تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في خضم الجدل الدائر حول مواد الدستور التي تناقشها لجنة الخمسين تبرز في وقت واحد نغمات ثلاث:
- ترتفع أصوات بعض التيارات محاولة النيل من فضيلة شيخ الجامع الأزهر بدعوي مساندته لعزل الدكتور مرسي.
- ترتفع في نفس الوقت أصوات تطالب بضرورة أن يكون شغل منصب شيخ الأزهر بالانتخاب.
- ترتفع إلي جانب هاتين النغمتين نغمة تطالب بأن يكون الأزهر الشريف مرجعية لنا في كل ما يتعلق بالشريعة الإسلامية باعتباره يمثل وسطية الإسلام التي نبتغيها.
و لا يعني حديثنا عن تلك النغمات الثلاث أنها تصدر بالضرورة عن تفكير مركزي يخطط بليل، و إن كان افتراض حسن النية لا يؤثر كثيرا في مثل ذلك السياق.
و علينا قبل أن نمضي في استشراف المستقبل، أن نؤكد حقيقة علمية موضوعية، وهي ضرورة التفرقة بين المؤسسات و رجالها. إن كافة المؤسسات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الإعلامية بل و الدول ذاتها تتصف بالدوام النسبي؛ في حين يتغير الأشخاص القائمين علي تلك المؤسسات و تتبدل توجهاتهم عبر التاريخ. و يصدق ذلك علي مؤسسة الأزهر الشريف.
صحيح أن الأزهر قائم منذ ما يزيد عن الألف عام، و لكنه لم يكن دوما ذلك الأزهر الذي نعرفه اليوم و علي رأسه فضيلة الشيخ أحمد الطيب، فالأزهر عند إنشائه عام 970 ميلادية يختلف تماما عنه عام 2013. لقد أنشئ الأزهر على يد جوهر الصقلي عندما تم فتح القاهرة عام 970 ميلادية بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين الشيعة بمصر، والراجح أن الفاطميين أسموه بالأزهر تيمنا بفاطمة الزهراء إبنة الرسول صلى الله عليه وسلم وإشادة بذكراها.
و بعد زوال الخلافة الفاطمية في مصر و التي استمرت قرابة 200 عام، تولي صلاح الدين الأيوبي حكم مصر و آلي علي نفسه إعادة مصر إلي المذهب السني، فأغلق الجامع الأزهر عام 1171 باعتباره كان منبرا للدعوة للمذهب الشيعي في ذلك الوقت، و ظل مغلقاً مائة عام طوال فترة حكم الدولة الأيوبية، إلي أن أعاد فتحه السلطان الظاهر بيبرس عام 1266م و أصبح منارة للمذاهب السنية. الخلاصة أن القائمين علي شئون الأزهر قد تغيرت هويتهم و تباينت رؤاهم عبر التاريخ.
و لنتصور أنه تم إقرار اعتماد الأزهر باعتباره المرجعية في كل ما يتعلق بالشريعة؛ و تم انتخاب أبناء الأزهر لشيخ الأزهر، و فضل الناخبون مثلا أن يختاروا من بينهم من يميل إلي الأخذ برؤية إسلامية “,”متشددة“,” و هذا حق لهم دون جدال. و رأينا علي الجانب الآخر في مجلس النواب من يري أن ما يتعلق بالشريعة يشمل كافة نواحي الحياة – هي رؤية معتبرة علي أي حال- و من ثم فينبغي عرض كل التشريعات علي مرجعية الأزهر لتقول فيها قولها. تستوي في ذلك قوانين الضرائب مع قوانين تنظيم دور العبادة ، وقوانين التجنيد مع قوانين تحديد أوقات العمل, و قوانين المناهج الدراسية مع قوانين سن الزواج، و ما يتعلق بمشروعية تحية العلم و السلام الوطني مع ما يتعلق بمشروعية السفور إلي آخره؟
خلاصة القول:
لا أظن مسلما يمكن أن يعترض علي الالتزام بالإسلام، و لكن مكمن الخطر هو تعدد التأويلات و تباينها من التأويل الطالبانى إلي تأويل الجماعات الجهادية إلي غير ذلك من تأويلات تدور جميعا في الإطار السني. و في ضوء حقيقة إمكانية التغير الطبيعي للقائمين علي مؤسسة الأزهر؛ يصبح السؤال هو أي التأويلات الإسلامية سوف نحتكم إليها؟
و الأهم من ذلك: فيم القلق من ترك القرار تماما في أيدي ممثلي الشعب المنتخبين ديمقراطيا و الذين سوف تظل غالبيتهم في المدى الزمني المنظور من المسلمين؟
لماذا نفترض جهل ممثلي الشعب المنتخبين –و غالبيتهم من المسلمين- بما هو صالح لدنياهم و لا يتعارض مع فهمهم لدينهم و التزامهم بمبادئه.