اطلع على «تقارير سيادية» كشفت عن «مؤامرة خارجية» عليه شخصيًا بالتعاون مع «جهات داخلية» وبعض «أجنحة الإعلام»
يشعر أنه يعمل وحده.. لا أحد إلى جواره لذلك يشتبك مع أصغر التفاصيل
كشف لأول مرة عن سيناريو مصر لمواجهة «الأمر الواقع» في التعامل مع «سد النهضة»
هل كان يجب أن يتحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى أمس الأول؟
المناسبة التي دُعى إليها عدد كبير من السياسيين والشخصيات العامة والصحفيين والمفكرين والشباب كانت تقتضى ذلك، فالرئيس يدشن رؤية الحكومة للتنمية المستدامة ٢٠٣٠. تحدث رئيس الوزراء شريف إسماعيل، وأعقبه كل من أشرف العربى وزير التخطيط، وطارق عامر محافظ البنك المركزى، والدكتورة هالة يوسف وزيرة السكان السابقة، عارضة نتائج دراسة عن احتياجات الشباب وما يريدونه من الحكومة والنظام، ثم خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة.
رفعت الجلسة لمدة ١٥ دقيقة، زادت قليلا، بعدها تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى في أطول خطاب له منذ ظهر على الساحة السياسية وزيرا للدفاع في ١٢ أغسطس ٢٠١٢، وكانت المفاجأة أن السيسى في حديثه لم يكتف بدور الرئيس فقط، لكنه استدعى وظائفه السابقة، مرة كمدير للمخابرات الحربية، ومرة كوزير دفاع.
كان يمكن أن يكون خطاب السيسى عاديا للغاية، يتحدث فيه عن رؤية حكومته التي هاجمها ودافع عنها في الوقت نفسه، وعن أحلامه وطموحاته في قادم الأيام، لكنه اختار أن يكون اليوم كله مختلفا، هو نفسه كان مختلفا جدا، بدا رائق المزاج، وهو يمزح مع من تحدثوا قبله، وهو مزاح خفف من برودة القاعة عالية التكييف، وأزال كثيرا من وقار الجلوس في حضرة الرئيس.
بدا من اللحظة الأولى أن السيسى يتعجل الكلام، جاء إلى مسرح الجلاء، وهو أكثر أماكن تألقه بالمناسبة، وهو عازم على الكلام، ولولا أن المناسبة كانت لتدشين مشروع حكومى لما سمح لأحد غيره بالكلام.
قبل أن ينهى السيسى خطابه الممتد، وضعت يدى تقريبا على المواطن التي سيلتقطها شياطين «السوشيال ميديا»، وقلت لمن حولى في القاعة إن الرئيس سيتعرض الليلة لأكبر اشتباك، فكثير مما قاله مثير للاهتمام والجدل والأخذ والرد.. والسخرية أيضا.
علا التصفيق في القاعة كثيرا، وهو أمر طبيعى، فالانفعال الذي يصاحب ما يقوله الرئيس وأنت جالس أمامه في القاعة يختلف تماما عن انفعالك به وأنت جالس أمام شاشة التليفزيون تتابعه، ثم إن هناك في القاعة فئات كثيرة، كل منها يصفق إشادة بما يخصه، ولأن التصفيق معد، تجد التصفيق عاما وصاخبا، لكن قراءة الوجوه كانت تقول شيئا آخر، هناك بالطبع من تعامل مع ما قاله السيسى على أنه خطاب تاريخى، لكن هناك من علت وجوههم الصدمة مما قيل، ربما لأنهم كانوا ينتظرون كلاما آخر.
«الصدمة والرعب».. قد يكون هذا هو التوصيف الدقيق لما جرى، فالرئيس الذي تعود منه المصريون على حديث تسيطر عليه المودة، وتعلوه كلمات الحب كان غاضبا بما لا يتصور أو يتحمل أحد، كان السيسى يتحدى خصوما يراهم خارج القاعة، وهذا طبيعى، لكن المفزع كان في شعورى أنه كان يوجه غضبه للخصوم، يراهم أو يعتقد أنهم موجودون أمامه في القاعة، رغم أن الموجودين جميعا من المؤيدين له، حتى لو اختلفوا معه، وانتقدوه، فهم يفعلون ذلك من باب الحرص عليه وعلى مشروعه وتجربته.
هل كانت هناك أخطاء فيما قاله الرئيس؟
بالطبع كانت هناك أخطاء كثيرة، أولها وأهمها أنه كان يتحدث بمطلقات في محل لا يتحمل الكلام المطلق والمرسل، نحن أمام رئيس، ومن المفروض أن يوزن كلامه بميزان الذهب، فما يخرج منه لا يجب أن يكون عفو الخاطر أبدا.
هل تريدون نماذج واضحة ومحددة على ذلك؟
النموذج الأول، كان في تعليقه على كلام محافظ البنك المركزى طارق عامر، الذي استوقفه بعد أن أنهى كلمته الإنشائية التي لا تستطيع أن تمسك عليه شيئا فيها، كان طارق يعرض الإجراءات التي سيقوم بها القطاع المصرفى في تمويل المشروعات الصغيرة، قال الرئيس: أنا عاوز أنظم الدنيا، كررها مرتين، قصد تنظيمه للمشروعات الصغيرة التي يهديها للشباب، لكن حماسه خرج به من الحديث عن دنيا المشروعات إلى الدنيا بشكل عام، وأعتقد أن لا وعى الرئيس كان يقصد الدنيا بأسرها، فقد وصف نفسه قبل ذلك بأنه طبيب يعرف كيف يشخص الداء، ويتقن وصفه للدواء، وكان الأولى بالرئيس أن يتحدث عن المشروعات الصغيرة بشكل أدق، صحيح أنه شرح رؤيته للأمر كله، لكن إصراره على الإشارة إلى معان مطلقة، أضاع كلامه الدقيق، فلم يركز أحد عليه أو فيه.
النموذج الثانى، عندما قال الرئيس للشعب المصرى كله: «ماتسمعوش غير منى أنا بس»، وهى العبارة التي تعامل معها البعض على أن السيسى يدشن بها نفسه فرعونا جديدا، فإنه يقدم نفسه على أنه من يمتلك الحقيقة المطلقة، وعليه فلا يجب أن يعلو صوت آخر فوق صوته، هذا إذا كان يعتبر أن هناك صوتا آخر غير صوته.
كان السيسى يشير من طرف خفى إلى من يتحدثون في الإعلام، الذين وصفهم بأنهم يتحدثون دون دراسة ولا دراية، ولذلك فهم يقولون أي كلام، وعندما نضع كلام السيسى بألا يسمع الناس إلا منه وحده في سياقه، سنجد أنه كلام عادى جدا، بل هو كلام دقيق، لكن كانت تنقصه الصياغة الجيدة.
لقد قدم السيسى نفسه إلى الشعب في خطاب مسرح الجلاء ليس بوصفه رئيس الجمهورية فقط، لكن بوصفه كان مديرا سابقا للمخابرات الحربية، ووزيرا سابقا للدفاع، وكان أيضا نائبا لرئيس الوزراء، وكان يمكنه أن يقول إن هذه المناصب جميعها جعلته مطلعا على ما يجرى، ولديه المعلومات الكاملة، وإذا أراد أحد أن يعرف شيئا بدقة فهو وحده القادر على ذلك، ساعتها سيكون الكلام مقبولا، أما اعتقاده بأنه يمتلك الحقيقة وحده، فهذا يلقى عليه بظلال من الريبة، أعتقد أنه لا هو ولا نحن نتحملها.
النموذج الثالث، كان في الكلمة الموجعة التي قالها السيسى، توقف في خطابه المطول قليلا، قال: «سأقول لكم كلمة موجعة، وأقسم بالله أنه لو ينفع أتباع لأتباع»، هزت هذه الكلمة كثيرين ممن وجدوا في القاعة، أحدهم قال لى: «بكيت عندما سمعت الرئيس يعرض نفسه للبيع من أجل المصريين الذين لا يقدرون ذلك»، لكنى عندما سمعت الكلمة عرفت أنها لن تمر مرور الكرام، فما قاله الرئيس بحسن نية سيتحول إلى منصة إطلاق صواريخ ساخرة عليه، وهو ما حدث بالضبط.
ما الذي كان يجب أن يقوله الرئيس، لتأكيد هذا المعنى نفسه، تخيلته يصيغ المعنى بكلمات أخرى تماما، كان يمكنه أن يقول: أنا مثل رب الأسرة الذي لا يتردد في بيع هدومه حتى لا يحتاج أبناؤه أي شىء، كان يمكن لهذا المعنى أن يعبر دون أزمات، فهو يعمل ليل نهار، من أجل أن تعبر مصر أزمتها، لكنه جعل ظهورنا جميعا إلى الحائط، عندما عرض نفسه للبيع، وهو ما لن يحدث، فحتى العبارات المجازية لا بد أن يكون فيها بعض من المنطق، حتى نقبلها ونتفاعل معها ونقرها.
النموذج الرابع، عندما دشن السيسى مبادرته الجديدة «صبح على مصر بجنيه»، هي الواقع مبادرة نبيلة جدا، لكن ما كان له أن يبادر هو بالإعلان عنها، هذا عمل منظمات وجمعيات المجتمع المدنى، وقد يكون عمل رئيس تحرير صحيفة حكومية كبيرة تسخر إمكانياتها للترويج للمبادرة بشكل احترافى، كان من المناسب أن تقوم بها جمعية من جمعيات الشباب الكثيرة التي تكونت في الأساس بدعم من الرئاسة، وبمبادرة منها، وهى جمعيات ينتفع منها أصحابها، بأكثر مما تقدمه لمصر، والتجربة أثبتت ذلك، كان يجب ألا يضع الرئيس نفسه في الصدارة، لكنه لا يجب أن يطالب الناس بالتبرع بهذه الطريقة، بل يترك للآخرين مساحة يقومون فيها بأدوارهم.
■ ■ ■
هنا يمكن أن نمسك بحقيقة تجلت في خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، وفى كلامه مع الوزراء وتعليقاته على ما قالوه، فهو يشعر أنه يعمل وحده، لا أحد إلى جواره، ولذلك تراه يشتبك مع أصغر التفاصيل التي يجب أن يحملها ويتحملها عنه آخرون، لكن الواقع والتجربة والممارسة تقول إنه وحده، فهل هو يريد ذلك، أم أنه لا يجد معاونين أكفاء يقربهم منه، ويكلفهم بما يريد، ثم يحاسبهم بعد ذلك.
لقد أفصح السيسى بما كشف عن خلل كبير في الجهاز التنفيذى الذي يعمل معه، كان يتحدث عما سبق وقاله من تأسيس كيانات مساعدة للشباب لتيسير عملهم في المشروعات الصغيرة، وفجأة قال إنه منذ عام ونصف طلب أن تقوم الحكومة بتنفيذ هذه الكيانات في دمياط، لكن شيئا لم يحدث، قال نصا: «لو كُنْتُمْ عملتوا دمياط من سنة ونصف كنا سلمناها للشباب الآن».
ما الذي نفهمه من ذلك؟
نفهم من ذلك أن الرئيس طلب وكلف الحكومة من عام ونصف بتنفيذ مشروعات ما، لكن ومع مرور كل هذه الشهور لم يتم تنفيذ شىء، كان السيسى غاضبا وهو يقول ذلك، لكننا لم نر كشفا للمقصرين، ولا عقابا لهم، فهل كلام الرئيس لا ينفذ؟ وهل لا يوجد من يتابع تكليفات رأس الدولة أم أن هناك من يتعامل مع تكليفات الرئيس على أنها مجرد فض مجالس؟
كان السيسى محيرا جدا، فكلامه يعكس إحساسه بتقصير الحكومة بشكل مطلق، لكنه في الوقت نفسه دافع عن الحكومة، وبدا من خلال عبارات كثيرة أنه يدعمها، فهو وحده الذي يعرفها، وهو يجلس مع الوزراء أكثر من ٩ ساعات يوميا، فلم نعرف هل هو معها أم ضدها، لقد أعلن أنه يحميها، عندما انتقد تعرض وسائل الإعلام لها، بل سخر ممن ينتقدون الحكومة بقوله إن من يتحدث يأتى ليعمل معه في الحكومة ليرى ما الذي يمكن أن يفعله، وكأنه يقول للجميع إنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وهو كلام محبط جدا بالمناسبة، فما يجب أن يعرفه الرئيس أن الإعلام ليس عدوه، ليس خصمه، بل هو عينه التي تراقب الحكومة وتكشف تقصيرها، الإعلام أداة رقابية هائلة، يجب أن يستوعبها الرئيس، ويعرف أنها تعمل من أجل إنجاحه وليس من أجل هدم نظامه.
■ ■ ■
لقد ارتدى السيسى في خطابه الصاخب أكثر من رداء.
الرداء الأول، كان رداء الرئيس، وأعلن من خلاله أنه سيتحمل مسئوليته ولن يتخلى عن دوره، قال إنه سيظل يبنى حتى مماته أو انتهاء مدته، وهو كلام منطقى جدا، ما كان يجب أن يقوله.
لكن لماذا قاله من الأساس؟
بعض من تابعوا خطاب الرئيس قالوا إن غضبه وحدته وتحديه كان لأنه اطلع على تقارير عديدة من أجهزة سيادية مختلفة، كشفت له وجود مؤامرة عليه شخصيا، وأن المؤامرة لم تعد تعمل بها وعليها جهات خارجية، وهو المعروف والذي نقره ولا ننكره، ولكن هناك جهات داخلية تعمل للتعجيل بالمؤامرة، وليس بعيدا أن تكون هذه التقارير قد أشارت إلى أن بعض أجنحة الإعلام أصبحت طرفا ضالعا فيها، ولذلك أرسل الرئيس رسالة واضحة للجميع إلى أنه باقٍ حتى أجله أو انتهاء مدته، ورغم أن الرسالة كانت إيجابية فهو لا يفكر في أن يظل رئيسا للجمهورية مدى الحياة بتعديلات دستورية أو بغيرها، إلا أنه لم يكن في حاجة إلى تأكيد ذلك من الأساس، فهو الرئيس الذي اختاره المصريون، ويمكن أن يختاروه مرة أخرى، فرغم تأثر شعبيته كثيرًا في الشارع المصرى فإنه لا يزال يحظى بتأييد يجعله قادرا على حسم الانتخابات الرئاسية القادمة التي يمكن ألا ينافسه فيها أحد على الإطلاق.
الرداء الثانى، كان رداء مدير المخابرات الحربية، وهو منصب شغله السيسى من مارس ٢٠١٠ حتى أغسطس ٢٠١٢. رجل المعلومات الذي يعرف ما لديه من ملفات، لفت هو الانتباه إلى أنه تحدث كثيرا كمدير للمخابرات مع صحفيين ومفكرين، وكان يضع أمامهم مشكلات مصر كما هي، فهو لم يخدع أحدا، ولم يزيف صورة كانت موجودة من الأساس.
في هذا السياق، أفصح السيسى عن معلومات قال إنها يمكن أن تضر بالأمن القومى، اضطر إلى أن يفعل ذلك حتى لا يتهمه أحد بأنه قصر في حق مصر أو قصر في ملف سد النهضة، أشار من طرف خفى إلى أنه يعرف أن الشباب قلق من النقص المائى، وهو قلق كذلك، ولذلك فهناك محطات لتحلية المياه ستوفر ما تحتاجه مصر من المياه، لم يقل كيف ولا أين ولا متى بناها، ففى النهاية ورغم أنه قال إن المعلومات التي سيقولها ستضر الأمن القومى، إلا أنه تحفظ على بقية المعلومات. لم يقل الكثير، اكتفى بما يمكن أن يطمئن الناس فقط، وهذا ما لا يمكن لأحد أن يلومه عليه.
تحدث السيسى أيضا كمدير مخابرات عن الطائرة الروسية وحادث مقتل الشاب الإيطالى، كان موفقا في جانب، وأخفق في جانب آخر، أراد أن يدلل على أن هناك من يريد فرض عزلة عامة وكاملة على مصر، قال إن من أسقط الطائرة الروسية، ومن ارتكب حادث الطالب الإيطالى، كان يريد صنع أزمة يعزل بها مصر.
دون أن يدرى استبق السيسى لجنة التحقيقات، اعترف أن هناك من أسقط الطائرة الروسية في عمل إرهابى، وهو ما التقطته وكالات الأنباء العالمية، وصدرته، على أنه اعتراف من الرئيس المصرى بعمل إرهابى أسقط الطائرة، وهو اعتراف يترتب عليه الكثير، أقله أن مصر ستكون ملزمة بدفع تعويضات لضحايا الطائرة التي سقطت على أرضها، في الوقت نفسه وبكلمة واحدة، برأ السيسى أجهزة الأمن المصرية من دم الطالب الإيطالى، لكن أثر ما قاله عن الطائرة الروسية كان أكبر، وأعتقد أن الرئيس ما كان يجب أن يتعرض لهذه النقطة من الأساس، لأنها ليست في سياق عمله، بل هي من اختصاص جهات التحقيق التي لم تنته من عملها حتى الآن.
الرداء الثالث، كان رداء الجنرال الذي وقف يدافع عن وحدة بلده التي يرى أن هناك من يعمل جاهدا على إسقاطها، قال إنه لا يستدعى خطرا من أجل فرض إجراء استثنائى، لكنه أعلن كذلك أنه ماضٍ في حربه ضد الإرهاب، وهى الحرب التي فرضت عليه فرضا، لم يكن يريدها، ولم يكن يتمناها، لكنها أصبحت قدرا لا مفر منه إلا إليه.
■ ■ ■
إذا تعاملنا مع خطاب السيسى بعمق ونضج، وبعيدا عن التفاصيل، سنقول إن هناك عنوانا واحدا فقط يمكن أن نضعه على رأس كل ما قاله، وهو البناء والبقاء، عرض هو التحديات التي تقف في طريقه، لكنه وضع في الوقت نفسه معوقا جديدا يمكن أن يكون له بالغ الأثر في الأيام القادمة، لقد صنع السيسى له خصوما جددا، بحديثه عن المؤامرة، لم يسم أحدا، ولم يشر إلى أحد على وجه التحديد، وهو ما يحسب له، لكن هناك من يقرأ ما بين السطور.
كان واضحا جدا أن الرئيس غاضب من الإعلام، لم يذكره في خطابه ولو مرة واحدة، ربما كان متعمدا، وربما كان راغبا في أن تصل رسالته بوضوح، فهو يعتبر الإعلام الذي يتحدث عن قصورات حكومية، ويعرض مطالب الناس معايرة للنظام بفقره، وهو منطق مغلوط تماما، ومن الخطر أن يجعل الرئيس إعلامه خصما له، حتى لو كانت هناك زلات يقع فيها الإعلام.
لقد اعترف الرئيس أن هناك مشكلة في التواصل بين مؤسسات نظامه والإعلام، وأنه لا بد من حل عاجل لهذه المشكلة، وهو اعتراف أعتقد أنه جاء متأخرا، فما فعله الرئيس من إفصاح عن معلومات مهمة في خطابه أمر مطلوب، لكن كان يمكن أن يتولى الإعلام ذلك نيابة عنه.
ما نحتاجه في مصر الآن أن يقوم كل منا بوظيفته، دون أن يتعدى على وظائف الآخرين. لن يتحمل هذا البلد أن نتبادل الاتهامات ليل نهار، مطلوب أن يسمع بعضنا من بعض. الرئيس مطلوب منه أن يسمع منا، فليس مفروضا أن يتحدث هو وحده، إننا على حافة الخطر، نعلم ذلك كما يعلمه الرئيس، وليس أمامنا إلا أن نعمل معا، ليس مطلوبا منه أن يعمل وحده، ويكون دورنا التصفيق أو التمجيد، فلو حدث هذا فسنكون جميعا على حافة الكارثة، وهو ما لا يريده أحد.. لا نحن ولا الرئيس.