الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"شياطين" هاني شاكر و"ملايكة" محافظ المركزي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زى ناس كتير من ولاد جيلى، خصوصا اللى اتربوا على الراديو الترانزستور مابنعرفش نسمع غربى، أيوه بجد مابنعرفش «مافيهاش حاجة يعنى، الاعتراف فضيلة فى كل الأحوال سواء كان اعترافا بالحق أو بغيره».
وتصحيحا للاعتراف، إحنا ماعرفناهوش أصلا غير على كبر، ومعظمنا يعتبر «مايكل جاكسون» شيطانا من أولئك الذين تسلطوا على أبدان الشباب لإلهائهم وتغريبهم، ماكناش نعرفه برضه، بس كنا بنشوف صوره، وبنشمئز من طريقة تعامله مع لبسه وشعره والذى منه.
ومرت سنوات طويلة حتى تعرفنا على صوت ويتنى هيوستن، ليست بحة فى صوتها، بقدر ما لفت انتباه من ذهب إلى السينما مناقصة عشقها لحارسها الخاص، البودى جارد بتاعها.
من الآخر كده، إحنا جيل هانى شاكر، و«قسمة ونصيب»، و«الجى رمانى»، و«يا ريتك معايا يا حبيبى».
و«هوه لوحده اللى اختار»، ويمكن «إن كان ع الحب ماليش غيرك.. وإن كان ع القلب مافيش غيرك، بلدى»، وأكيد كانت تعجبنا أغنياته الحقيقة فى مرحلة لولاكى «على الضحكاية» وكده.
وعدم معرفتنا بالموسيقى الغربية ونجومها القدامى والجدد لا يعطينا الحق فى رفض وإقصاء ما لا نعرفه، وهذا ما فعله عمنا هانى شاكر عندما أصبح نقيبا لأهل الموسيقى.
أولاد حلال قالوله، إن فيه شباب بيعملوا حفلات فى وسط البلد لعبدة الشياطين!! ورغم أن أضحكومة عبدة الشياطين تلك ظهرت فى منتصف عهد مبارك، وكانت حكاية انتهت بفضيحة، إلا أن هانى شاكر النقيب ماسألش، وماسمعش غير للملايكة اللى بلغوه، وشمر النقيب عن ساعديه وأطلق رجاله ممن يملكون حق الضبطية القضائية على العيال السيس بتوع وسط البلد اللى هيخربوا البلد، لمنعهم ومعاقبتهم، وطرد الشياطين من البلد بحالها.
ولما تبين الأمر واتضح أنهم مجموعة شباب يعزفون نوعا من الموسيقى المختلفة، قطعا يعرفه هانى شاكر، لكن رجال الضبط والربط، لا يعرفونه، أو ربما تعمدوا عدم معرفته لممارسة دور ضابط الشرطة اللى كانوا بيحلموا بيه وهما صغيرين وبيشتروله بدلة مخصوص من الموسكى! يفضلوا لابسينها طوال أيام العيد.
وهاجت الدنيا على هؤلاء الكفرة الذين يعرفون «الميتال» ولا زالت، رغم أن هانى تصرف بحكمة بعدها عندما تحاور مع عدد منهم عبر برنامج فضائى، لكن آثار المعركة لم تنته عند هذا الحد، اتقمص هانى شاكر فجأة. وقرر أن يستقيل من نقابة الموسيقيين!! كنت سأقدم هانى الذى أحبه كثيرا لو أعلن أنه استقال، لأنه أخطأ وسمع كلام من لا يعرفون، لكنه للأسف وهذا لا يقلل من احترامى له على الإطلاق، مقموص لأن بعضنا هاجمه، أو انتقده بحدة، قرر باقى أعضاء مجلس النقابة الاستقالة أيضا.
هذه المزايدة الغربية من هانى شاكر ومجلسه، تشبه تماما ذلك العك الذى يحدث فى اتحاد كتاب مصر هذه الأيام والذى انقسم إلى ثلاث فرق، الغريب أن أعضاء مجلس الاتحاد يمثلون خيرة مثقفى البلاد، كل فريق لا يريد أن يعمل مع الآخر، وكل فريق يطعن فى أداء الفريق الذى ينافسه، وانتهى الأمر بإعلان عدد كبير عن استقالتهم قبل موعد انعقاد الجمعية العمومية لتخرج علينا جحافل المزايدات من كل حدب وصوب من يعرف ومن لا يعرف، وليس بعيدا عن هؤلاء الذين نفترض أنهم عقل مصر، يزايد المثقفون المتضامنون مع الروائى الشاب أحمد ناجى على وكيل النائب العام الذى لا يعرفه «صنع الله إبراهيم» ووصفه فى التحقيقات بأنه من آحاد الناس، لتسود الفضاء الإلكترونى حالة من التشويش والعبث، تؤكد أننا نعيش أياما صعبة، فمن لا يعرف موسيقى «الميتال» أدان شبان وسط البلد واعتبرهم عبدة للشياطين، ومن لا يعرف اتحاد الكتاب ولا أعضاء مجلسه اعتبرهم «متخاذلين» لا يعملون لصالح «الغلابة فى الاتحاد»، ومن لا يعرف حقيقة دوره منهم اعتبر الآخرين« وصوليين»، ومعطلين، ومغتصبين للمناصب!!
وسط ذلك العبث كنت أتابع بدهشة تلك التعبيرات المفاجئة التى أحدثها حلمى النمنم وزير ثقافة مصر فى واحدة من أهم هيئاتها، هيئة قصور الثقافة، بإبعاده المفاجئ للدكتور محمد أبوالفضل بدران عن موقعه، واستبداله بالصديق سيد خطاب الذى تم إبعاده منذ فترة ليست بعيدة عن نفس ذات الموقع، ويومها قال فيه وزيره السابق ما يقوله مالك فى الخمر، فلا تعرف لماذا ذهب خطاب ولا لماذا عاد؟ والأهم ألا يجد الوزير غيره فى هذا الموقع، لماذا هم دائما اتنين تلاتة أربعة، نجيبهم من هنا نوديهم هنا.. ده مافيش فى مصر أكثر من المثقفين والدكاترة، ولو حصرنا بس عدد الفائزين بجوائز الدولة فى السنوات العشر الأخيرة سيكون لدينا مئات ممن يصلحون لتولى مناصب تحتاج إلى تغيير فى شرايين من يشغلونها فى هذا البلد.
هذا ليس ذما فى خطاب ولا مدحا فى بدران، كلاهما صديق عزيز، وأعرفهما الاثنين منذ سنوات بعيدة، وأعرف قدرتهما على الإبداع، لكننى فقط مندهش لتلك الطريقة الغربية التى تدار بها الأمور فى بلادنا، حتى وصل بنا الحال إلى أن الحكومة غير قادرة على تطبيق الحد الأقصى للأجور فى قطاعات عديدة بدعوى الخوف من رحيل الكفاءات النادرة، والمثال الواضح والفج لذلك هو «العاملون فى البنوك»، بعضهم يتجاوز ما يحصل عليه شهريا «المليون جنيه»!! وطبعا ماعندوش أى استعداد يصبح على مصر ولو بنص جنيه منهم! ليه، لأنه باختصار كفاءة نادرة.
هذا الأمر ذكرنى بما رواه لى صديق يعمل فى أحد البنوك التى ترأسها فى يوم من الأيام المصرفى الكبير طارق عامر محافظ البنك المركزى حاليا، والقصة باختصار أن التعيينات فى البنوك تكاد تكون سر حربيا لا يعرف طريقه إلا الواصلون من علية القوم، ولأن الأمر كذلك قرر البنك أن تقول إحدى شركات «توريد» العاملين للبنك! هؤلاء الذين وردتهم الشركة يحصلون على رواتب لا تزيد على أربعة آلاف جنيه تقريبا، فى الوقت نفسه كان البنك يستقدم مواطنين من بنوك أجنبية تعمل فى مصر، يؤدون نفس الوظيفة بمبالغ تتعدى الأربعين ألف جنيه شهريا، نفس الوظيفة، نفس مؤهل شاغلها، نفس الدور، نفس السن، الفارق أن أحدهما جاء عبر وصلة البنك الأجنبى، بينما جاء الآخر عن طريق شركة «التوريد»، فيما يحصل أحدهما على عشرة أضعاف زميله ابن دفعته فى نفس الكلية، هذه العقلية الجهنيمة التى أدت إلى هذه النتيجة لم تراع طبعا شىء اسمه «العدالة»! ومن الطبيعى أن يكره الموظف القادم عبر الشركة مش البنك الأجنبى -زميله- والبنك واللى فيه، من الطبيعى أن يكره العملاء، والفلوس والظروف وأسرته التى لم تؤهله لوصلة صغيرة فى بنك أجنبى، يعبر من خلالها إلى الأربعين ألف جنيه، وطبيعى يكره مصر واللى فيها.
وبعد سنوات قليلة يصبح من الكفاءات النادرة التى لا تريد أن يطبق أحد عليها الحد الأقصى للأجور، وقطعا مش مجتمع زميله اللى جاى من بنك أجنبى -أى توصيف- هو أصلا أجنبى ومالوش دعوة بمصر أصلا.
أتذكر ذلك كله وأنا أتفرج على ما يحدث فى قطاعنا المصرفى والقطاع الثقافى، لأصل إلى بيت سعد زغلول وشارعه وجملته الأشهر «مافيش فايدة»!