أصدر الروائى محمد علاء الدين
روايته الأولى «إنجيل آدم» في ٢٠٠٦م، وأثبت من خلالها أن لديه شكلًا يخصه في كتابة
الرواية، ويعمل على عالم مختلف تمامًا لا يطرقه سواه، قدم علاء الدين العديد من الأعمال
الروائية المتميزة بوتيرة تكاد تكون ثابتة، أي عمل تقريبًا كل عام، وتكاد تكون روايته
الأخيرة «كلب بلدى مدرب» من أشهر أعماله الروائية بعد عمله الأول، وهى الرواية التي
تناول فيها إحدى الشخصيات التي تكتب قصصًا جنسية لمواقع البورنو على شبكة الإنترنت،
تُرجمت معظم أعمال علاء الدين إلى العديد من اللغات الأجنبية، وأشاد به العديد من النقاد.
هنا حوارنا معه..
■ رغم تورطك في الأحداث السياسية ومتابعتها إلا أنها لم تشغلك
عن مشروعك، بل جاءت إصداراتك في وتيرة تكاد تكون منتظمة كل عام؟.
- نعم، تقريبًا هو
كذلك، أظن أن مهنتك وشاغلك الأول هو الكتابة، لا أقصد تماما أن يكون هذا الأمر مقصودًا،
أغلب ما أقصده هو عفوية الفعل، بل جبريته أحيانًا، تلك الدودة التي تلتهم الكاتب كما
قال يوسا: «أنا مُتفرغ للكتابة، وأكتب بسرعة لأننى، كما آمل، أكتب مطولا في دماغى قبل
أن أطبع الحروف فوق صفحة الكمبيوتر» أظن أنه من الطبيعى جدا أن أحافظ على وتيرة شبه
منتظمة للنشر ما دمت أعتقد، والله ستار حليم، أن هناك شيئًا يستحق نشره في هذه الصفحات.
■ ذكرك الكاتب الأمريكى «بول توتونجى» في مقاله «خمسة مؤلفين
مصريين لا تعرفهم، لكن يتوجب عليك قراءتهم»، ولك العديد من الأعمال الروائية المهمة،
ورغم ذلك نرى إقبال القراء على كتابات أخرى أقل شأنا، ما تفسير ذلك؟
- نعم، وكان مقال بول
لفتة طيبة، خاصة مع ذكر بهاء طاهر، وخيرى شلبى، ويوسف زيدان، وصديقتى العزيزة منصورة
عز الدين في هذه القائمة، وأشكرك على مجاملتك الرقيقة هنا. حسنا، دعنا نقول: إنه، وبصفة
عامة، فقد اعتبر النقاد الغربيون تشارلز ديكنز آخر من جمع بين الأدب الرفيع وغزارة
المبيعات، حتى ماركيز نفسه لم يبلغ ما حققه ديكنز، بالقطع لا يبيع ساراماجو مثلما يبيع
ستيفن كينج، ولكننى أود سؤالك: وما عيب ستيفن كينج؟! قد يكون أحيانا مقياس «الجدية»
أو «التميز» خاصًا بنخبة من الكتاب والنقاد، حتى صك مصطلح «كاتب الكٌتاب» للدلالة على
الكتاب العظماء الذين يفتتن بهم الكتاب أقرانهم، رغم ضعف مقرؤيتهم تبعًا لآليات السوق،
انظر إلى جويس وبروست مثلا. أعلم أنه مخيب قليلا لآمال النخبة أن أقول: إننى لا أمتعض
أبدًا من هذه الكتابات، ولا أرتدى زى «محرق الكتب» الشهير في رواية برادبيرى. قد تكون
فرادة الكتابة العظيمة هي تجاوزها لزمانها، وهو الأمر الذي يُقلل من مقرؤيتها، ولكن
هناك كتابات أخرى، وقابلة جًدا أن تكون عظيمة بذاتها وأن تكون أمثلة حقيقية للأدب الرفيع
(بالمناسبة لا أحب هذا التعبير)، هي ابنة زمانها والمعبرة عنه، ليس الأمر عيبًا أبدًا،
فقط أتمنى أن يتقن كُتاب مثل هذه الأنواع كتابتهم إلى حد الأستاذية، مثل كينج.
■ نلاحظ الآن وفرة في الإصدارات الروائية لم نلحظها من قبل،
ومعظم هذه الإصدارات بمعيار الكتابة الروائية هي كتابات خفيفة لكن يصدر منها ما يزيد
على العشر طبعات، هل المشكلة هنا في الكتابة الجادة التي لا تجد من يهتم بقراءتها،
أم في مستوى الوعي؟
- انظر، أعتقد أن الإباحة
خير جدا من المنع، والتوافر أفضل طبعا من الشح. أُفضل نشر عشرين كتابا بها كتابان جيدان،
عن خمسة بها واحد عظيم. الفكرة هي أن الكاتب الجيد قابل دائما للتطور، والنشر يفيد
الكاتب في التعلم والخبرة، سواء من خلال الآراء العابرة أو الملاحظات العميقة. بالتالى
أرى أن هذه الكثافة شيء صحى تماما مهما يكن في الأمر، لسبب أدبى ذكرته لك، ولسبب عملى
آخر، وهو أن هذه الكثافة تساعد على تحويل النشر في بلادنا العربية إلى صناعة حقيقية،
وهو الأمر الذي يستفيد منه جميع الكتاب على اختلاف مستوياتهم، مثلا، نعانى كثيرًا من
ضعف آليات التوزيع لكل الكتابات المنشورة بلا استثناء، وهذا التحول المأمول قد يساعد
جدا. شيء آخر هو أننا جميعا، تقريبا، بدأنا بقراءة كتب خفيفة، وكانت مدخلًا لنا لقراءة
ما هو أعمق وأكثر جودة، وإذا انتقل ١٠٪ فقط من هؤلاء القراء مثلما انتقلنا، فسأعتبر
هذا رائعًا.
■ كتبت مجموعتك القصصية «موسم الهجرة إلى أركيديا» التي كانت
عبارة عن ثلاث قصص فقط، ومن الملاحظ طول هذه القصص نسبيا، هل كتابتك للرواية جعلتك
غير قادر على التخلص من النفس الروائى الطويل؟
- أبدا، لقد بدأت كتابتى
بمجموعة قصص قصيرة (كما هي عادة الروائيين) وكنت سعيدا برؤية ٣ آلاف نسخة تنفد في وقت
قياسى، لا يزال لها محبوها الذين أشكرهم جدا، كذلك الحال مع مجموعتى الثانية «الحياة
السرية للمواطن م»، ثم «الصغير والحالى» التي أظن أنها قد دعمت جدًا صيحة «القصة النبضة»
أو «القصة القصيرة جدًا»، وأنا فخور بإنجازى القصصى كما أنا فخور بإنجازى الروائى الذي
هو بيتى الأول. لا أعلم لم كتبت أركيديا بهذا الشكل، شكل القصة الطويلة شبه الروائية.
دعنى أضحك عليك وأقول لك مثلما يقول الكتاب العظام، حين لا يعلمون: «أعتقد أنها كتبت
نفسها».
■ في روايتك الأولى «إنجيل آدم» اعتمدت اعتمادًا كاملًا على
أسلوب التداعى الحر، لكن النصف الثانى منها كان يتماس كثيرا مع الأسطورة الدينية وكأنك
تُعيد تشكيلها مرة أخرى، من وجهة نظر دينية، ألم تخش سطوة المد الدينى الذي يترصد الكتابات
الأدبية التي تتعرض لذلك؟
- أبدا، ورجعت لذلك
في روايتى الثالثة «الصنم»، التي اختارها النقاد هي وآدم باعتبارهما ضمن أفضل كتب العقد
الأول من القرن الواحد والعشرين، في العدد الخاص بهذا في جريدة أخبار الأدب. أظن أننى
كنت محظوظًا بالنظر إلى ما ناله هذان الكتابان من شهرة أو تقدير. على العموم، دعنى
أحكى لك حكاية: قال لى قارئ في الإسكندرية: إن هناك من معارفه السلفيين من أمسك بالرواية،
وأخذ يدون الملاحظات على هامشها، على غرار «كافر»، و«يستتاب»، وإلخ.. الأمر المثير
للدهشة والسعادة أنه أكمل هوامشه حتى نهاية الرواية.
■ معظم الشخصيات في عالمك الروائى هي شخصيات منكفئة على ذاتها،
لا ترغب في الخروج من شرنقتها وكأنها رافضة للواقع الذي تعيشه ومن ثم تُفضل الحياة
داخل ذاتها، ولعل هذا ملمح رئيس من ملامح جيلنا الروائى بالكامل تقريبًا، هل انتهى
بالفعل عصر القضايا الكبرى في الفن، أم أن هذا الجيل غير مهتم غير بذاته فقط ولا يرى
ما هو خارجها؟
- لا أتفق مع هذا الرأى،
أظن أننى مُعجب تماما بما قاله إبراهيم فرغلى في مقاله العذب عن «إنجيل آدم» في النهار
اللبنانية (بالمناسبة أنا أشكره عليه جدا، هو نادر ومقل في الكتابة عن الروائيين الزملاء،
غير قراءته البديعة للرواية): هي ذاتية منفتحة على العالم، يبدو لى أن ما تصفه هو لعنة
جيل التسعينيات التي لم يخرج منها حتى الآن، ولكنى أظن أن شخصياتى لها فراداتها وفى
نفس الوقت انغماسها فيما يجرى حولها. إذا تكلمت عن الجيل: لا يوجد جيل لا يهتم إلا
بذاته وينزل ليعرض نفسه للقتل في يناير ٢٠١١م وما بعدها.
■ رغم أن روايتك «كلب بلدى مدرب» هي الأحدث من بين أعمالك
تقريبا إلا أنها الأكثر شهرة بعد روايتك الأولى «إنجيل آدم»، هل ترى أن العالم الذي
اخترته لها قد ساهم في هذا الانتشار حينما رآه القارئ عالما غريبا عنه؟
- لا أظن أنه غريب
عنه، ولكن فكرة أن يمتهن أحدهم كتابة القصص الجنسية هي الغريبة (رغم أننى قابلت فعلا
من يفعل ذلك، وساعدنى مشكورا في بعض التفاصيل)، فيما عدا ذلك أظن أن كل مفردات هذا
العالم مألوفة وقريبة لمن يقرأ، حتى استخدام العامية في الحوار لأول مرة في كتابتى.
السبب الثانى، فيما أظن، أنها رواية درامية، بمعنى أن لها حكاية، لها بداية ووسط ونهاية
بشكل معتاد وهادئ، اعتبر بعض النقاد الإيطاليين أنها يمكن تحويلها لفيلم بجدارة.
■ قدم محمد علاء الدين عالما روائيا يخصه وحده لم يتشابه فيه
مع أحد، ولا ينكر أحد أهمية ما تقدمه من أعمال روائية مختلفة عن السائد، ولكن اجتنبتك
الجوائز رغم ترجمة جل هذه الأعمال للعديد من اللغات، هل ترى تقصيرا في تقدير ما تكتبه،
وهل ستضيف لك الجوائز كثيرا في مقابل التقدير النقدي؟
- أشكرك مرة أخرى على
هذه المجاملة. في الحقيقة أنا أتحمل نصف المسئولية، فقد ظللت عازفا عن التقدم للجوائز
منذ حصول روايتى غير المنشورة «الدوائر» على الجائزة القومية لهيئة قصور الثقافة في
العام ٢٠٠٤م، حتى العام ٢٠١٠م تقريبا، تحت ضغوط الحياة المشتركة مع رفيقة حياتى السابقة
وتحت إلحاح العديد من الأصدقاء ومنهم بهاء طاهر، ومحمد فتحى كمثال. ووصل بى الأمر قبلها
إلى الاتصال بالدكتورة فاطمة البودى لسحب ترشيح «اليوم الثانى والعشرون» للدورة الأولى
من البوكر. النصف الآخر أظن أن السياسة تتحمل وزر ذلك. نعم، قد يكون هناك «معارضون»،
و«ثوريون» يحصلون على الجوائز، ولكن هناك خطًا رفيعًا: هم يقبلون بالدولة ولكنهم يختلفون
على الأنظمة أو الأشخاص، وأنا أرفض هذه الدولة من أساسها، وأرى في طريقة تخطيطها وبنائها
المشكلة. هذا فارق لا يدركه الكثيرون، ولكنه فعلى وحقيقى. لا أستغرب مثلا منعى من كتابة
المقالات في مصر لذلك.