الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كُلنا حاتم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تظل جرائم البلطجة التى يرتكبها بعض عناصر الشرطة هى الأبرز على الصحف وشاشات الفضائيات، لسببين موضوعيين، الأول أن البطل هو رجل الأمن المنوط به تطبيق القانون والحفاظ على سلامة الأرواح والممتلكات، وتصبح هنا الجريمة مادة لجذب اهتمام المجتمع لما تنطوى عليه من تناقض بين طبيعة الفعل ووظيفة الفاعل.
والسبب الثانى يتعلق باستمرار تجاوزات بعض عناصر الشرطة، رغم علمهم يقينا أن جرائمهم مثلت الوقود الحقيقى للشرارة الأولى فى انتفاضة ٢٥ يناير ٢٠١١.
ومع ذلك، رب ضارة نافعة، ليس فقط لأن جريمة رقيب الشرطة فى الدرب الأحمر دفعت رأس الدولة وكل المؤسسات المعنية إلى الإسراع قدما نحو اتخاذ خطوات حاسمة لتشديد العقوبة على المخالفين من رجال جهاز الشرطة، وإنما أيضا لأن الثورة العفوية لكل أهالى باب الخلق علاوة على المصريين فى كل أنحاء المحروسة ضد القتل بدم بارد قد تساعد على خلق وعى مختلف لدى كل رجال الأمن ضباطا وجنودنا وأفرادا، ما من شأنه أن يصنع رقيبا داخليا يلزمهم بالقانون والمحددات الأساسية لطبيعة وظيفتهم.
لكن ينبغى أن نتوقف عند سؤال محوري.. «هل البلطجة وممارسة العنف أمر قاصر على رجال الأمن المسلحين؟! أم أننا بصدد ظاهرة مجتمعية تشمل معظم الشرائح والفئات؟!».
صحيح، أن ما لدى رجل الأمن من صلاحيات وسلطات يخولها له القانون قد تشعر بعض ضعاف النفوس ومن يعانون أمراضا وعقدا نفسية واجتماعية بنوع من التمييز الذى يدفعهم إلى محاولة قهر الآخرين، ويشجعه وجود سلاح نارى على ممارسة ذلك القهر عنفا وقتلا فى بعض الأحيان، ولكن لنتأمل سلوك بعضنا عندما يشعر بامتلاكه نوعا من السلطة مهما تواضع مداها؟!
منذ ما يزيد على العقد ونصف العقد، حذر أساتذة وخبراء الاجتماع من تفشى ظاهرة العنف فى المجتمع المصرى، وأسموها تارة بالعنف الأسرى وأخرى بالعنف ضد المرأة، وثالثة بالعنف فى العمل، ورابعة بالعنف المدرسى، وخامسة بعنف الزوجات، وهكذا تتعدد المسميات فى كل مناسبة للتعليق على جرائم وحوادث نشهدها يوميا.
هذه السطور ليست محاولة للتخفيف من أثر وقع جريمة رقيب الدرب الأحمر، وإنما محاولة لتنبيهنا جميعا بأن بلطجة بعض رجال الداخلية تأتى فى سياق مجتمعى، ولننعش ذاكرتنا ببعض وقائع البلطجة التى تؤكد أن مرتكبيها كانوا سيسلكون مسلك الأمناء المخالفين للقانون إذا قدر لهم العمل فى جهاز الشرطة.
سائق التاكسى الذى يبادر بشتمك ولعنك عندما تلاحظ تلاعبه فى العداد، أليس فى ذلك بلطجة وعنف وقلة أدب بعدم الالتزام بالقانون؟ بعض السائقين لا يتوانى عن التهديد بالضرب وربما الضرب أيضا.
«المدرس الذى يجبر تلاميذه على الدروس الخصوصية، وإلا نالهم العقاب الرادع بالرسوب فى امتحانات الشهر- أوليا الأمور الذين يجمعون الناس من كل صوب وحدب للاستفراد «بمدرس غلبان وضربه ضربا مبرحا لمجرد أنه حاول تربية أبنائهم- الممرضة التى ترفض القيام بمهمتها إلا بعد تقاضي «الحلاوة»- الطبيب الذى يتهرب من مريضه بعد إصابته بعاهة مستديمة أو من ذويه بعد قتله داخل غرفة العمليات، وزميله الذى يتستر على جريمة ولا يألو جهدا لإخفاء أثرها».
عدد ما شئت من الحوادث والوقائع اليومية التى تتبلور على الشاشات فى كل مساء مع إعلاميين ومثقفين يتفننون فى فعل البلطجة الفكرية التى يستلون فيها ألسنتهم لذبح خصومهم وقمع المشاهد.
لا أريد القول بأننا صرنا مجتمعا من البلطجية، لكن هذه دعوة جادة لصانع القرار بالاستعانة بدراسات علوم الاجتماع والنفس السلوكى والأنثروبولجي، والاجتماع الجنائى عن عنف المصريين، قبل أن يهتم بإصدار تشريعات جديدة، وعلينا أن نعى أن الميل لممارسة العنف والبلطجة بين صفوف رجال جهاز الشرطة يوجد بنفس النسبة والدرجة لدى باقى الشرائح والفئات، لأن رجال الأمن جزء من هذا المجتمع يتأثرون كغيرهم بكل ما أستجد عليه.