الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العنف في فكر الإخوان المسلمين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تروي جماعة الإخوان المسلمين في أدبياتها استدلالا على عبقرية مؤسسها الأول، حسن البنا، أن أئمة الإسلام الأربعة، أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، قد وضعوا تراثًا من الفقه الإسلامي واجتهادات، وقد تعرضوا لمسائل فقهية تخيلوها وتخيلها تلامذتهم، ورغم ذلك أجابوا عنها، وبقت فيما هو مروي عنهم، إجابات لأسئلة في الفقه قد تحدث أو لا تحدث عبر السنين.
إبداع حسن البنا في نظر تلامذته، أنه تعرض لمسألة قالوا إنها لم تخطر على بال الأئمة الأربعة، وهي عندما تسقط دولة الخلافة الإسلامية، كيف يتعامل المسلمون؟ وكيف يحاولون إعادتها مرة ثانية؟، هذا السؤال المتخيل من قبل الأئمة الأربعة لم يرد لهم على بال، وبالتالي غابت عنهم الإجابة عليه، لسبب بسيط أن السؤال لم يخطر لهم على بال، أو ربما لم يتخيلوا سقوط دولة الإسلام!
المسألة التي تعرض لها البنا، متمثلة في طريقة عودة دولة الخلافة التي سقطت بالفعل، ولكن إبداع بلا خيال، فنشأة التنظيم تلت سقوط هذه الدولة بأربع سنوات، وبالتالي انحصر اجتهاد مؤسس الإخوان فقط في إنشاء تنظيم قادر على عودة هذه الخلافة مرة ثانية.
في الحقيقة نجح حسن البنا، في إنشاء تنظيم عصي، قد تعرض لهزات ولكنه بقى قويًا صلبًا، حقق انتشارًا في عواصم عربية وغير عربية، يقول الإخوان في ذلك إنهم وصلوا لأكثر من خمسة وثمانين دولة، رغم أن نشأتهم لم تتعدى هذا الرقم، وكأنهم كانوا يصلون في كل عام لدولة، ليس مجرد وصول ولكن بوجود قوي وبشعبية ومؤسسات مصاحبة حتى وإن كانت سرية.
على كل الأحوال، كشف حسن البنا عن معالم تنظيمه شبه العسكري، حتى بات الجدل واسعًا ومحتدمًا حول طبيعة هذا التنظيم، وهل تعرض للتغيير بعد وفاة مؤسسة؟، وما هي دلالة العنف الذي قد يتهم التنظيم أو الأفكار الحاملة له بارتكابها؟ وما حقيقة العنف في فكر الإخوان؟
أنشأ حسن البنا تنظيمه في ربيع 1928 بإحدى المحافظات المصرية حتى انتقل إلى القاهرة، عاصمة البلاد بما تمتلك من زخم شديد أتاح للحركة إنشاء قرابة ثلاثمائة شُعبة أو مركز للتنظيم خلال عشر سنوات من عمر دعوة البنا.
ولعل هذه السرعة التي نمت فيها دعوة الإخوان، دفعت مؤسسها للعمل على إنشاء النظام الخاص أو ما يسمى بالجناح العسكري أو الميليشيا بعد قرابة عشر سنوات من نشأة التنظيم، بعد أن اطمأن لوصول دعوته لأكبر عدد من الناس، وبالتالي احتاج إلى القوة لتحقيق المرحلة الأخيرة من تحقيق غرض الدعوة الأساسي وهو إقامة الدولة الإسلامية، كخطوة في طريق عودة الخلافة الإسلامية التي سقطت.
يقر حسن البنا في رسائله التي دونها ضمن ما يُعرف برسائل الإمام الشهيد حسن البنا، وهي إحدى مخطوطاته القليلة، فيروى عنه أنه قال، عندما سُئل عن عدم تأليفه للكتب، كان يقول: إنني مشغول بتأليف القلوب وهي أهم، وكان يقصد بناء تنظيمه بطبيعة الحال.
قال في إحدى رسائله: "ويتساءل كثير من الناس: هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟، وهل يفكر الإخوان المسلمون في إعداد ثورة عارمة على النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر؟، ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة، بل إنني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السامر، يستطرد البنا في توضيح ما كشف اللثام عنه قائلًا: إن القوة شعار الإسلام وأول درجاتها قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح.
لم يكتف البنا بما قال ولكنه أوضح، أن الإخوان سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أولًا، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون في كرامة وعزة ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح.
وبالتالي ليس غريبًا أن يحاول الإخوان من بعده استخدام القوة التي أشار إليها، فيطلقون النيران على الرئيس المصري جمال عبدالناصر في أكتوبر 1954 ليصدر قرارًا بإعدام عبدالقادر عودة وآخرين.
ولم تمر سنوات قليلة حتى حاول سيد قطب الانقلاب على جمال عبدالناصر من خلال تنظيم عسكري أُنشئ لهذا السبب، غير أن أجهزة الأمن اكتشفت ذلك، وذهب ضحية هذه المحاولة التي تمت عام 1964 ستة من قادة الجماعة، على رأسهم سيد قطب الذي نفذ فيه حكم الإعدام عام 1966، والعجيب أن الجماعة لم تتبرأ مما فعله قطب ولكنها أخفته.
فقط عندما يرد ذكر هذه الأحداث يقتصر تعليقها بأحداث المحنة دون التطرق لتفاصيل ما حدث أو استخدام هذه المجموعة للعنف أو للقوة كما أشار لها المؤسس الأول للتنظيم، غير أن شهادة فريد عبدالخالق عضو مكتب الإرشاد الأسبق وعضو الهيئة التأسيسية للجماعة، التي قال فيها بعد أن تم القبض عليه على خلفيتها: إن عبدالفتاح إسماعيل، أتى إليه زحفًا على قدميه من آثار التعذيب حتى وصل إليه وقال له: "إحنا آسفين يا أستاذ إحنا جبنا سلاح من السودان"، وهو ما يؤكد ترجمة الجماعة لأفكار البنا التي سبق ودونها في رسائله.
شعر حسن البنا، قبل وفاته أن تنظيمه الذي سعى في بنائه قد ينهار لسببين، أولهما اشتغاله بالسياسة، وثانيهما إذنه بإنشاء النظام الخاص أو الجناح العسكري، فقال قبل وفاته بأيام كما روى عنه الشيخ محمد الغزالي نادمًا ومتبرئا: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لعدت بالإخوان إلى زمن المأثورات"، مستشعرًا خطأه في تبرير استخدام القوة أو العنف.