرج ولا يرجع إلا إذا حقق ما يريد..
ومن الغرائب والعجائب أن يسلك نظام يأتى بعد الإخوان نفس طريقهم.. حتى لو كان لديه ظهير شعبى قوى، لأنه حتى بالمنطق السياسى فإنه عليك ألا تدخل فى معارك مع جهات عدة فى وقت واحد.. لأنه يجب أن تجد من يقف معك ويدافع عنك ويسند ظهرك عندما تدخل فى معركة مع جهة ما.. ولكن إذا كنت تحظى بكراهية كل المحيطين فقد يتفقون جميعهم عليك حتى لو كانوا فى الباطن يضمرون الكراهية لبعضهم البعض.. وهو ما حدث أيضًا فى عام الإخوان الأسود، فقد توحدت كل القوى المتنافرة على كراهيتهم واتفقوا عليهم وبعد أن نجحوا فى إزاحتهم رجعوا إلى سيرتهم الأولى فى الكراهية والخلافات فيما بينهم.. ولكن بعد أن نجحوا فى عزلهم بلا رجعة. 
وهذه هى مشكلة أن تخسر الجميع فى وقت واحد.. قد يتفقون عليك وأنت تظن أنك أقوى من الجميع.. الشرطة الآن هى من تسير على هذا النهج بدقة متناهية.. لا يوجد جهه فى البلد تقريبًا لم تتشاجر معها الداخلية وتعاديها من «القضاة، الصحفيين، الأطباء، أساتذة الجامعة، المثقفين، الشباب، القوى السياسية وزخيرا الفنانين، وقبلهم جميعا المواطن فى الشارع».. وللأسف يدافعون عن أنفسهم بمنتهى الرخص فى الحقيقة.. وبنفس طريقة علاج أزمة ياسمين النرش المواطنة التى تشاجرت مع ضابط فى المطار وتم حبسها فيما بعد على خلفية هذه القضية عندما نشروا صورها الخاصة وعنوان بيتها وأرقام هواتفها.. يعالجون أزمة الفنانة التى تشاجرت مع أفراد الكمين منذ أيام، فقد فوجئت بصفحة المقيمون عليها يتبعون «وزارة الداخلية» على الفيسبوك تعرض صورة لفتاة ترتدى فستانا عاريا وتمسك بميكرفون فى حفلة تغنى فيها ويكتبون أنها الفنانة وكلام من ماركة «هى دى اللى إنتو زعلانين عليها» وهى صيغة منحطة للدفاع عن نفسك وأنت فى معركة.. أن تستخدم أسلحة غير أخلاقية وغير شريفة مع خصمك، بغض النظر عن أن الصورة للفنانة أم لا، وبالمناسبة هى لفتاة شبيهة بها وليست هى، خاصة أن الصورة لمغنية، والفنانة ممثلة وليس لها علاقة بالغناء.. ولكن بغض النظر عن إذا كانت الصورة لها أم لا، فإنه بصراحة قمة الانحطاط والغباء أن تستخدم هذه الوسيلة للرد على خصومك ومنتقديك، فإن هذا الأسلوب يخصم من رصيدك أكثر وأكثر ويدينك ويجعلك شيئًا مقززًا وعنصرًا فاسدًا لا بد من بتره.. لأنك بذلك تنشر الفساد والابتزاز فى المجتمع.
ثم أن الداخلية تبرر دائما وأبدا تجاوز رجالها فى حق المواطنين بأن ما يحدث هو مجرد «حالات فردية».. وعليه فإن من حق المواطنين إذن اعتبار تضحيات رجال الشرطة فى مواجهة الإرهاب والجنائيين أيضا «حالات فردية»، ليصبح الاسم الجديد لها كما تسمى الآن «وزارة الحالات الفردية».. وللأسف فإن زملاءهم المتجاوزين هم من يضيعون حق شهدائهم، وأصلا رجل الشرطة لا يعرف دوره الحقيقى لأنه لو يعرفه لما رأينا تجاوزات إلا نادرا.
غير أن المفهوم السائد والذى يتعامل على أساسه الآن الضباط ورجال الشرطة هو أنه «طالما يحميك فمن حقه أن يفعل فيك ما يشاء».. وهو ما نراه واضحا فى روايات أديبنا العالمى «نجيب محفوظ» فى «ملحمة الحرافيش» والتى تتناول دور الفتوة أو البلطجى الذى يفرض إتاوات على الناس «الحرافيش» ويذلهم ويقهرهم ويبتزهم ويساومهم بدعوى أنه يحميهم، ليكون هو سيفًا مسلطًا على رقابهم وبمجرد ظهوره فى الحارة لا أحد يشعر بالأمان.
والغريب أن يرضى ضابط الشرطة بهذا الدور الرخيص «الذل مقابل الأمن»، وهو ما يجعل من شباب زى الورد، هم صغار الضباط، مرضى نفسيين، ومع الوقت مصابين بالسادية.. لأنه يتصور أن هذا هو دوره، يضربك ويحميك فى نفس الوقت وعليك أن ترضى بالذل والإهانة وإلا يتركك عرضة للسرقة والقتل، وإذا كانت الشرطة سوف تظل تتعامل بهذا المفهوم فإن النبوءة تقول إن الشعب المصرى مع الوقت سوف ينحيهم جانبا ويطالبهم بالبقاء فى منازلهم، لأن لا أحد يستطيع أن يذل ويبتز هذا الشعب، خاصة وقد تغير الزمان.. والشعب يستطيع حماية نفسه بمنتهى العند والصلابة، وقد رأينا ذلك عقب اندلاع ثورة يناير عندما انسحبت الشرطة من الشوارع، ولم تقم بواجبها فإن الشعب كوّن «اللجان الشعبية» وكان يحمى نفسه بنفسه.. وإذا كانت الداخلية من الآخر تريد أن تحافظ على «أكل عيشها» فعليها أن تفهم دورها الحقيقى، بتوفير الأمن والأمان ليس الأمن فقط فما فائدة الأمن إن كنت لا أشعر فى بلدى بالأمان.. وعليها احترام الناس وهى تحميهم.. ليس دورك أن تضرب المواطن. دورك أن تحميه أو تضبطه حين يرتكب جريمة، كما أن دورك أيضًا أن تحاول منع الجريمة أن تقع من الأساس.. فإن الشرطة فى بلاد كثيرة منها «الإمارات» على سبيل المثال لا تشعر بها ولكنها فى منتهى القوة والردع، تحترم المواطنين لدرجة أن شخصًا لو ضل الطريق يتصل بهم ويحضرون إليه فى لمح البصر ويقومون بتوصيله إلى العنوان الذى يريده، هم هكذا يحمون المواطن من أن يضله أحد ويستغله أو التعرض لأى أذى مثل السرقة بالإكراه مثلا، ويوفرون له الأمن والشعور بالأمان.. ولكن فى مصر أصبحت الشرطة مصدر فزع ورعب للناس، بل إن المواطنين أصبحوا لا يشعرون بالأمان عند رؤية ضباط وأمناء الشرطة.