الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

رقابة المخرجين "32"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت قد سميت المسرحية «سطوحى يجد عقلا» ثم فجأة غيرتها إلى «انتهى الدرس يا غبي» وأدركت بعدها أنى لا شعوريا كأنى أقصد بها رسالة للشرقاوى الذى كتب عنى «أنى لن أكتب مسرحيات أخرى»! ولكن ما حدث أنه بعد شهور من ظهور «الحمير» ظهرت مسرحية «الغبى» وأصبح لى مسرحيتان معا فى عام واحد، وإذا كان البعض كتب أنى لطشت فكرة فيلم «إنهم يقتلون الحمير» والبعض من مسرحية يابانية مختلفة ولا علاقة بينهما مطلقا وبين «الغبى»، لكنى أعترف أنى استلهمت فكرة المتخلف عقليا لأصنع مسرحية وليس فيلما، وفى ديكور واحد فقط لا غير، وفى جو مصرى تماما إلى حد أنى دعوت ممثلة أجنبية لمسرحيتى فلم تلحظ أى تشابه بينهما، وطلبت منى أن تنقل الفكرة فى مسرحية لتقوم ببطولتها، ثم دهشت عندما قيل إنى استلهمت الفكرة من الفيلم الأمريكى، والمعروف أن الكثير جدا من أعمال شكسبير أخذها عن أعمال سبقته ولكنه نجح أكثر ممن سبقوه!
المهم أننا بدأنا مرحلة الإخراج وفى اليوم الأول وجدت السيد راضى يطلب من ممثل دور خطيب خيرية أن يمثل كأنه أهبل، والمنطق يقول، إنه فى هذه الحالة لن تقبله خطيبته فتدخلت لأقول إنى رسمت شخصية تافهة فقط لا غير، لكن الممثل كان صعبا أن يفعل شيئا آخر، ولكى يضفى المخرج ضحكا أكثر من وجهة نظره اقترح على صبحى أن يقف أمام واجهة المسرح فى الشارع ويلعب مع كلب أو أكثر لجذب الجمهور وتحت عناية السيدة المروضة للكلاب فى السيرك، وكان بالنص الذى كتبته أن «الغبى» يدخل ويحكى عن كلاب كانت تحاصره لا كلاب نراها على المسرح لكن صبحى قبل فكرته وقلت لنفسى إنهم سوف يتخلون عن كل هذا بعد قليل ولم يحدث أن الجمهور توافد على المسرح لهذا السبب.
وكان بالنص أن ممرضة تدخل بالغبى بعد أن أجريت له عملية تخلصه من تخلفه والصحافة حاضرة تترقب هنا طلب منى المخرج أن أكتب تقريرا تذيعه الممرضة عن الغبى فقلت بهدوء أن يقدر حجم هذا التقرير فقال ليس أقل من صفحة فقلت سأجعله صفحتين رغم أن الممرضة لا تظهر إلا مرة واحدة فرحب بذلك وهو يضحك سلفا، وفى اليوم التالى قرأت له التقرير وفوجئت أنه ظل يضحك بقوة وأنا ابتسم، ثم راح يفكر ثانية فطلب أن أكبر دور المليجى والدقن وخيرية قلت لا مانع، وكتبت عدة صفحات إضافية لا ضرورة لها بل ستجعل العمل يترهل لكنى كنت واثقفا أن ذلك سوف يحذف سريعا خاصة أن المليجى والدقن لم يطلبا أى إضافة، ولكن خيرية أعجبها هذا بينما كنت قد كتبت بعض الحوار فى مشاهد صبحى واتفقت معه أن يحتفظ بها ليضيفها مع الخادمة وبعض الشخصيات تدريجيا يوما بعد يوم، وكانت بداية المسرحية بأن شخصية الطبيب أى المليجى يتحدث من داخل المسرح يملى على سكرتيرة تجربته التى يستعد لها فتسجلها السكرتيرة على الآلة الكاتبة وكان الجمهور يضحك مما يقوله ثم يظهر وينظر فيما كتبته السكرتيرة ثم يقول لها «هايل ولو أنك نسيت تحطى شريط فى الماكينة إنما هايل»، وهنا اقترح المخرج أن يقول المليجى أن الورقة بيضاء تماما ولكنى تمسكت بما كتبته حرفيا، ثم قلت يمكن أن يقول هذه الجملة لكن بعد ما كتبته فسكت على مضض لكنه أضاف جملته ليقولها المليجى الذى لم يعرف بما حدث بيننا، وفى ليلة العرض الأولى حيث العرض مليء بالجمهور لأنه مجانى، قال المليجى أول جملة فانفجر الجمهور فى الضحك بشدة ورأيت الدهشة على وجه المليجى ثم تلاها بجملة «الورقة بيضا» فلم يضحك أى متفرج وبالتالى حذف المليجى الجملة الثانية من نفسه.
وفى المشهد الذى أراد المخرج أن أضيفه للممرضة فى صفحة وكتبته فى اثنتين فقد سكت فيه الجمهور تماما وجاء ثقيلا من أوله لآخره، وبعده اختصرت الصفحتين فى سطرين وانتهى بذلك دور الممرضة بعد أول يوم،
وقبل أن نغادر المسرح قال لى الدقن إنه لا يهمه أن يتكلم كثيرا أبدا أما المليجي فقد فعل ذلك من نفسه ودعانى المخرج أن ننظر فى العمل لاختصار ما ليس له ضرورة فجلسنا وحدنا على رصيف المسرح وتركنى أشطب كل ما أضفته دون أى اعتراض منه، ولم يشاهد العرض إلا مرات قليلة بعد ذلك.
الأهم أن المخرج كان قد اقترح على صبحى أن تظهر الكلاب التى ظهرت فى الشارع مع صبحى على خشبة المسرح فجعل هذا بعض المتفرجين يخشونها، ثم حدث يوما ما كان محتملا فقد قفزت الكلاب من الخشبة لصالة العرض وكانت هذه آخر ليلة لهم، وتدريجيا رحت أقص من جمل خيرية يوما بعد يوم فلم تغضب، بينما كنت أضع بعض الجمل التى كنت أدخرها لصبحى ليس انحيازا له ولكن لأن له ضرورة للشخصية المرسومة بالنص، لكن صبحى بعد وقت راح يتزيد ويأتى من عنده ما فاجأ خيرية وأغضبها هذا، وبدأت تشكو فلم يعبأ بشكواها، وبدا أن خيرية قد تترك العمل فى أى لحظة وبدا أنه يريد هذا، بل راح يفكر فى من يأخذ الدور بعدها، كل ذلك ولم يكن الجمهور قد ملأ المسرح أكثر من نصفه بعد!