الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لدواعي الأمن القومي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
احتوى خطاب الرئيس السيسي في مسرح الجلاء على رسائل واشارات عديدة ، لكن أكثر ما لفت انتباهي كان حرصة الشديد على مجموعة قصاصات صغيرة تحتوى على الارقام التي قام بسردها ، ثم عاد وجمعها ووضعها في جيبه الخاص ، لم يعطها لأحد من مساعديه ، شعرت أنه يريد ان يقول معلومات أكثر ، يريد أن يطمئن الناس على وطنهم ، لكن سرعان ما ظهر في عقله القائد العسكري ، رجل المخابرات السابق ، فأنهى حديثه سريعا وعاد إلى رسائله المتعددة التي احتواها الخطاب .
حينما فتح الموضوع وقال اسمحوا لي اقول أسرارًا لها علاقة بالأمن القومي من اجل استعادة روحكم المعنوية ، سمعت من همس خلفي لا بلاش يا ريس ، لا أعلم من هو ، أو لماذا قال ذلك؟ ، لكن ما قاله ينم بالفعل عن إحساس بالخطر ، وبالتربص تجاه البلد ، ويبدو أن ذلك وجد صداه عند الرئيس فأغلق الموضوع بعدما طمأن الناس على بلادهم .
ما يقوم به السيسي يشبه كثيرا ما قام به السادات، كان السادات يهاجم ليل نهار من شباب الجامعة، وكانت المظاهرات تجوب القاهرة تطالب بالحرب، وكان هناك شباب آخر يرى أن الازمة في الدولة والقيادة، وثالث يرى أن الحل اسلامي، وحده السادات كان يتحرك بمعزل عن الجميع مع نخبة من قادة القوات المسلحة في خطة طويلة للخداع الاستراتيجي انتهت بمفاجأة نصر اكتوبر .. وبنفس المنطق صنع السلام بزيارة منفردة للقدس واستعاد كامل تراب سيناء .
ليس كل ما يعرف يقال ، ولا يمكن أن تتاح كل المعلومات للناس تتداولها لتقع في أيدى عدو أو متربص يغير بها خططه أو يضع عليها خططًا جديدة تمكنه من تحقيق هدفه، وهدفه واضح منذ بدء عمليات اقتحام السجون واقسام الشرطة في 25 يناير، وهو تدمير الدولة المصرية .
حينما ظهرت برامج الكوميديا السياسية وبدأ تسويق شخصيات مثل باسم يوسف ، أتذكر جيدا حلقاته المتعددة للتسفيه من فكرة المؤامرة ، وتشويه رجال الدولة واجهزتها الامنية ، ماذا كان يريد ان يصنع يوسف ورفاقه ، لقد حاولوا بكل الطرق نزع تلك الافكار من عقول المصريين ، كانوا يريدون تحييد تلك العقول لاستيعاب ما سيتم تقديمه بعد ذلك من حلول ، وحينما فشلوا ظهرت نغمة التشكيك واستغلال الثغرات والعيوب الموجودة في الدولة وتتوارثها مثل استعداء الشعب على جهاز الشرطة لزرع الإحباط والنيل من الروح المعنوية للشعب المصري ، ليبدأ مرة اخرى البحث عن حل ويصبح الخروج حتميا ..وتعود مصر "لمعجنة" ما بعد 25 يناير .
إشارة الرئيس إلى ما حدث في موضوع الطائرة الروسية والشاب الإيطالي، يؤكد أن هناك من يسعى لتدمير العلاقات المتميزة بين مصر وبين الدولتين ، إذا لم تكن هناك مؤامرة على اقتصاد مصر ، عصب الحياة ، فلماذا تم ذلك ، بل لماذا ظهر من يستميت لعدم عودة السياحة لمصر من بين من يطلقون على انفسهم نشطاء 25 يناير.
يعلم الرئيس جيدا أن الحرب على ادمغة المصريين شديدة وأن الاعلام المصري وقع في الفخ لضعف بنيته الشديدة ، ولتأثر "ماسبيرو" مما حدث وقت يناير وأن هناك مساحات مفتوحة امام من يريدون السيطرة على العقول وتهيئتها لتصديق الاكاذيب وذلك ظهر في تصديق الشائعات تلقائيًا ودون مجهود .
ابجديات الحروب النفسية تقول إن هدف العدو الاول هو ايهامك بأنك فاشل وتعيش في دولة فاشلة وعاجزة على كافة الأصعدة وإدخال اليأس في قلبك من قياداتك السياسية حتى تفقد ثقتك في الدولة وقادتها، كما يبدأ العدو في إعادة برمجة عقلك على تقبل مسميات جديدة لتعريفات قديمة استقرت في ذهنك لتحقيق أغراض أكثر تأثيرًا فى فاعلية الصراع القائم مع دولتك، كذلك يستخدم العدو أحد أخطر أنواع البروباجندا (الدعاية) وهى الدعاية السوداء، من خلال الافتراء والتشويه المستمر لكل ما هو رسمي فى دولتك تحت مسميات مختلفة، بحيث يدفعك إلى تصديق ما يقدمه لك من معلومات مغلوطة ورفض وعدم تقبل كل ما هو صادر من أرقام عن الجهات الرسمية في الدولة، حتى يتمكن من إرباك ساحة العمليات ومحاور التفوق وخلط الأوراق في الدول القوية الثابتة، أو إعادة إرباكها فى الدول التي تجاوزت مخططات الفوضى الأولى، ومن ثم الوصول بالمجتمع إلى اليأس من خلال أخبار ومقالات وبرامج مخططة علميًا ومنهجيًا بصورة فى غاية الدقة، لتشويه الآمال المنعقدة على الأنظمة التي تمكنت من تجاوز حرب اللا عنف، وذلك عبر دوائر من الإعلاميين والصحفيين الذين ينشرون ذلك إما بدون قصد أو بتعمد، وذلك تحت دعاوى السبق الصحفي والفراغ الخبري وحرية النشر والرأي والتعبير وحرية الحصول على المعلومات بأية وسيلة.
وهو ما رأيناه عمليا عقب خطاب السيسي نفسه بتحويل قوله عن بيع نفسه من أجل الوطن الى إعلان على أحد مواقع البيع والشراء على الانترنت ، رغم ان الجميع يعلم ان مقصده التضحية والفداء لإنقاذ بلاده وأهلها من مصير دول اخرى تعيش حولنا ، وزادوا بالخلط بين دعوة الرئيس للتبرع لصندوق تحيا مصر وبين دعم الاقتصاد، رغم انهم يعلمون جيدا أن هناك استحالة قانونية لسحب ارصدة دعم مصر وادخالها في الموازنة العامة، متجاهلين ايضا وبإصرار حديث الرئيس عن جهود صندوق دعم مصر في توفير ما تيسر من العدالة الاجتماعية لفقراء مصر الباحثين عن علاج وسكن آدمى .
لا يملك السيسي آلاعيب وحيل السياسيين ولا لسان المفوهين ..هو يملك سلاحًا أهم تحتاجه الدول في لحظات الشدة ، وهو الصدق والإخلاص والامانة ، حينما فتح حوارا مع طارق عامر رئيس البنك المركزي ، كان يتحدث بلسان الأب وهو يحاول ان ينتزع من رجل البنوك حق الشباب في العمل والأمان من تدمير المشروع تحت وطأة فوائد الدين ، ثم أضاف مهمة للحكومة وطالبها ببناء الورش واستيراد الآلات ليدخل الشباب على العمل فورا ، وان يتم تصريف المنتجات عبر الحكومة أيضا، هو يعلم ان الناس تثق في الحكومة والدليل بحثهم المستمر عن الوظيفة "الميرى" .. الرئيس يعلم جيدا ان الصراع مع العدو هو على الشباب والأجيال الجديدة من المصريين ، وهو بهذا المشهد يعكس رغبة حقيقية لدى الدولة و يختصر الكثير من الحديث عن علاقة الرئيس بالشباب فهو يراهم مثل أولاده مهما حاولوا التطاول عليه ، وهو يمد يده للشباب مرة اخرى ، فهل من مستجيب ؟!