تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
"الجنازة حارة.. والميت كلب"، تذكرت هذا المثل الشعبي المعبر بدقة- مع الاعتذار للكلب- وأنا أطالع الضجة المثارة حالياً حول حبس المدعو أحمد ناجي عامين، على خلفية ما نشر في روايته "استخدام الحياة" من ألفاظ وعبارات أقل ما توصف به أنها قذرة ووضيعة ومنحطة.
حيث تمتلئ الرواية بكل صنوف الإباحية وخدش الحياء، ليس العام فقط وإنما الخاص جداً أيضاً، ففي أحد الفصول- تحديداً الخامس- يتحدث عن مجموعة من الشباب الجامعي في العشرينات من عمرهم، ويتناول بأكثر الألفاظ فحشاً وفجوراً ليصف أفعالهم المشينة خلف الأبواب المغلقة فيما يتعلق بالجنس والمخدرات، ويستخدم الكاتب ألفاظًا لا تسمح عاداتنا وتقاليدنا بنشرها بشكل عام، والمصيبة الأكبر أن هذه الفضيحة- وليست الرواية- قد نشرت في صحيفة توصف بأنها قومية، أي يقرأها المراهق والجد والأخت والأب والأم.
المثير للدهشة حملة الدفاع- غير المبررة- عن حكم حبس كاتب الرواية الفاضحة، فلا أحد يدري عن أي شيء يدافعون؟! فهل محاسبة شخص عن نشر الرذيلة والفاحشة تسيئهم إلى هذه الدرجة؟! وأي قيمة إبداعية أو فنية تضيفها هذه الرواية البذيئة التي تصف اللقاءات الجنسية الحرام بتعبيرات يعف أولاد الشوارع عن ذكرها؟! وهل وصلنا إلى هذه الحالة التي نحتفظ فيها بحق كاتب ما أن يسمي الأعضاء التناسلية وكأننا أمام شقة دعارة وليس رواية؟!
وحتى لا يكون الكلام مطلقاً على عواهنه نستعرض بعض حملات الدفاع عن هذه الرواية المسيئة، حيث أعلن الكاتب عمار علي حسن تضامنه مع "ناجي" بترك مساحه فارغة في مقاله، فرد عليه الصحفي إبراهيم حجازي على قناة النهار قائلاً: "ترضى أمك تقرأ رواية أحمد ناجي؟"، أما الإعلامي يوسف الحسيني فقال مدافعاً: "شوفوا أفلام زمان"،وكالعادة انبرى إبراهيم عيسى قائلاً: "رواية أحمد ناجي تم تحميلها مليون مرة خلال يوم واحد: شكراً يا حماة العفة"، وكأن الخطأ في معاقبة المذنب، أما الفقيه الدستوري نور فرحات، فقال: رواية أحمد ناجي "قلة أدب" لكن حبسه مخالف للدستور.
فلا أعلم عن أي حرية يدافعون وعن أي دستور يتحدثون.. وإذا كان هناك بالفعل أدباء سبقوا "ناجي" في تصوير هذه اللقاءات الجنسية فهل يعني هذا أن من حقه أن يستفيض في الوصف على هذا النحو الذي يتشبع بالإسفاف والابتذال؟ ومن الذي قال إن استخدام الألفاظ المتدنية في رواية هو من قبيل الإبداع؟ فإذا كان الأمر كذلك فكيف لنا أن نمنع أبنائنا من ترديد هذه الألفاظ النابية داخل المنزل أو في المدرسة أو حتى العمل؟!
إن ما فعله "ناجي" تطرف في الرذيلة، لا يقل بأي حال عن إرهاب من يحملون السلاح لقتل الأبرياء، بل هو أشد قتلاً، فاغتيال الحياء جريمة، وإشاعة الرذيلة والفحشاء جريمة نكراء لا تفسد شخصاً واحداً، بل تقتل الأخلاق في أجيال كاملة، وهو بذلك يفتح الباب على مصراعيه لكل من تسول له نفسه اعتبار "قلة الأدب" من قبيل الإبداع، ورغم أننا ضد الحجر على حرية التعبير لكننا أيضا ضد استباحة الأخلاق ونشر الفاحشة في مجتمع محافظ.
نعم نحن ضد حبس الكلمة ولكننا أيضاً ضد هدم قيم المجتمع، فالأمم تبنى على الأخلاق وليس على مثل هذه رذيلة، ولم يذكر لنا التاريخ أن هناك دولة نهضت أو ارتقت بين الأمم عبر ترويجها لمثل هذه القيم المنحطة، ويا ليت هؤلاء المدافعون عن حبس "ناجي" يخبروننا بحيثيات مواقفهم البطولية.
إننا- ورغم اعتراضنا الكامل على ما جاء على لسان إسلام بحيري من أحاديث تهدف للطعن في الأحاديث الشريفة، وما حمله برنامجه من هجوم ضار على رموز الفكر الديني والإسلامي- أعلننا اعتراضنا على الحكم بحبسه، ليس انحيازاً أو إيماناً بما يقول، لكن إعلاءً لمبدأ مواجهة الفكر بالفكر، أما في حالة "ناجي" لا نجد فكراً وإنما إسفافاً وانحطاطاً.
Moh_yousef85@yahoo.com