الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سكك حديد إفريقيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حسنًا فعلت التكتلات الإفريقية التى اجتمعت بشرم الشيخ منذ أيام، مشروع للسكك الحديدية يبدأ من مصر ويمتد إلى دول الجوار، أفلحوا إن صدقوا، فالبضائع لا تنتقل عبر الإنترنت، منذ بدء الخليقة يحتاج البشر وبضائعهم إلى وسائل مواصلات آمنة وسهلة ومريحة وقليلة التكلفة، الطيران مكلف، والبرى صعب، والسفن محدودة الاتجاهات لارتباطها بالبحر فقط، إذن خط للسكك الحديدية هو الحلم الذى ينقل الثقافة والحضارة والبضائع والبشر، يزول التطرف ويولد الحوار وتنتهى البغضاء وتتكلم لغة المصالح والاقتصاد، غابت مصر كثيرًا عن عمقها الإفريقى وها هى تعود من جديد مع دولة ٣٠ يونيو، الأحلام الكبيرة تحتاج إرادة كبيرة ومصداقية وشفافية وجسارة. عرفت مصر العمق الإفريقى منذ عهد الفراعنة وعملت على ربط الأواصر زمنًا طويلًا، فى عهد نهضة محمد على كانت إفريقيا حاضرة على طاولة مشاريعه، تأمين منابع نهر النيل لم يغب يومًا عن ذهن القيادة السياسية، فى سنوات الصمت العاجز التى حاصرت مصر منذ سبعينيات القرن الماضى حدثت الردة عن الطموح، فهانت مصر وتشظت إفريقيا ولعب فيها الموساد وبوكو حرام، فصارت القارة الأم نهبًا لكل مستعمر ناهب للمواد الخام. أعرف أن المهمة غاية فى الصعوبة، وأن تراثنا مع السكك الحديدية الدولية ليس مبشرًا، فتجربة سكك حديد الحجاز التى فشلت ما زالت مسيطرة على الذاكرة، ولكن لا بأس، وليس أمام الحالمين بالمستقبل إلا تحدى الطبيعة، وهذه معضلة أخرى، تضاف إلى معضلة صدق الإرادة، وهى الطبيعة الجغرافية لإفريقيا التى تزدهر فيها البحيرات والجبال والأنهار والغابات، وفى ظنى أن تلك المعضلة من الممكن تحويل صعوبتها فى إنشاء السكة الحديد إلى ميزة، وذلك بالوضع فى الاعتبار الاستفادة من كل مكونات الطبيعة الإفريقية إلى منصات سياحية، فالناس قد سئمت المدن، كما ضجر الميسورون منهم من السياحة المعتادة المتجهة نحو أوروبا وآسيا. ولعلها مصادفة أن ينعقد مؤتمر التكتلات الإفريقية بمصر هذا الأسبوع الذى شهد رحيل رائد الدبلوماسية المصرية، الدكتور بطرس بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، فالرجل الذى انطلق عالميًا عاش معظم حياته العملية باحثًا فى الشأن الإفريقى، مهتمًا ومهمومًا به، كان الملف الإفريقى هو الروشته الأولى التى يضعها غالى أمام متخذ القرار فى كل وقت، ولِمَ لا وهى ارتباط مصر باليابسة، وهى منبع مياه الشرب وامتداد حضارتها وتجانس أديانها، إفريقيا قارة الموارد الطبيعية والبشرية تحتاج من الجميع جهدًا أكثر. لن ألجأ إلى أرقام سعيًا لتأكيد أهمية القضية، فالأرقام كما تعودنا نصفها أكاذيب، لذلك يبقى المنطق هو الحاكم بين الحلم والواقع، بين طموح الشعوب وقدرة قادتهم على تلبية طموحهم، ينبهر المصرى المسافر إلى أوروبا إذا انتقل من دولة إلى أخرى عبر القطار، أنا شخصيًا انتقلت من الصين إلى هونج كونج من خلال مترو أنفاق، وانبهرت كمصرى محروم من خدمات البنية الأساسية فى بلاده، والمعروف هو أنه كلما تيسرت وسائل النقل ازدهر عقل وروح البشر، فالسفر ليس اقتصادًا فقط ولكنه تهذيب للروح وتبادل ثقافى ومتعة تدفع الإنسان للإبداع والعمل والتطور.
تبقى ملاحظة مهمة وتوضيحها واجب، لا يمكن اعتبار الملف الإفريقى أنه ملف مناطح للملف العربى، لأنه ببساطة نصف العرب هم أفارقة بالأساس، وأن الدوائر يمكن لها أن تتكامل، وأعتقد أن هذا واضح جدًا فى ذهن الخارجية المصرية ولا يحتاج منى جهدًا لإثباته، لقد شبت دولة ٣٠ يونيو بعد الإرادة الشعبية على مرتكزات عربية وإفريقية وتجلى ذلك فى الدعم الساحق بالتصويت لمصر لتتبوأ مقعدها بمجلس الأمن وفى العديد من المواقع الدولية المؤثرة الأخرى، وهو ما يفرض على مصر أن تكون القاطرة لعمقيها العربى والإفريقى.