تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
وكانت غضبة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر للشعب العربى السنى فى الأحواز مدعاة لمزيد من البحث عن كيف ومتى بدأت المأساة:
في عام 1925 تحالف شاه إيران “,”رضا شاه“,” مع الاحتلال البريطاني، واختطف الإنجليز الأمير خزعل، أمير عربستان، وسلموه للإيرانيين، الذين أعدموه وفرضوا سيطرتهم على إمارة عربستان.
ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن تجري محاولات دءوبة وشديدة القسوة لمحو الطابع العربي عن عربستان التي سميت خوزستان. والحقيقة أن تغيير الأسماء وفرض أسماء جديدة قد اتخذ مسارات مثيرة للدهشة، فكل المدن والأنهار والمحافظات غيرت أسماءها، وفرضت عليها أسماء فارسية، بل إن مصالح تحقيق الشخصية في عربستان وزع عليها كتيب يتضمن أسماء بذاتها لا يجوز تسميتها للمواليد، أسماء مثل أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعائشة... إلخ، وهي الأسماء نفسها التي يقوم المسلمون الشيعة في العراق بقتل كل من يتسمى بها، والنتيجة أن شعب عربستان يمنح مواليده اسمين: اسمًا رسميًّاّ، واسمًا يختارونه، ويستخدمون الموقف نفسه إزاء المسميات الفارسية للمناطق والأنهار وغيرها، لكن المثير للدهشة هو أن محاولات محو الهوية العربية لسكان عربستان امتدت إلى حد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمحاربة تعليم شعب عربستان اللغة العربية، لغة القرآن، ومن ثم يتعلمها السكان سرًّا، ويتخاطبون بها سرًّا.
لكننا بذلك نسبق الحدث والحديث، فهل كانت عربستان حقًّا عربية؟ وهل كانت مستقلة؟
ونكتشف أنه في القرن الأول الميلادي قال المؤرخ “,”باليني“,” إن هذه المنطقة جزء من الأرض العربية، وتوالى مختلف المؤرخين القدامى على الاعتراف بعروبة هذه المنطقة، بما دفع السير أرنولد ولسن في كتابه “,”الخليج العربي“,” إلى تأكيد ذلك، واصفًا عربستان بأنها “,”تختلف عن إيران اختلاف ألمانيا عن إسبانيا“,”. أما المؤرخ “,”هورديك أوني“,” فقد كتب في كتابه “,”الفقاعة الذهبية.. وثائق الخليج العربي“,” قائلاً: “,”إن هذه المساحات الشاسعة من الرمال البنية، وهذه المياه الضحلة الزرقاء المترامية الأطراف، وكل ما فوقها وكل ما تحتها هي عربية، وقد كانت وستظل جزءًا لا يتجزأ من الخليج العربي“,”.
كذلك كتب المؤرخ الفرنسي “,”جان جاك برسي“,” في كتابه الخليج العربي: “,”لقد مرت عربستان مع الوطن العربي في مراحل واحدة، وبخطوات واحدة منذ أيام العيلاميين والسومريين والكلدانيين، ويؤلف القسم الذي تغسله مياه قارون مع بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية واقتصادية شاركت سابقًا في الازدهار السومري والكلداني، وإذا كانت قد خضعت على يد كوروش وداريوش عندما أسسا إمبراطوريتهما فإنها ما لبثت أن أصبحت عربية من جديد“,”.
وقبل الإسلام نزحت إلى منطقة الأحواز عربستان قبائل عربية أخرى آتية من قلب الجزيرة العربية، منها قبائل مالك وكليب، واستقرت هناك، وعندما قامت الجيوش العربية الإسلامية بفتح هذه المنطقة أسهم السكان العرب معها في القضاء على الهرمزان في سنة17 هجرية، وطوال عهد الخلافة الأموية ثم العباسية وثورة الزنج ثم الحكم العثماني كانت جزءًا لا يتجزأ من الأراضي التابعة للخلافة، واستمر الأمر كذلك حتى 1925.
وإذا كان الإيرانيون يجادلون في أحقيتهم التاريخية في أرض الأحواز بمقولة: إن حكام فارس قد احتلوا هذه المنطقة لفترة من الزمن، فإن سكان عربستان يردون عليهم بأن اليونان والرومان والعرب حكموا فارس ثلاثة عشر قرنًا، وقد استمرت السيطرة العربية على بلاد فارس آمادًا طويلة، فهل ادعى أحد عروبتها؟
ويعود المؤرخون لاسترجاع حقائق تاريخية مهمة.
* فالمؤرخ الإنجليزي “,”لونفريك“,” يقول في كتابه “,”أربعة قرون من تاريخ العراق“,”: في أراضي عربستان الزراعية المنبسطة تستقر قبائل عربية تمتلك الأرض، وتسيطر على طرق المنطقة، وتفرض الضرائب على الطرق النهرية دون معارضة من أحد، وأكثر من مرة حاول الإنجليز بالتعاون مع الفرس احتلال “,”الأحواز“,” دون جدوى، ويأتي القرن التاسع عشر والأحواز دولة عربية مستقلة وقوية، قادرة على حماية منطقة الخليج العربي هي وحلفاؤها الأقوياء في إمامة عمان، ووقفتا معًا في وجه محاولات الفرس والترك والإنجليز للسيطرة على المنطقة.
كما أن دولة فارس نفسها قد اعترفت باستقلال إمارة عربستان، ففي عام1857 أصدر ناصر الدين شاه مرسومًا ملكيًّا يقول: تكون إمارة عربستان للحاج جابر بن مراد ولأبنائه من بعده، ويقيم في مدينة المحمرة (عاصمة عربستان آنذاك) مأمور من قبل الدولة الفارسية ليمثلها لدى أمير عربستان، وتنحصر مهمته في الأمور التجارية فقط، ويتعهد أمير عربستان بنجدة الدولة الفارسية بجيوشه في حالة اشتباكها في الحرب مع دولة أخرى، وعندما أرادت بريطانيا إنشاء معمل لتكرير البترول في عبادان، وهي جزء من أرض عربستان، انتدبت السير برسي كاكس ليتفاوض نيابة عنها مع أمير عربستان باعتباره الحاكم العربي الأعلى في المنطقة لعقد اتفاقية بشأن السماح باستخدام خط أنابيب البترول للمرور عبر أراضي إمارته متجهًا إلى مصفاة عبادان، وكان يتسلم وفق هذا الاتفاق إيجارًا سنويًّا قيمته 650 جنيهًا.
كما أن بريطانيا أبرمت معاهدة أخرى مع أمير عربستان تعهدت فيها بالدفاع عن الأمير وإمارته، وأن تشاركه في صد أي هجوم خارجي عليه. وبرغم ذلك كله فإن بريطانيا قد تآمرت مع إيران على تسليمها دولة عربستان.
ويمكن أن ندرك المفارقة بالعودة إلى المؤرخ الفرنسي جاك برسي في كتابه الخليج العربي، إذ يقول: إن عربستان هي طرف الهلال الخصيب الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية وينتهي عندها مارًّا بلبنان وسوريا والعراق، فبريطانيا أسلمت الطرفين أحدهما لإيران والآخر لليهود في فلسطين. أليست هذه مفارقة تستحق التأمل؟
وفي عام1964 أدرجت قضية عربستان على جدول أعمال مؤتمر القمة العربي المنعقد في القاهرة، واتخذت القمة قرارات تساند حقوق عربستان مساندة كاملة، بل قررت إدراج قضية تحرير عربستان في المناهج الدراسية العربية، وبرامج الإعلام العربي، لكن هذه القرارات التي اتخذت لأهداف سياسية، صمتت لأهداف سياسية أخرى.
وتبقى قضية عربستان تحتاج إلى مزيد من قول.