السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

غلمان الدمار الشامل..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدءا من ٦ أغسطس عام ١٩٤٥، وهو اليوم الأسود الذى شهد جريمة العصر الحديث بإلقاء أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية من على متن قاذفة استراتيجية أمريكية، وكانت نتيجتها الكارثية متمثلة فى إبادة عشرات الآلاف من اليابانيين «المدنيين» قبل أن تكرر الولايات المتحدة جريمتها بقنبلة أخرى على مدينة ناجازاكى بعد ثلاثة أيام من صدمة العالم، ورعبه من الهول الذرى الذى كان «يُحكى» عن قدراته التدميرية الهائلة، إضافة إلى ما يتسبب فيه الإشعاع الذرى من تلوث مميت للبشر والزرع والضرع من يوم الحدث ولعدة أجيال مقبلة.
وخرج العالم منذ ذلك الوقت بعدة مفاهيم، أولها أن هذا السلاح يمثل دمارا شاملا للحضارة الحديثة، وإفناء مبرما للبشرية، ورغم ذلك اندلع سباق تسلح محموم بين الدولتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى السابق، ووصول «إبداعاته» إلى صيغة السلاح الهيدروجينى الأكثر قدرة على الإفناء وبقدرة تساوى أكثر من مائة ضعف مقارنة بالقدرة الذرية أو النووية التى أدت إلى محو مدينتين عامرتين من اليابان وأجبرتها على الاستسلام المذل دون قيد أو شرط للدولة المجرمة التى داست على كل الأعراف الإنسانية، وأطلقت الرعب النووى فى الأجواء، وسعت بعدها معظم الدول الكبرى بل وأحيانا الدول متناهية الصغر مثل إسرائيل إلى امتلاك السلاح المميت تهديدا للجميع دوليا وللبعض إقليميا، وأصبح العالم يتراقص يوميا على الكرة الأرضية المدججة بكمية هائلة من القنابل والصواريخ النووية التى تكفى لتدميرها ثلاثة آلاف مرة على الأقل.
لكن مفهوم الدمار الشامل لا يقتصر على القنابل والصواريخ، بل يتصل ببشر عاديين يمكنهم أن يكونوا أشد خطرا وفتكا من السلاح المباشر، إذ يكفى مثلا أن تكون رئيسا أو ملكا أهوج لدولة من العالم الثالث أو «التالف» مثيرا للقلاقل، لتكون أكثر دمارا، أو غلاما مدللا لملك أو رئيس وضعته المصادفة البحتة فى موقع المسئولية، فظن أنه يملك البلاد والعباد، فأشعل حربا مدمرة فى دولة جارة ينتمى أهلوها إلى بنى جلدته ودينه، وورط بلاده فى تدمير ممنهج لقدراتها العسكرية والاقتصادية ليثبت أنه فلتة زمانه وعبقرى أوانه مستغلا غياب وعى أبيه الحاكم، ومراهنا على الغياب المزمن لصوت العقل، الذى أصيب به بسبب الكبر فى السن وما يترافق مع ذلك من «هلفطة» عقلية يسميها الطب الحديث مرض ألزهايمر، الذى بسببه تتآكل الذاكرة وتتقلص القدرة على الفعل ورد الفعل، ما يعنى عدم أهليته فى القيام بأعباء الحكم، وما يدلل فى نفس الوقت على تفرد ابنه المدلل بالقرارات المصيرية، رغم عدم كفاءته وقلة خبرته، فيكون المردود خرابا عاجلا على من يناصبهم العداء، ويمكن أن يكون ذلك بدافع شخصى بحت، ثم على بلاده التى ظنت كل الظن أنها تعيش فى كنف حكم «رشيد»، ثم ما يلبث هذا الغلام المدلل أن يستمرئ لعبة الحرب، فينتقل إلى مكان آخر لا ناقة له فيه ولا جمل، فيندفع نحوه اندفاعا أعمى بلا بصيرة ودون اكتراث بالعواقب التى قد تجر الدمار عليه وعلى أسرته الحاكمة وعلى شعبه المحكوم بالحديد والنار. ويحفظ التاريخ نماذج عدة لمثل هذا المتحكم بأقدار أمته، ويمثل سلاح دمار شامل عليها قبل أن يكون على أعدائها، ففى لحظة نشوة عابرة ظن الفوهرر أدولف هتلر أنه متفوق اقتصاديا وعسكريا وأن جنسه «الآرى» هو الأرقى بين أجناس البشر، فأعلن حربا إقليمية سرعان ما تحولت إلى حرب عالمية مدمرة التهمت أكثر من ٦٠ مليون ضحية، وأكثر من ١٠٠ مليون مصاب ومشوه وعاجز، وبدأت فى الأول من سبتمبر ١٩٣٩، وذلك عندما اجتاحت ألمانيا بولندا، وتوالت بعدها إعلانات الحرب على ألمانيا من قبل فرنسا وبريطانيا، ومن أواخر عام ١٩٣٩ إلى أوائل عام ١٩٤١، قامت ألمانيا بسلسلة من الحملات والمعاهدات لتشكيل حلف دول المحور، والسيطرة على أجزاء واسعة من القارة الأوروبية، وكانت قبل الحرب قد وقعت اتفاقا مع الاتحاد السوفييتى، نص فى بنوده على تقاسم الدولتين للأراضى التابعة لبولندا ودول البلطيق فى حال نشوب الحرب. وفى ١٤ يونيو ١٩٤٠ سقطت باريس فى يد الألمان، واستسلمت فرنسا، وفى ٢٢ يونيو ١٩٤١ بدأت أكثر مراحل الحرب العالمية الثانية دموية، وذلك بعد غزو ألمانيا للاتحاد السوفييتى، وفى ٧ ديسمبر ١٩٤١ قام الطيران البحرى اليابانى بهجوم مفاجئ على القاعدة البحرية الأمريكية فى ميناء بيرل هاربر، مما اضطر الولايات المتحدة إلى إعلان الحرب على اليابان ودخول أتون الحرب. 
وفى النهاية سقطت الدولة الألمانية، ليس بفعل أعدائها الذين تكاثروا عليها وحسب، بل بسبب جنون قائدها الذى ظن كل الظن أنه سينتصر، وأن نظام الرايخ الثالث سيستمر لألف سنة أخرى، وهكذا يثبت البشر غير الأسوياء أنهم أخطر أسلحة الدمار الشامل من أعدائهم، ويقوم أحد غلمان الملوك العرب هذه الأيام بتسخين الأجواء أكثر مما هى ساخنة، ويهدد بحرب برية واسعة فى سوريا قد تتطور فى أمد قصير إلى حرب عالمية، لكنها هذه المرة قد تكون مدمرة وساحقة «بفضل» التقنيات العسكرية الأكثر دمارا فى تاريخ البشرية.