السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عام الرخاء..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد أن رأى بأم عينيه أن المصريين لا يتحملون أن تقترب من لقمة عيشهم حتى لو كنت قائدا للعبور والنصر، وأن انفجارهم فى وجهه جاء مصحوبا بأقذع الشتائم و«أرذل» الصفات، فإن السادات غير من استراتيجيته التى أغرم بها منذ جلس على مقعد الرئاسة خلفا لجمال عبدالناصر القائد الذى تحول بعد رحيله الدرامى إلى أيقونة فى كل بيت عبارة عن صورة كبيرة يجللها السواد وعليها عبارة «الزعيم الخالد فى كل قلب»، وإدراكه -أى السادات- أنه لن يطيب له مقام على الكرسى الرئاسى الذى جعله «وثيرا» إلا بإهالة التراب على إنجازات سلفه الكبير فى القلوب، وهى إنجازات غطت أوجه الحياة المصرية كلها تقريبا خلقا وتطويرا وتحديثا من آلاف المصانع إلى عشرات آلاف الوحدات الصحية والمستشفيات والمدارس والاتساع غير المسبوق فى الرقعة الزراعية والمشاريع التنموية العملاقة مثل السد العالى الذى عُدَ من أفضل عشرة مشاريع تنموية عملاقة فى القرن العشرين بحسب جامعة «ييل» الأمريكية الرفيعة، بناء على تقرير أصدرته الأمم المتحدة فى يناير ١٩٧٥، أى بعد رحيل الرجل بخمس سنوات تناول التنمية فى سنوات حكمه الصاخبة بالأحداث الكبرى.
واعتمادا على نصر أكتوبر الذى أعطاه شرعية جديدة خالصة بعد أن انقلب على شرعية ثورة يوليو التى منحته رئاسة مصر، ظن السادات أنه «يملك» الأرض وما ومَنْ عليها، ودخل فى طور الحاكم المطلق الذى لا يقدم للناس شيئا، مذكرا إياهم فى كل خطبه وعلى مدار العام «بنصره» الذى «حققه» وبعبقريته فى قيادة البلاد، ولما كان عليه تقديم نفسه اقتصاديا كبديل لمنجزات سلفه التى لا يزال «يعتاش» عليها ومنها، أطلق صيحة الانفتاح التى أجهزت على البقية الباقية من منجزات المرحلة السابقة، وبدأ الإهمال الرقابى يتسلل للمصانع والمشروعات الكبرى مصحوبا بإهمال لا مثيل له على مستوى الإحلال والتجديد للآلات المنتجة، ما تسبب فى الخراب العاجل لتلك المشاريع التى كان يطلق عليها «القطاع العام»، ليؤكد «بالدليل» على فشل سياسات سلفه، واكتشف المصريون كم الحقد والغل والكراهية الذى يكنه الرئيس الحالى للرئيس الراحل، وبدأ المصريون يفيقون على حقيقة أن الرجل ورطهم فى انفتاح استهلاكى «سبهللى» لا مثيل له فى الوقت الذى لا تساير فيه دخولهم المحدودة هذه التغيرات الدرامية، فبدأ موسم الهجرة إلى بلاد النفط التى كانت تشهد مداخيلها انفتاحا «ملياريا» بفعل ارتفاع أسعار النفط التى تمخضت عن حرب أكتوبر نفسها التى خرج منها السادات ومصر بأكاليل الغار فقط رغم ما أريق من دم مصرى سورى على جبهات القتال التى شاركت فيها قوات محدودة من تلك الدول مشاركة رمزية أيضا، إذ كانت تلك القوات ضمن الاحتياطى «التعبوى» الذى لم تتم الحاجة إليه أبدا، ونتج عن هجرة بعض هؤلاء المصريين أن حدث تفاوت فى الدخول والنفسيات التى كانت متوائمة مع المرحلة السابقة، حيث كان المجتمع يحاول تحقيق الكفاية والعدل، وهو ما أسقطه السادات من حساباته إلى الأبد، وأعطاه إحساسا بالاختلاف فقرر التخلص من إرث عبدالناصر الثقيل والمتمثل فى دعم الدولة للسلع الاستراتيجية، فبدأ «بتحرير» أسعار بعض السلع «الفاخرة» والتى منها الدقيق «الفاخر» الذى تصنع منه مخبوزات الفينو، مما وضعه فى مواجهة مباشرة مع ملايين المصريين الذين يمثلون الطبقة الوسطى التى بدأت تتآكل بفعل «عوامل النحر» المسلطة عليها من الرئاسة مباشرة، لكن الانفجار الشعبى فى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ كان عنيفا وقاسيا ومغموسا بإهانة الرئيس المؤمن شخصيا ووصلت الشتائم المقذعة إلى أذنيه فى الاستراحة الرئاسية الفخمة التى أعدت له فى مدينة أسوان التى كان يعتبرها «مقره الشتوى» والتى أعدت بفخامة ملوكية مع عشرات الاستراحات المكلفة على مستوى الدولة، وفيما بعد قالت المذيعة الأمريكية بربارا والترز التى كانت تحاوره وقتها لبرنامج تليفزيونى على شبكة «ABC» الأمريكية: «لقد امتقع لونه بشدة وارتجفت أطرافه واهتز البايب فى يده بعد أن كان يمنحه ثقة مطلقة وهو يدخنه.. لقد لمحت عينيه زائغتين وبدا غير مصدق.. وكان خائفا للغاية وأجّلنا التصوير وعدت معه للقاهرة على متن الطائرة الرئاسية بعد أن وصلنا مطار أسوان بطائرة مروحية»..!!
ولم تهدأ الأحداث إلا بعد أن تراجع عن قراراته الاقتصادية الصادمة التى صاغها له عبدالمنعم القيسونى وزير المالية والتجارة آنذاك الذى ضحى به السادات لتهدئة الجموع.
ورغم الألم النفسى العميق الذى أصاب السادات جراء تلك الانتفاضة الغاضبة العارمة، فقد خدع المصريين باعتباره منحازا للجماهير وأقال عبدالمنعم القيسونى وزير ماليته الذى بدا وكأنه يعمل بمعزل عن توجيهات الرئيس المؤمن، وبدأ بعد ذلك سياسة «تحريك» الأسعار، وليس تحريرها، ومهد لمفاجأته المدوية التى أطلقها بعد شهور «بمبادرته» للصلح والسلام مع العدو الصهيونى، وإمعانا فى خداع المصريين لتسويق مبادرته شعبيا أطلق صيحة «عام الرخاء» وحدد له موعدا هو عام ١٩٨٠ الذى مر على المصريين كأسوأ ما كانت الأعوام، حيث أشرفت الدولة على الانهيار ووقفت على شفا الإفلاس، ولولا المساعدة الأمريكية العاجلة لفشلت العملية «السلمية» التى رأوا أن السادات وحده الذى يستطيع «تنفيذها» ويملك إطلاقها بما كان يملك من قدرة فائقة على خداع ملايين المصريين وربطها بمستقبل بلا حروب، وهو ما نراه اليوم من تواضع اقتصادى وتقنى وتعليمى وصحى يحتاج إلى معجزة إلهية للخروج من نفقه المسدود.