الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قراءة عقيدية.. الإخوان ليسوا خوارج فحسب.. فمن هم؟ (6)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مازلنا نواصل البحث في حقيقة جماعة الإخوان، وقد توقفنا في ما سبق إلى عدم الاطمئنان إلى اعتبار أن الجماعة هي فرقة الخوارج، نظرا للفروقات الكبيرة بينهما، كما لم نستطع أن نعدها واحدة من فرق الشيعة، وأجبنا على شبهة الجماعة في وصف أهل الحديث بالمرجئة، ولمسنا أن الإرجاء يعد إحدى السمات الأساسية للجماعة، كما رأينا أيضا ملامح فكر المعتزلة في مرجعيات الإخوان.
وفي هذه الحلقة نستأنف ما بدأناه حول الاستحسان العقلي، الذي يعد أحد أصول وثوابت فرقة المعتزلة وآثاره في فكر الجماعة.
عرفنا- سابقا- كيف أدى الاستحسان العقلي لدي حسن البنا الي التهاون في أصول الدين والدخول في دائرة تعطيل صفات الله وأسمائه كما يفعل المعتزلة، بل لقد زاد "البنا" عليها وجعلها من الأمور الهينة التي لا يجب أن يقف عليها المسلمون واعتباره ان توحيد الصفوف مقدم علي توحيد العقيدة.
فإذا كانت هذه نظر الجماعة للتوحيد الذي هو حق الله على العبيد وأصل الدين، فليس بمستغرب إذن أن يصل الانحراف والتحريف الي الفروع واخص هنا الفقه الذي ابتكرت الجماعة علما جديدا لم يسبقها احد من الامة إليه علي مدار ١٤٠٠ سنة.
في العقود الأخيرة ظهر مصطلح جديد علي خطاب الجماعة وهو "فقه الواقع" الذي يزعمون وجود أصول له لدى السلف وأن ابن القيم- رحمه الله- يعتبر أحد رواده وهي عادة من يحاولون إثبات وجود جذور لشجرته المجتثة التي ما لها من قرار، حتي يقنع العامة والبسطاء بطيب ثمرتها.
يعرف شيخهم ناصر العمر "فقه الواقع" بقوله: "هو علم يبحث في فقه الأحوال المعاصرة من العوامل المؤثرة في المجتمعات والقوى المهيمنة على الدول والأفكار الموجهة لزعزعة العقيدة والسبل المشروعة لحماية الأمة ورقيها في الحاضر والمستقبل". (انظر: فقه الواقع لناصر العمر).
لا شك أن هذا التعريف لما يسمى فقه الواقع يعطي انطباعا بأنه شيء لا شبهة فيه، بل يمكن اعتباره من العلوم العصرية الضرورية التي لا ينبغي أن يغفل عنها المسلمون لتحقيق انطلاقتهم واثبات عدم جمودهم، وهو أمر قد أغرى الكثيرين للدخول فيه والانخداع به، ولعل مواقف الجماعة العملية من هذا العلم المزور يكشف بعدا آخر لا يثبت أمام ميزان الشريعة، حيث ثبت ان المقصود به هو تحريف النصوص الشرعية المتعلقة بالواقع وكتمان بعضها وتحريف أغلبها، بحجة تجديدها لتتماشى مع رؤيتهم ومصالحهم وغاياتهم، فكم من نص تم إخفاؤه عن المسلمين بحجة مخالفته للواقع من وجهة نظرهم لأنه ببساطة يصادم مصالحهم.
أبرز هذه النصوص تلك التي تتعلق بباب الفتن والتعامل مع الحكام إذا كانوا لا ينتمون إلى الجماعة، والحديث عن هذه المخالفات طويل يمكن أن نكتفي هنا ببعض فتاوى القرضاوي وما آلت إليه الامور نتيجة هذه الفتاوى النابعة من فقه الواقع الذي اخترعوه وما آلت اليه بلاد المسلمين من خراب ودمار بسبب تلك الفتاوى: حول بوادر الثورة في سوريا.
فتوى عدد من طلاب العلم الشرعي بتاريخ 5 فبراير ٢٠٠٨) قال فيها:
"فمن حق المسلمين – كغيرهم من سائر البشر- أن يسيروا المسيرات وينشئوا المظاهرات، تعبيرا عن مطالبهم المشروعة، وتبليغا بحاجاتهم إلى أولي الأمر، وصنّاع القرار، بصوت مسموع لا يمكن تجاهله. فإن صوت الفرد قد لا يسمع، ولكن صوت المجموع أقوى من أن يتجاهل، وكلما تكاثر المتظاهرون، وكان معهم شخصيات لها وزنها: كان صوتهم أكثر إسماعا وأشد تأثيرا. لأن إرادة الجماعة أقوى من إرادة الفرد، والمرء ضعيف بمفرده قوي بجماعته. ولهذا قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة:2]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا" وشبّك بين أصابعه .
وأكد أن دليل مشروعية هذه المسيرات: أنها من أمور (العادات) وشؤون الحياة المدنية، والأصل في هذه الأمور هو: الإباحة. والقول بأن هذه المسيرات (بدعة) لم تحدث في عهد رسول الله ولا أصحابه، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار: قول مرفوض؛ لأن هذا إنما يتحقق في أمر العبادة وفي الشأن الديني الخالص. فالأصل في أمور الدين (الاتباع) وفي أمور الدنيا (الابتداع).
وقال إن للعلماء ردود شافية جامعة مانعة علي هذه الفتوي من الكتاب والسنة بأدلة شرعية تزيد علي عشرات الاحاديث الصحيحة. انتهت الفتوى
وبتاريخ ١١ سبتمبر ٢٠١١ في برنامج الشريعة والحياة علي قناة الجزيرة: ردا على سؤال حول بعض العلماء المؤيدين للسلطات الحاكمة في قمعها للثورات قال القرضاوى:
"معذور من أئمة سوريا من لم يتحدث نهائيا وبقى في بيته، لكن من يتحدث ويؤيد فلا عذر له فلا يجوز لأحد أن يقول للناس لا تعترضوا على الكفر والفسوق والعدوان، وإذا كان أحد من هؤلاء العلماء عنده شبهة ما في تبنى موقف المتظاهرين فليراجع ويدارس ويسأل إخوانه، لكن للأسف فإن بعض المشايخ الكبار في سوريا يدافعون عن بشار الأسد الذي قتل الآلاف من المدنيين الذين خرجوا في سبيل الله".
وعرف القرضاوى الحاكم الذي لا يجوز الخروج عليه قائلا: "الحاكم الذي لا يجوز الخروج عليه وتجب له الطاعة هو الذي اختاره الناس بالحرية والرضا على أساس من التزام الإسلام ويؤمن بالله ورسوله ويحكم شرع الله وكتابه".
وحول باب سد الذرائع واستخدام البعض له في مرحلة الثورات قال القرضاوى: "سد الذرائع يكون في ما يجلب شرا كبيرا على الناس وليس في الخير، وما يقال حول العيش تحت ولى ظالم خير من الخروج عليه يقال في وقت الحرب بين المسلمين، لكن هذا ليس موضوعنا فثوراتنا قامت تدعو لإقامة الحق".
وهناك ايضا فتوي شهيرة للقرضاوي اسمها "الفتوى الأمريكانية" حول جواز قتال المسلمين المشاركين في صفوف الجيوش الأمريكية أهلهم وإخوانهم إذا دخلت تلك الجيوش بلاد المسلمين.
وبعد ٥ أعوام على هذه الفتاوى لفضيلته اتوجه اليه بسؤال: ما هو الحق الذي ظهر في سوريا الآن؟ وما هو الخير الذي جناه السوريون وغيرهم ممن اتبعوا العلم الجديد فقه الواقع الذي ابتكرتموه؟
إنه لأمر يثير العجب يفتي الشيخ بوجوب الخروج على الحكام المسلمين وفي الوقت نفسه يفتي بجواز طاعة الحكام الأمريكان في قتال المسلمين وهو ما يطلق عليه لديهم فقه الواقع.
وفقه الواقع يختلف كثيرا عن علم الفقه فهو ليس بابا من أبوابه ولا فصلا من فصوله بقدر ما هو استحسان معتزلي مضافا إليه نفعية الجماعة ومن شابهها من الجماعات الأخرى وعلى رأسها بالطبع ما يسمى بالدعوة السلفية وشيوخها التي كانت قبلة لكل طلاب العلم الشرعي قبل ظهور الربيع العربي لجهودهم في نشر كتب السنة والعلوم الشرعية وشرحها، الا انه بمجرد ظهور بوادر ما يسمي بالربيع العربي ضربوا عرض الحائط بكل ذلك وظهر انتماؤهم الفكري لجماعة الاخوان في تأييدهم ومشاركتهم فيما كانوا يحرمونه ويعتبرونه من الكفريات والشرك كانشاء الاحزاب والمشاركة الديمقراطية وإقحام المرأة في الحياة السياسية والمظاهرات والمسيرات وغيرها وكل ذلك تحت شعار "فقه الواقع".
وبهذه الصورة يمكن اعتبار أن فقه الواقع مجرد تلاعب بالنصوص وتحريفا لها لتتلاءم مع واقع افتراضي خيالي ينشده الحالمون به من الجماعة ومن سار علي طريقتهم التي توحي بأن علم الفقه الاسلامي المعروف قاصر عن فهم الاحداث المعاصر، ولم يعد صالحا لزماننا فكانت الحاجة الي علم جديد اخترعوه من عند انفسهم تحت مسمي فقه الواقع الذي يختلف عن علم الفقه الذي تشمل مباحثه كل ما يهم المسلم في حياته وآخرته، حيث يركزون على الأمور السياسية ومنابذة الحكام وامور الحكم والسياسة فقط ليس من وجهة نظر شرعية وانما من وجهة نظرهم وحدهم والا لكان أحد ابواب الفقه.
ويترك هؤلاء كل ما يهم المسلم في معاشه وآخرته وهذا وحده دليل على أنهم ما اخترعوا هذا العلم لصالح المسلمين لأن اختيارهم لهذه الأبواب وحدها دليل دامغ على أن أعينهم فقط تتجه نحو كراسي الحكم والسلطة وحدها، ولا تتجه نحو كراسي الأطباء أو المهندسين أو الفلكيين أو حتى الفقهاء، لانهم لا يريدونها وليست علي جدول اعمالهم فكل ما يهمهم الوصول للسلطة بأي شكل كان.