أعتقد أن المتابع لهذه السلسلة من المقالات قد تبين له جليا أن المسلمين قد عانوا أشد المعاناة على مدار تاريخهم من نظام الخلافة الذى يتباكى عليه بعض الأصوليين، ويتمنون عودته مرة أخرى كبديل لأنظمة الحكم الأخرى، وقد استغل هؤلاء جهل الناس بالتاريخ، فراحوا يصورون لنا عصر الخلافة بأنه عصر ازدهار للأمة، وبأن جميع الخلفاء كانوا يتقون الله ويحكمون بشرعه، وأظن أننا قد أوضحنا الحقيقة كاملة عبر هذه البانوراما التاريخية، وكنا لم نزل نستثنى الخلافة الراشدة رغم ما وقع فيها من فتن عظيمة أدت إلى انقسام المسلمين إلى أحزاب وفرق ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، بعدما كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمة واحدة، ونستثنى أيضا حكم عمر بن عبد العزيز الذى لم يدم أكثر من عامين، أما باقى الخلفاء فإن التاريخ قد كتب سيرهم بمداد من دماء، فهذا قد قتل والده طمعا فى الخلافة، وذاك قد أشعل حربا مع أخيه لأجل الكرسى، وفى كل الحالات استغل الدين أسوأ استغلال لتوطيد أركان الحكم، وهل ظاهرة التكفير والخروج من الملة قد ظهرت عند المسلمين إلا مع الصراع على الخلافة؟ وهذا الصراع لم يهدأ يوما، أى أن نظام الخلافة لم يضمن استقرار الأمة كما يظن البعض، فالخروج على الحاكم كان أمرا معتادا، فما بين سطر وآخر ستقرأ فى كتب التاريخ الإسلامى أن فلانا قد خرج على الخليفة وسمى نفسه أمير المؤمنين، وبايعه خلق كثير، ودخلت فى طاعته بلدة كذا وكذا، وعندما أعود بخيالى عبر التاريخ لأضع نفسى مكان المواطن المصرى البسيط الذى كان يعيش فى القرن الثالث الهجرى ويدعو للخليفة العباسى الجالس على عرشه فى بغداد، ولكن بين ليلة وضحاها تحتل بلاده جيوش خلافة أخرى فيضطر إلى نقض البيعة التى فى عنقه للخليفة العباسى، ويصبح تابعا للخليفة الفاطمى، وعليه أن يوافق على تكفير الخليفة العباسى الذى كان يتبعه أمس، وهكذا تتحول الدولة الإسلامية الواحدة إلى ثلاث دول، الأولى فى بغداد (العباسية)، والثانية فى مصر والمغرب العربى (الفاطمية)، والثالثة فى الأندلس (الأموية)، والثلاثة يكفرون بعضهم البعض، ولك أن تراجع تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبرى، وتاريخ الخلفاء للسيوطى، والكامل فى التاريخ لابن الأثير، وتاريخ الإسلام للذهبى، وليس غريبا أن كل خلافة تتهم الأخرى بالكفر البين وبالأصول اليهودية، هكذا قالوا عن الفاطميين وعن القرامطة، ولمن لا يعرف فقد ظهر يحيى القرمطى فى القرن الثالث الهجرى، وتحديدا فى عهد الخليفة المكتفى بالله، وأعلن نفسه أميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين، فتبعه الآلاف، وكون جيشا كبيرا حارب جيش الخلافة العباسية، فلما قتل تولى الخلافة شقيقه الحسين الذى أعلن أنه قد بعث لنهضة المسلمين وخلاصهم من الحكم العباسى الجائر، وفى سرعة البرق عظم ملكه حتى وصل إلى مكة، فلما جاء الحجيج لقضاء مناسكهم لاقاهم القرامطة فقتلوهم جميعا داخل المسجد الحرام وطرحوا القتلى فى بئر زمزم، وضربوا الحجر الأسود فكسروه، ثم اقتلعوه من مكانه وسرقوه لأكثر من عشرين عاما...
إذن يا سادة فليس غريبا ما يفعله داعش الآن، فهم يقومون بما فعله أجدادهم، حيث كانت بحار الدم لا تنقطع ولذة القتل لا تنتهى، وكان مصير المفكر والعالم هو السجن والجلد والصلب، فلقد مات ابن تيمية يا أدعياء الخلافة وهو فى سجن الخليفة، وعذب الإمامان أحمد والشافعى، وهزمنا على يد التتار الذين قتلوا الخليفة، وسلبت القدس منا فى أيام الخلافة، ولما أعادها صلاح الدين تنازل عنها أبناؤه طواعية، ولما أراد خمارويه بن أحمد بن طولون توطيد حكمه بمصر زوج ابنته قطر الندى من ابن الخليفة العباسى المعتضد، ولما شاهد الأخير جمالها قرر أن يتزوجها هو وفى المقابل أعطى حماه صكا بحكم مصر، تماما مثلما حدث مع محمد على الذى استقل صوريا عن الخلافة العثمانية بعدما أدى لها خدمات جليلة، منها محاربة الوهابية باعتبارها فئة خارجة عن الشرعية، بل وكافرة، كما أفتى بذلك علماء الدولة العثمانية، وختاما فقد وضع الشيخ على عبدالرازق كتابا بعنوان «الإسلام وأصول الحكم»، صدر عام ١٩٢٥، أى بعد سقوط الخلافة بعام واحد، يؤكد فيه أن نظام الخلافة لم يكن يوما من صلب الدين أو عاكسا لنظرية سياسية فى الإسلام.
إذن يا سادة فليس غريبا ما يفعله داعش الآن، فهم يقومون بما فعله أجدادهم، حيث كانت بحار الدم لا تنقطع ولذة القتل لا تنتهى، وكان مصير المفكر والعالم هو السجن والجلد والصلب، فلقد مات ابن تيمية يا أدعياء الخلافة وهو فى سجن الخليفة، وعذب الإمامان أحمد والشافعى، وهزمنا على يد التتار الذين قتلوا الخليفة، وسلبت القدس منا فى أيام الخلافة، ولما أعادها صلاح الدين تنازل عنها أبناؤه طواعية، ولما أراد خمارويه بن أحمد بن طولون توطيد حكمه بمصر زوج ابنته قطر الندى من ابن الخليفة العباسى المعتضد، ولما شاهد الأخير جمالها قرر أن يتزوجها هو وفى المقابل أعطى حماه صكا بحكم مصر، تماما مثلما حدث مع محمد على الذى استقل صوريا عن الخلافة العثمانية بعدما أدى لها خدمات جليلة، منها محاربة الوهابية باعتبارها فئة خارجة عن الشرعية، بل وكافرة، كما أفتى بذلك علماء الدولة العثمانية، وختاما فقد وضع الشيخ على عبدالرازق كتابا بعنوان «الإسلام وأصول الحكم»، صدر عام ١٩٢٥، أى بعد سقوط الخلافة بعام واحد، يؤكد فيه أن نظام الخلافة لم يكن يوما من صلب الدين أو عاكسا لنظرية سياسية فى الإسلام.