عقب اجتماع القوى الدولية المهتمة بالأزمة السورية بمدينة ميونيخ الألمانية فى ١٢ فبراير، وبعد اتصال تليفونى ما بين الروسى بوتين، والرئيس الأمريكى أوباما، تم التوصل لاتفاق هدنة لوقف إطلاق النار فى سوريا على أن تبدأ من منتصف ليل السبت الموافق ٢٧ فبراير على ألا تشمل هذه الهدنة الجماعتين المتشددتين، تنظيم داعش، وجبهة النصرة.
ويتم تشكيل فرق مراقبة لوقف إطلاق النار من كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، واللجنة الأممية حتى يتم رصد أى انتهاك لهذا الاتفاق من أى من الأطراف، ولاقى هذا الاتفاق قبولًا، وترحاباً من جميع الأطراف المتصارعة، وذلك من خلال الاتصالات التليفونية، سواء التى تمت ما بين بوتين وخادم الحرمين، أو بوتين والعاهل الأردنى، أو رئيس الوزراء الإيطالي.. إلخ.
ورحب بان كى مون، الأمين العام للأمم المتحدة، بهذا الاتفاق من خلال تصريح لخص فيه مأساة، ومعاناة الشعب السوري. أنه فوق كل شيء بارقة أمل.. طال انتظار الشعب السورى لها فقد تكون نهاية وشيكة للصراع بعد خمس سنوات، وقتل أكثر من ٢٥٠ ألف شخص منذ اندلاع النزاع فى عام ٢٠١١، ونزوح ١١ مليونًا بينهم أربعة ملايين فروا خارج سوريا، وتأتى هذه التطورات بعد الفخ الذى تم نصبه لسوريا الشقيقة أسوة بباقى البلدان العربية فى عام ٢٠١١ سواء فى تونس أو مصر أو ليبيا أو العراق من قبل الاستعمار العالمى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وإسرائيل، وتركيا، وقطر.. باستغلال حالات السخط الشعبى نتيجة الأخطاء القاتلة التى ارتكبتها أنظمة تلك البلدان لتفجير ثورات الربيع العربي، إحياءً لمخططات التفكيك، والتقسيم «اتفاقية سايكس بيكو»، على أساس ديني، ومذهبي، وعرقى حماية لوجود إسرائيل كدولة قوية.. قادرة على إحكام قبضتها على المنطقة بأكملها.. كعصا غليظة، واختصت سوريا بحجم كبير من هذه المؤامرة، حيث شاركت فيها أطراف عديدة محلية، وعربية، ودولية، وذلك بغرض معاقبتها عن مواقفها الوطنية، والقومية، فلن تنسى أمريكا، وإسرائيل تنسيق الجيش العربى السورى مع الجيوش العربية - خاصة الجيش المصرى فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ - وإلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر.
وكذلك دعمها للمقاومة الوطنية اللبنانية فى التصدى للغزو الإسرائيلى للأراضى اللبنانية، ودعم المقاومة الفلسطينية.
والواضح أن بداية الاحتجاجات كانت سلمية فى سوريا من خلال كتابة بعض الأطفال على جدران مدارسهم فى ٢٦ فبراير ٢٠١١ شعارات تنادى بالحرية، وإسقاط النظام.. على غرار ما حدث فى تونس، ومصر إلا أن قوات الأمن السورى قامت بإلقاء القبض عليهم، واعتقالهم، وكان عددهم محدودًا للغاية، وتم استغلال هذا الخطأ الفادح للنظام.
فتم استغلال هذا الخطأ من القوى المتربصة سواء كانت محلية، بجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والقوى التى تدور فى فلكها، وإسرائيل، وتركيا، وأمريكا.. إلخ فانتشرت الاحتجاجات، وتحولت بقدرة قادر إلى مواجهات مسلحة؟!.
وتم الدفع، واستجلاب كافة العناصر المتطرفة، والمتشددة، وعلى رأسها تنظيم داعش الذى تم إعداده، وتدريبه، ودعمه عسكريًا من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية ليحل محل تنظيم القاعدة إبان الاحتلال الأمريكى للعراق، وتكونت الجيوش، والميليشيات لتحارب بالوكالة عن الدول التى استقدمتها، وتنشر الخراب، والدمار فى ربوع سوريا.
وصمد الجيش السورى البطل، وقاوم هذه المخططات بكل بسالة منقطعة النظير.
وفى ٣٠ سبتمبر ٢٠١٥ حدث تغيير جوهرى بموافقة مجلس الاتحاد الروسى على النداء الذى وجهه الرئيس بشار الأسد للرئيس الروسى بوتين بتدخل القوات الروسية فى سوريا لمحاربة الإرهاب.
وكان للإسناد الجوى لسلاح الجو الروسى أثره فى دعم الجيش العربى السورى الذى حقق نجاحات كبيرة على الأرض، وتحرير العديد من القري، والمدن الاستراتيجية، وسيطر على العديد من المناطق التى كان يتدفق منها المرتزقة، والأسلحة، سواء على الحدود التركية أو اللبنانية أو الأردنية.
كما أن هذا الدور الروسى كشف، وعريّ الدور الأمريكي، والتركى الداعم للإرهاب، وليس محاربته.. كما كانا يزعمان لشعبيهما.
وهذه الانتصارات، والانهيارات للميليشيات المرتزقة أديتا إلى محاولة تركيا جر بعض الدول العربية للتدخل بريًا فى سوريا، ولكن حلفاءها سواء أمريكا أو ألمانيا رفضتا هذا الأمر، إلا أن كل الاحتمالات ما زالت قائمة ولكن الحقيقة أن جيشنا الأول البطل أخذ زمام المبادرة الأمر الذى شجع المواطنين السوريين الذين نزحوا أن يعودوا لديارهم، وتأكيدًا للاستقرار قامت الحكومة السورية بالإعلان عن فتح باب الترشيح لعضوية مجلس الشعب، وتلقى اللجنة القضائية لطلبات الترشيح وجاءت هذه التطورات فى الذكرى المائة للاتفاقية المشئومة - سايكس بيكو - اتفاقية تقسيم وتفكيك الوطن العربي، وما أشبه الليلة بالبارحة.
فبموجب هذه الاتفاقية حصلت فرنسا على النصيب الأكبر من الجناح الغربى من الهلال الخصيب سوريا، ولبنان، ومنطقة الموصل فى العراق.
أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبى متوسعة بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي، والمنطقة الفرنسية فى سوريا.
أما فلسطين فتقرر أن تُضع تحت إدارة دولية ثم عادت للسيطرة البريطانية تمهيدا لوعد بلفور، ونأمل أن تنشط ذكراتنا حتى نحافظ على أوطاننا، وكفانا حروبا يستفيد منها أعداؤنا؟!.
ضاعت منا فلسطين، ومازلنا نطالب بتحريرها، وعودتها، وكادت أن تلحق بها سوريا، وما زالت المخاطر قائمة.
ودرءًا لهذا، ليكن وقف إطلاق النار نهاية لكل أشكال التدخلات الأجنبية فى الشأن السوري، وليترك الشعب السورى ليقرر مصيره بلا وصاية عليه من أحد.. فهو الذى يقرر بقاء الرئيس بشار الأسد من عدمه؟! وذلك عملا بالمادة «٥٥» من ميثاق الأمم المتحدة التى تنص علي:
رغبة فى تهيئة دواعى الاستقرار، والرفاهية، الضرورين لقيام علاقة سليمة وودية بين الأمم، مؤسسة على احترام المبدأ الذى يقضى بالتسوية فى الحقوق بين الشعب، بأن يكون لكل منها تقرير مصيرها.
وأكد العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية على حق تقرير المصير فى المادة «١» فقرة ١ منه، وكذلك قرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
ليرفع الجميع أيديهم عن التدخل فى شأن الشعب السوري، وكفى خرابًا، ودمارًا.