نتمنى من أعضاء لجنة الخمسين أن يسألوا أنفسهم عدة أسئلة، منها: كيف يمكن أن تؤثر الأشكال المختلفة للدوائر الانتخابية على تمثيل أو تضمين كافة قطاعات المجتمع فى مؤسسات الدولة؟ هنا تجب الإشارة إلى أن ترسيم الدوائر الانتخابية ليس مجرد مسألة تقنية فى مجال الانتخابات، فترسيم الدوائر مسألة شديدة الحساسية السياسية. وهذا يعد من الأسباب الأساسية التى تجعل تحديد نوع وحجم الدوائر وتحديد السلطة المسئولة والوسيلة المناسبة لترسيمها مسألة ينص عليها فى الدستور ولا تُترك للتشريع العادى.
ويجب التأكيد ثانية على أن هناك مجموعة من العناصر الأكثر أهمية للنظم الانتخابية، مثل العمليات الحسابية التى يتم من خلالها التمثيل (الأكثرية، النسبى، المختلط)، نوع وحجم الدائرة الانتخابية، صغيرة فتمثل بمقعد واحد ومتوسطة فتمثل من مقعد إلى خمسة مقاعد أو دائرة كبيرة فتمثل من خمسة إلى 10 مقاعد.
وفى هذا الإطار يجب التأكيد على أنه كلما كبر حجم الدائرة كلما زاد احتمال فرص نجاح الأحزاب بمقاعد. ويعني وضع وتعريف الدوائر وترسميها فى الدستور أن أى تعديل أو إصلاح يجب أن يمر بإجراءات خاصة تتضمن عادة أن تقوم الحكومة أو الأغلبية البرلمانية القائمة وقت التعديل بالدخول فى مفاوضات أو تفاهمات مع القوى السياسية الأساسية. فنوع الدائرة وحجمها، وعدد المقاعد فيها، وحدودها جزء من “,”قواعد اللعبة“,”، التى يجب أن تكون مقبولة لكل الفاعلين حتى تتسم بالفعالية أو الشرعية. والأمر ذاته، ينطبق على عنصر أساسى آخر فى النظام الانتخابى مثل صيغة التمثيل: تمثيل نسبى أم قائم على الأغلبية أم مزيج من الاثنين. ونظرًا، لأن النظام الانتخابى هو الآلية التى تتم بها ترجمة الأصوات الشعبية إلى مقاعد أو مناصب فى السلطة، تصبح العناصر الأساسية للنظام جوهرية فى تحديد نتائج الانتخابات مثل مستوى أو درجة التمثيل وكذلك توزيع المقاعد.
وعادةً ما يكن ترسيم الدوائر مهمة أساسية فى النظم الانتخابية ذات الدوائر القائمة على صيغة حكم الأغلبية والتى تكون عادة دوائر فردية، مقعد لكل دائرة. وفى الأنظمة التى تقوم الدوائر فيها على صيغة التمثيل النسبى، لا يكون ترسيم الدوائر مطلوبًا عادة أو بشكل كامل نظرًا لأن الدوائر غالبا ما تكون هي الوحدات الإدارية القائمة تاريخيًا فى الدولة مثل المحافظات والأقسام الإدارية. ونظرًا لأن حدود هذه الدوائر لا تكون خلافية عادة، ويكون ترسيم الدوائر مطلوبًا فقط عندما يجب تقسيم المحافظات شديدة الاتساع.
ومن قواعد ترسيم الدوائر أن يتم الترسيم بناء على أفضل حساب لعدد السكان والذى يكون عادة آخر إحصاء سكانى. وفى الواقع، لا تكون قوائم الناخبين ممثلة لجميع السكان، وإنما هى مجرد سجل لمن لهم حق الانتخاب. وبالنسبة للتمثيل النسبى، فهناك اعتباران الأول، أن أعداد السكان هى العامل الأساسى فى تخصيص عدد معين من المقاعد للدائرة لكنها ليست العامل الوحيد، الثانى، لا يكون هناك تناسب كامل بين السكان وعدد المقاعد، وبالأحرى بين الأصوات الصحيحة وعدد المقاعد التى يحصل عليها حزب معين أو مرشح معين، إلا فى الدول التى تعتبر فيها الدولة كلها دائرة انتخابية واحدة وفقا لصيغة التمثيل النسبى فى أكثر أشكالها نقاء، ودون أى عتبة أو حد أدنى مقرر.
وأخيرًا، فإن الهيئة المسئولة عن ترسيم الدوائر تختلف من دولة لأخرى عندما تنص صيغة التمثيل على ضرورة وجود مثل هذه الهيئة. وفى أغلب الأحوال، تكلف بهذه السلطة هيئة لإدارة الانتخابات أو لجنة خاصة لترسيم الحدود، وغالبا ما ينص على إنشاء هذه الهيئة فى الدستور، أما الإجراءات العملية فعادة ما توضع فى التشريع الانتخابى العادى.
ومن ثم، هناك ضرورة لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بحيث يراعى في هذا التقسيم الشروط التالية: التمثيل المتساوى للسكان، التكامل الجغرافي، التماشي مع التقسيم الإداري، مراعاة التوافق مع قاعدة بيانات الرقم القومي، والتجانس السكاني بين الريف والحضر والبدو بمعنى أن تكون الدوائر قدر الإمكان من ريف فقط أو حضر فقط أو بدو فقط حتى لا تتضارب المصالح بين الناخبين عند اختيار ممثليهم.
أما حل النزاعات الانتخابية، فيجب وجود إطار زمنى ملائم حاكم للفصل فيها. أن إحالة النزاعات الانتخابية إلى القضاء الإداري يضعف من دور اللجنة العليا للانتخابات، وإنه لابد أن تفصل اللجنة فى كل الأمور الإجرائية المتعلقة بالعملية الانتخابية. لذا من الممكن أن تكون سلطة الفصل فى الطعون الانتخابية بشكل خالص ضمن اختصاصات للمفوضية العليا للانتخابات، وذلك منذ فتح باب الاقتراع حتى إعلان النتائج، وبعد ذلك تكون سلطة الفصل في صحة العضوية للقضاء الطبيعى، شرط أن يحدد للفصل فيها مدة معينة لا تتجاوزها، ولتكن من 3 أسابيع حتى شهر على الأكثر بحيث تنتهى جميعها قبل 4 أيام على الأكثر من أول انعقاد لمجلس النواب حتى لا يكتسب العضو مركز قانونى جديد مخالف لوضعه الطبيعى كمرشح . وبذلك يكون للجنة العليا للانتخابات الحق فى الفصل فى كل الطعون المتعلقة بالإجراءات الإدارية بدءًا من أوراق الترشح وصولاً للفرز وإعلان النتائج، مرورًا بالرموز الانتخابية والدعاية.
ويرى البعض، أن النزاعات المتعلقة بعملية الاقتراع والفرز تكون الجهة الإدارية ممثلة فى المفوضية أو اللجنة العليا طرفًا فيها، ومن ثم لا يجب أن تكون الهيئة طرف فى حلها، إذ لا يعقل أن تكون الجنة خصم وحكم فى نفس الوقت، ومن ثم لابد من ضمها إلى الجهة التى ستفصل فى النزاعات المتعلقة بصحة العضوية.
وأخيرا، من الممكن أن يكون الطعن على الانتخابات الرئاسية فقط أمام المحكمة الدستورية العليا، وأن تفصل المحكمة فى هذه الطعون سريعًا قبل بدء إجراءات تسليم السلطة للرئيس الجديد. وفى هذا الإطار هناك ضرورة ملحة الآن لتدقيق التشريعات المتعلقة بالعملية الانتخابية، وأن تكون واضحة للجميع من مرشحين وناخبين والجهة المشرف على العملية الانتخابية، ومن الأفضل توحيد جميع القوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية فى قانون واحد.
أما بالنسبة، عملية تسجيل الناخبين، فإنه يجب إيجاد نص دستوري ملزم للدولة على القيد وتنقيح قوائم الناخبين تلقائيًا، وبذلك يكون هناك إلزام للمفوضية أو اللجنة للقيام تلقائيًا ودون ضغط من أحد بالتقيد والتنقيح الدورى وبصفة مستمرة، وذلك لأن أى كشف انتخابى غير منطقى قد يؤدى إلى بطلان العملية الانتخابية برمتها.
وعلى الله قصد السبيل،،،