تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
مصر ليست حكاية مكررة، ولا قصيدة شعر محفوظة، ولا لوحة بديعة لا تتغير..
إنها شلال إبداع متدفق، وهبة نسيم متغيرة، وزقزقة عصافير متجددة، لذا فإنني أستثقل كثيرًا استعادة الماضي، والعودة للتاريخ، لاستنساخ أبطال ورموز وطنية بزغت في مراحل ما، وصار تكرارها مؤلمًا ومزعجًا في الوقت الحالي.
أقول هذا بمناسبة تشبيهات عديدة تربط بين الفريق عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة، والرئيس الراحل جمال عبد الناصر. إن بعض الأقلام تُشبّه الرجل بـ“,”ناصر“,” في شجاعته، وحزمه، ووطنيته، وشعبيته، وهيبته.
وحتى “,”الميديا“,” الغربية -بسوء نية- تحمل بعض الإشارات لميلاد “,”ناصر“,” جديد في مصر يمثّل حلم الزعامة لشعب مُحبط مُثبط يبحث عن بارقة أمل في ممر مظلم.
ولا أتصور أن يجرف التيار مثل هذا العقل المخضرم ليقدم لنا نموذج جمال عبد الناصر مرة أخرى. مهما كانت محبة “,”السيسي“,” في قلوب البسطاء، ومهما بلغت شعبيته، فإننا لا نريد “,”ناصر“,” جديدًا.
فعبد الناصر -رغم شعبيته- لم يقدّم لمصر واقعًا وإنما حُلمًا. لم يحقق لها تقدمًا عمليًّا وإنما ريادةً وهمية. لم يصنع انتصارًا حقيقيًّا، وإنما تراجعًا وتدهورًا ما زلنا ندفع ثمنه حتى الآن. لم يقدّم كبرياء فعليًّا وإنما هي كلمات وخطب رنانة ترجمها الشاعر نزار قباني في قصيدته الشهيرة “,”هوامش على دفتر النكسة“,” بوصفها “,”العنتريات التي ما قتلت ذبابة“,”. لم يترك لنا حتى وحدة عربية كان يطنطن بها ليل نهار، وإنما شعارات استثمرها الطغاة العرب من بعده بدءًا بصدام حسين وحتى معمر القذافي.
كان عبد الناصر يرى أنه الوصي على هذه الأمة، ونحن لا نريد أوصياء. وكان يعتبر نفسه مُعلم الشعب، ونحن نرى أن الشعب هو المُعلم الأول والأعظم. وربما كان يتصور أنه مُحقق العدالة والكرامة الإنسانية للمصريين، رغم أن ضحايا استبداده كانوا أعصى على الإحصاء.
لقد ولىَّ زمن الزعيم الفرد، والقائد الأوحد، والرئيس الأب، إلى غير رجعة فى كل الدول الحرة، وصار القائد دائمًا مُحاسبًا، ومُراقبًا، وموظفًا، وخادمًا لدى الناس.
إن الذين يشبّهون السيسي بـ“,”ناصر“,” لا يعرفون أن عقارب الساعات تتحرك، وأن عقليات الشعوب تتطور، وأن محبة الناس مرهونة بتحقيق مصالحهم وتعزيز إنسانيتهم. ولكم في مؤشرات رضا الشعب الأمريكي المتذبذبة تجاه رئيسهم المنتخب أسوة حسنة.
وإذا أراد الفريق عبد الفتاح السيسي الترشح للرئاسة -وهذا حق كل مصري- فعليه أن لا يكون سوى نفسه. والله أعلم.
مصطفى عبيد
[email protected]