لم أسمع باسم شريف إسماعيل رئيس الوزراء، قبل أن يتولى منصب وزير البترول ثم منصبه الحالى، إلا مرة واحدة بوصفه أحد رجال وزير البترول الشهير سامح فهمى أحد رموز عهد ما قبل عملية يناير ٢٠١١.
والحقيقة أن الدفع برجل لا يعرفه الناس على ذلك النحو إلى مقدمة الصفوف الأولى للحكم، هو إحدي غرائب الوضع السياسى الحالى، إذ إن الأصل فيمن يشغل منصب رئيس الوزراء، أن تكون له أى صفة سياسية تفضى إلى معرفة الناس به، وتمكنه من النهوض بمهامه على نحو صحيح، فحتى لو كان تشكيل الحكومة على أساس فنيتها أو «تكنوقراطيتها»، وليس على أساس سياسى، فإن المعرفة السياسية تظل سلاحًا لازمًا فى يد المسئول، يستطيع به تمرير قراراته وسياساته وتوجهاته إلى الناس متصورا نوع الخطاب الموجه إلى الرأى العام، وفاهمًا لأسس التعامل مع ردود فعل الجمهور.
الرجل ربما يكون وزير بترول جيدًا، وهو كذلك بالفعل، ولكنه «لافتقاده الفهم السياسى بالذات»، ليس رئيس وزراء يمكن الاعتداد به على أى نحو.
ومن آيات ذلك انخراطه الآونة الأخيرة ـ بتكرار عجيب ـ فى توجيه رسائل إلى الشعب تؤكد أن قرارات مؤلمة فى الطريق، وأن مرحلة صعبة لاحت بشائرها.
وربما تكون الأسس الموضوعية التى بنى ذلك الرجل عليها خطابه صحيحة، ولكن هناك عوامل أخرى ينبغى وضعها فى الاعتبار قبل استعمال وسائل الإعلام فى الحديث إلى الرأى العام، وحشد الكتاب وأصحاب الأقلام للوقوف صفا واحدا وراء رئيس الوزراء، الذى يبدو فرحان بأن وسائل الإعلام والقائمين بالاتصال عبرها ـ كتابًا ومذيعين ـ قد أصبحوا تحت إرادته يهللون لقراراته المؤلمة قبل أن تصدر.
الأصل أن تكون رؤية الحكومة واضحة، وهوية اقتصادها جلية والجو العام أو المزاج الشعبي جاهز لتقبل التضحيات التى تفرضها تلك القرارات المؤلمة، وهى اقتصادية بطبيعة الحال.
إنما شريف إسماعيل تصور أنه حين يجمع بعض الصحفيين والإعلاميين حوله، ويشرح لهم أفكاره النيرة، تكون مهمته فى مخاطبة الجمهور قد انتهت، وأن الشعب سيقف أمامه صفوفًا كالخفراء، مؤديًا التحية شبه العسكرية بأكف مفتوحة الأصابع يلصقها إلى جوار الصدغ.
هذا ليس صحيحًا، لأنه يتصور أولًا أن الشعب فى جميع الحالات، يتأثر بأولئك الكتاب والإعلاميين، وهذا قول تنقصه الدقة، ثم إنه يتصور أن تجميل قراراته إعلاميًا، سينفى عنها صفة كونها مؤلمة، ثم إنه لا يعي ـ قطعا ـ فهم ورؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى لحالة الشعب المصرى، الذى رآه فى بيان ٣ يوليو ٢٠١٣ يحتاج إلى من يحنو عليه ويرفق به، وقد تجاوب معه الشعب فوق ما يمكن أن يتصوره حاكم، وتزاحم الناس لشراء أسهم مشروع القناة الجديدة، أو لتحمل رفع بعض الدعم عن المحروقات والمنتجات البترولية أو للمشاركة المباشرة فى المشروعات القومية الكبرى عبر إسهامات شركات المقاولات المدنية.
عرف الرئيس كيف يتعامل مع الناس فى لحظة بعينها، وهو ما لم يعرفه رئيس الحكومة الذى نادى على الحراس ليأتوه بالصحفيين والإعلاميين الذين خرجوا جميعًا بعد الاجتماع معه ليؤكدوا أنه شخصية فذة وعبقرية وأن قراراته المؤلمة ضرورية.
هذا الكلام ـ مع احترامنا للجميع ـ لا يدخل ذمتنا بمليم أحمر، نحن نريده هو، نريد أن يحدثنا هو، فنحن نعرف الحيلة التى أصبحت تقليدية فى مخاطبة الجمهور بواسطة الإعلام، إذ فور حدوث رد فعل سلبى أو متذمر أو ثائر يكون الرد الحكومى جاهزًا بأن: «الإعلام أخطأ وأن رد فعل الناس الغاضب كان نتيجة أخطاء الإعلام المجرم».
لو كان رئيس الحكومة سياسيًا أو فيه مسحة من الفهم السياسى لتحدث إلى الناس، كما كان السيسى يحدثهم وعبر منابر متنوعة سواء من خلال الدورات التثقيفية للقوات المسلحة، أو من خلال حديثه الشهرى، أو من خلال تصريحاته على الهواء بعد حدث مهم أو افتتاح مشروع، أو فى مواجهة خطر إرهابى حل بالبلد.
السيسى زعيم شعبى يحس بالناس، ويعرف كيف يتعامل معهم، لأنه ثائر جاء به الشعب وفوضه لمواجهة الأخطار المحتملة، أما رئيس الوزراء شريف إسماعيل فهو يريد مخاطبة الناس «عن بُعد» وعبر الصحافة والإعلام.
ثم إن تكرار «مؤلمة» و«صعبة» يؤدي ـ تلقائيًا ـ إلى زيادة «التوقع» عند الجمهور، والتصعيد المتواصل فى ذلك التوقع، مع أجواء الشائعات، والدعاية السوداء والحرب النفسية السائدة الآن ضمن الدعاية المخيفة التي يقودها التنظيم الدولى للإخوان، سوف تؤدى قطعًا إلى انفجار الوضع ربما حتى قبل إعلان رئيس الحكومة لتلك القرارات المؤلمة والصعبة.
فشل شريف إسماعيل فى شرح أزمة الدولار فى مصر، وهى التى كانت نتيجة مباشرة لعمليات جمع العملة بأسعار عالية جدًا من المصريين فى الخارج، ومضاربة شركات الصرافة «التابعة فى معظمها للإخوان» على سعر الدولار، ولو كان رئيس الحكومة قد أفلح فى الشرح، لكان ذلك هو الإعداد المناسب للقرارات المؤلمة، ولكننا ـ فيما يبدو ـ أمام هواة أو تجريبيين ما كان ينبغى أن يكون لهم ذلك الحضور فى الساعة السياسية.
وفشل شريف إسماعيل فى اكتساب ثقة المستثمرين أو إعادة الاعتبار لقيمة العمل فى مصر، أو استعادة طاقة الأداء الاقتصادى المصرى التى لا تعمل فى إطارها إلا نسبة من المصانع وباقيها صار معطلًا.
يبدو أن الموضوع صار فى حاجة إلى قرارات مؤلمة فعلًا، ولكن بخصوص الحكومة ورئيسها.