ضاقت خيرية أحمد بخروج صبحى عن النص كثيرا وأربكها هذا.. وشعرت أنها قد تترك العرض في أي لحظة وراح صبحى يفكر في ممثلة أخرى.
واقترح أن نأتى بممثلة غيرها فقلت إنه ما أن تشاهد خيرية أي ممثلة تتفرج على العرض ستفهم وتترك العرض في اليوم التالى.. وكانت هناء الشوربجى تأتى مع زوجة صبحى كثيرا للمسرح ولم تكن لها خبرة إلا في عرض واحد بالمسرح القومى لمدة شهر فاقترحت عليه أن يدرب هناء على الدور بمنزله وكانت تسكن بجوارهم فإذا حاولت خيرية ترك العمل فجأة تكون هي البديلة.. وحدث ما توقعته فقد جاء عرض لتقديم المسرحية في تونس ورأت خيرية في انسحابها فرصة لأن تترك العمل أو تفرض شروطها ولم تحضر للمسرح وكان آخر عرض قبل السفر بيوم وهنا كانت هناء قد أصبحت جاهزة للعمل، وبالفعل وقفت على المسرح وكنا قد وضعنا على شباك التذاكر من قبلها أن المسرحية ستتوقف لأسبوع للعرض بالخارج ولأول مرة اكتظ المسرح يوما بعد يوم وفى آخر يوم ولم يعد به مكان لكرسى.. ولم تسكت خيرية وإنما كتبت مرتين وربما ثلاث مرات في الصحف تشكو من صبحى ولم أكن ضدها أبدا لكنى لم أستطع فعل شيء.
وأثناء ذلك كنت قد كتبت للأكاديمية طلبا بالسفر للخارج وقدمته لوكيل الأكاديمية ليعرضه على الدكتور المحترم رشاد رشدى وفى نفس اليوم وقع على الطلب فكتب «سيادته لا يعمل بالأكاديمية».. قلت للوكيل أنت تعلم أنى أتقاضى مرتبى من الأكاديمية ومنتدب خارجها فابتسم الرجل وهز رأسه وقال إنه يعرف هذا لكنه لا يستطيع عمل شيء.
وبعدها ذهبت لسعد الدين وهبة وكان وكيل وزارة الثقافة وعرضت عليه الأمر فقال إنه سيتكلم مع الدكتور فإذا رفض سوف يعطينى التصريح من مكتبى.
وفى اليوم التالى ذهبت لوكيل الأكاديمية فأعطانى التصريح بالسفر وقد وقع الدكتور بنفسه بالسماح لى بالسفر ووقع تحت نفس الورقة التي كتب عليها عدم السماح! وما زال التصريح من وقتها ضمن أوراقى ولاحظ أنه حتى هذه اللحظة لم يكن الأستاذ جلال الشرقاوى قد فكر حتى في تحضير مسرحية الدكتور رشاد التي كان من المفترض أن تكون العرض الثانى لولا أن «الحمير» ظلت تعرض بنجاح.
وذهبنا إلى تونس ولم يكن أحد في تونس قد رأى أو سمع عن صبحى أو هناء الشوربجى وإنما محمود المليجى وتوفيق الدقن فقط لا غير.
وقبل العرض بيوم رأيت صبحى في حالة من الارتباك الشديد فقلت له إن الناس ستستقبله جيدا بشرط ألا ترتبك أو تهتز لكنه لم يستطع أن يسيطر على أعصابه فكان مرتبكا للغاية بعدها قلت له قد مر الصعب وستكون غدا أفضل من الأمس، وقد كان.
ونجحت العروض الأربعة وكان العرض الأخير في مسرح خاص بقصر بورقيبة وكان الحاضرون قلة بالطبع لكن في النهاية صفق لنا الرئيس ومعه زوجته وأتذكر أنه نزل درجات سلم قليل لكى يشكرنا بحرارة شديدة فقلت لنفسى إنه جاء بنا كى يخلص الشعب التونسى من اللغة الفرنسية التي كان يتحدث بها كثير من التوانسة كى يتعلموا الحديث بالعربية.
كان صبحى قد طلب منى ألا أغالى في الأجر ولما عرض على المنتج نفس الثلاثمائة جنيه لم أرفض لكنه قال لوحده إنه سيزيد من هذا المبلغ إذا نجحت المسرحية وعندما نجحت وأصبح هذا واقعا لم يفكر المنتج أن يوفى بما قاله لى.. ولكنى ثانية لم أطلب شيئا.. وسافر العرض إلى ليبيا وبلد آخر لا أذكره الآن.. ولكن المنتج لم يأخذنى معهم هذه المرة ولم يطلب صبحى منه ولم يفِ بوعده لى أن أذهب معهم أو يعطينى ما قد وعد أن يعطينى به في حال النجاح وأمام صبحى إذا نجحت المسرحية.. لكن صبحى لم يطلب منه أن يفى بما وعد به أمامه.. ولم أتكلم واعتذر لى صبحى عندما سافر الفريق بدونى وقال إنهم سيأخذونى معهم في العرض القادم للخارج ولم يحدث ولم أطلب أيضا رغم نجاح المسرحية.. لكن صبحى طلب زيادة من المنتج مرتين وهو يعمل.. وأخذ ما طلبه بالتمام.
أما الشرقاوى فقد ذهل أن مسرحية «إنهم يقتلون الحمير» تعرض في نفس الوقت في الكويت من إخراج مخرج مصرى لم أكن أعرفه وتلقى نجاحا كبيرا من الجمهور الكويتى والمصرى وعلى رأسهم الأستاذ فؤاد دوارة الذي كان في وقته أفضل وأصدق نقاد المسرح.. ورغم أنى فوجئت أيضا فقد ضحكت بشدة.. فلم أكن في انتظار الأموال التي أفتقر إليها.. بل كنت أطمح لعمل مسرح مختلف في ظل المسرح الخاص ولو بعض الشيء.