الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

منير فارس.. العمائم الهاربة أوهام عصرية في صندوق الزكاة

المجددون.. ونواب الأرض والسماء «٧»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وفى هذه الكتابة يبدأ منير فارس عاصفا «منذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين أخذت التيارات الطائفية، وحركات الدعوة والتبشير الإسلامية فى الإعداد والتنظيم لتكون بديلا دينيا نقيضا لكل ما هو سياسى ساد فى العالم، وقد تعززت هذه الدعوات ونشطت وبشكل عنيف بعد انهيار الاتحاد السوفيتى والمنظومة الاشتراكية، فاعتبرت أن الخيار أو النهج الدينى (المتأسلم) هو الإطار البديل والسليم لجميع الأفكار والأيديولوجيات التى انهارت، وانفراد النهج الرأسمالى المتمثل فى زعامة أمريكا وتربعها على عرش العالم، ومن ثم فإن الفكر الدينى هو الخيار الوحيد أمام البشرية، وهو المنقذ من كل الأدوات الفتاكة التى تسود العالم، ولأن العلم صنع هذه الأدوات وهو صاحبها وبسببها فإنهم يرون أن العلم هو أيضا قد فشل وأنه المسئول عن وصول العالم إلى هذه الحالة» (ص١٥١).. وأستطيع أنا أن أقرر أن هذا التحليل ليس جديدا فقد سبق أن بررت فى كتابات تاريخية نهوض المد المتأسلم بل نشأة جماعة الإخوان ذاتها فى عام ١٩٢٨ قد جاءت فى ظلال الأزمة الرأسمالية العالمية، فقد ردد متأسلمو ذلك الزمن دعوتهم بأن الرأسمالية قد فشلت وأن الاتحاد السوفيتى يعانى من أزمة اقتصادية طاحنة وأن المخرج هو قيام الدولة الإسلامية أو بالدقة الخلافة الإسلامية.. وبعد هذه المداخلة أعود إلى منير فارس الذى قال «ويعتقد أصحاب هذا الفكر والقوى الظلامية المتطرفة أنهم على قاب قوسين أو أدنى من إحكام سيطرتهم على العالم لأنه لا خيار للنجاة وتحقيق العدل إلا بالرجوع إلى رؤيتهم المتأسلمة والتى تجيب عن كل الأسئلة.. وهكذا وبكل بساطة يقودهم أصحاب هذه الدعوة الطالعة من اليأس والتخلف الفكرى فى مجتمع تابع ومتخلف أسهم فى اعتقادهم أنهم سينتصرون حتما وأن المرحلة القادمة هى مرحلتهم» (ص١٥٢).. ولعل من حقى أو من واجبى أن أشير إلى أن هذا الشرح الذى جاء فى ١٩٩٥ يتبدى متحققا فى جماعة داعش الإرهابية والتى تعتبر أن تأسلمها هو الحقيقة الوحيدة وأن أى مخالف لها هو كافر وضال ويستحق الذبح.. ونعود إلى منير فارس الذى صك عبارة تصف هذا الحال وصفا أدبيا بليغا فقال عن عصرنا الراهن «إننا نحمل عقولا لا تتغير بالمفاهيم، ومفاهيم لا تتغير بالعقول، فكيف لإنسان اليوم (المتأسلم) أن يسعى لتقويم الناس وهدايتهم ويطالبهم أو يجبرهم على الاقتداء بمفاهيم فى وضع هو فيه لا ينتج ولا يصنع ولا يفكر بل يجلس ويحفظ فقط، بل هو فوق ذلك يتملص من الواقع ولا ينتمى إليه بل يحبس نفسه فى صندوق تتكدس فيه أموال الزكاة» (ص١٥٣).. ويمضى منير فارس فى لهجة رومانسية قائلا «ويشتبك العقل مع الذات فى محاكمة الواقع، وتنتشل من داخلك سؤالا لماذا نعاند الزمن ونفاخر بجهلنا، ولماذا ننتظر من الله سبحانه أن ينصرنا على القوم الظالمين، أو لماذا نذبحهم جميعا كما تفعل داعش الآن؟»، ويمضى قائلا: «نحن أمة تعودنا أن تدافع عن فكر لا تمتلكه وفكر يدافع عنا لا يمتلكنا، وبقى الجنوب خاضعا للفقر والتخلف والجهل وغارقا فى القضايا نفسها ومستندا إلى مرتكزاته الفكرية التى لم يتعب فى إنتاجها، ونمضى مع فكر لا يكلف إلا مجرد القراءة والتلاوة والحفظ من غير أى تعديل أو تفسير، إنه مجرد تلقين لا يحتاج إلى البحث عن الحقيقة» (ص١٥٣).
ويمضى بنا منير فارس ليلقننا درسا مهما «إن الدخول فى الحياة يحتاج إلى إدراك معنى الحياة ومستوى الوعى بهذه الحياة ومعنى وجودك فى الحياة، والوعى يأتى لاحقا لواقع الوجود، فالوعى ليس سابقا لوجودك فى الواقع، ثم إن إشكاليات الوجود الاجتماعى والاقتصادى وملحقاتها لا يحددها وعيك وإدراكك لها بقدر ما تحددها الظروف الموضوعية وكل الجوانب والظواهر الواقعية المتشكلة فى لحظة زمنية ومكانية لا يلغيها الوعى وإنما يعيها العقل والفكر، فالوعى ليس مزاجا خاضعا لمسيرة شخص وتطلعاته وإنما هو نتاج لمنتجات الواقع الموجود ومتغيراته المتواصلة» (ص١٥٥).
ثم يختتم منير فارس أطروحته قائلا: «وفى كل الأحوال فإن ما يصنعه المبشرون الجدد والحركات المتأسلمة (ها هو أخيرا استخدم الوصف الصحيح أى المتأسلمة) والتيارات العنيفة المتشددة بنظرتها وأصوليتها ليس هو لخدمة الدين وإنما لخدمة أهداف مبيتة لا تقل خطرا عن خطر طغيان الجهل وإجبار الناس وقهرهم على التماثل مع التأسلم والالتفاف على العقل ومحاصرته وتجميد قدرته على الفعل ومنعه من التساؤل والجدل، وهى فى الوقت نفسه حرب على التطور وعلى العلم وعلى تحرير العقل وإبداعه»، ويقول فى لوعة: «إن قوافل الطواشى منتشرة فى زماننا متباهية بلذة إخصاء العقل لكى يظل يدور فى دائرة واحدة وعلى خط واحد مع الجهل فى كيفية التلازم مع الواقع».. لكن لوعة منير فارس لا تكفي.