الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مصائر العباد والبلاد في برامج نجوى فؤاد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نظرة سريعة على برامج المساء والسهرة كفيلة بأن تجعلنى أدخل فى دوامة جديدة من دوامات الاكتئاب التى صارت تنازعنى كثيرا فى الأعوام الأخيرة.
وحدها برامج المساء والسهرة صارت مصدرا للإحباط والتفاؤل الآن، فلم يعد أحدنا ينتظر حتى طلوع شمس الصباح لخطف صحف الصباح ويبحث عن خطة لدى أولئك الباحثين عن المجهول فى صفحات الحظ، ومما لا يعرفه الكثيرون عن عالم الصحافة ونعرفه نحن أبناءها، أن تلك الأبراج عادة ما يؤلفها أحد الزملاء، لا عالم فلك ولا منجمين ولا دياولو، مجرد زميل شاطر فى رص المعانى والكلمات بطريقة غير مكررة، جميع من يعمل فى أقسام الديسك والتنفيذ يعرف ذلك، ورغم أننا كنا نعرف ونقرأ ما يكتبه الزملاء لأبراجنا، وفى بعض الأحيان كنا نصدق ما يكتبونه ونعتبره إشارة ما.
كثيرون منا يؤمنون بالإشارات والعلامات، من أول الطير اللى بيسيب آثاره على هدومنا إذا ما مررنا فجأة تحت شجرة يجلس فوقها، وليس نهاية بالمطر، والغيم، والنجمات السبع فى الليالى الحالكة.
نخاف من أصوات البوم، ومن «حط» الغربان على أشجار قريبة من منازلنا، وكثيرات من نسائنا يشترين الأزرق ويلبسنه فى خرزات لمنع الحسد.. على إيه يا حسرة مش عارف.
المهم أننا شعب يدمن الإشارات، ويدمن تفسيرها، ويبحث عن المجهول ويجرى خلفه، سواء كان حلما أو كابوسا، ولأننى «واحد من الناس»، ورغم عنادى الدائم ورغبتى فى التمرد منذ كنت طفلا، إلا أننى مثلهم، أرتاح فى رحاب الحسين، وتخطف فؤادى روايح العطور فى السيدة، وأشعر برهبة إذا ما مررت من الشوارع المحيطة بالسيدة نفيسة.
ومؤخرا لم يعد لى من وسيلة أقرأ من خلالها إشارات القادم سوى برامج المساء والسهرة، وأتعجب كثيرا لتولى معظم تلك البرامج التى كانت صاخبة حتى الملل، قاطعة وحادة ومربكة حد الضجيج، إلى مجرد «قعدة لت وعجن فى أى شىء بعيد عن أى مضمون سياسى أو اقتصادى».
لماذا هربت القنوات ومذيعوها إلى نجوى فؤاد وذكرياتها مع هنرى كسينجر والسادات وقصص الحب والزواج، فى نفس الوقت الذى أصبح فيه اللمبى وبرنامجه التافه ورقصه مع هيفاء وهبى وقباحة مفرداته إلى حدث وقضية رأى عام؟
لماذا تحول شخص معتوه وتافه مثل تيمور السبكى بعد أن أخرجه خيرى رمضان فى سهرة برامجية من «باكبورت المجهول» إلى صدر الشاشة، إلى مناضل وما ادعاه بحق نساء الصعيد، إلى مشروع قومى، وتحول الرجل إلى نجم جماهيرى نتابع قصص اختفائه مثل «على الزيبق»، ويصل الأمر ببعض رجالات الصعيد من نجوم المقاولات إلى عقد الاجتماعات تلو الاجتماعات، ليقرروا فى النهاية رصد مليون جنيه لمن يدلى بمعلومات عن «موقع اختفائه»، ثم يظهر الرجل فى نفس اليوم ليسلم نفسه للشرطة التى تزعم أنها قبضت عليه -الخط الجديد يعنى- لتنتهى مؤقتا سهرة خيرى رمضان وضيفه التيمور، وتبدأ سهرة جديدة تنافسها فى التفاهة مع فيفى عبده نجمة قناة «ten» أو غيرها من الراقصات، سواء كن ضيفات أو مذيعات، حتى يكاد يعلن أصحاب البرامج عن إفلاسهم فى جمع وقائع تافهة جديدة يبحثونها.
لماذا هرب الجميع من الواقع وطاروا إلى المجهول؟ لماذا بلع المناضلون لسانهم؟ هل أكلت القطط ألسنتنا جميعا؟ أم أنه العمى الربيعى أصابنا قبل أن يحل أمشير، وبإرادتنا لم نعد قادرين على مناقشة أى أمر جاد.
أظن فعلا، وهذا ليس من باب الهزل أو التنجيم، أننا جميعا متفرجون ومذيعون وساسة، قررنا الهروب، وفقدنا الرغبة، ووصلنا إلى «الحافة»، نحن الآن على الحافة لا نريد أن نتزحزح، نخاف أن نرفع الحجر، فيسقط بنا من أعلى الجبل، وكأننا فقدنا الرغبة والقدرة معا، رضينا بما نحن فيه عمدا.
قفز الدولار إلى عشرة جنيهات تقريبا، وكأنه لا جديد، وكأن ذلك لن يؤثر فى أسعار الدواء، والغذاء والكساء، واستراح بعضنا لتفسير عبقرى أطلقه أحد الصيارفة بأن زيادة سعر الدولار فى صالحنا، وأن ذلك سيحافظ على الاحتياطى النقدى.
خرج رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل بتصريحات صادمة عن إجراءات قادمة صادمة وصعبة، لكنه يرى أنها فى صالح المواطن، فانحنينا جانبا عن تصريحه وانشغلنا بمعاقبة محمد سعد وبرنامجه الجديد وتنفسنا الصعداء لإيقاف برنامج خيرى رمضان.
قال معالى رئيس وزراء مصر، إنهم -حكومته يعنى- سيقومون بإعادة تنفيذ خطة الخصخصة، يا نهار أسود ومنيل بستين نيلة، ولكن بشكل مبتكر وجديد من خلال طرح الشركات عبر البورصة.. بيع يا لطفى، ونحن مشغولون تماما بالسحر الأسود الذى يمارسه لاعبو الكرة فى نادى الزمالك ليحصلوا على البطولات! قال الرجل رئيس الوزراء بوضوح تام، إنه لا يملك حلا لمشكلة البطالة.. بطالة يعنى لا شغل ولا فلوس ولا سكن ولا جواز، لأنهم لا يعرفون العدو الحقيقى للعواطلية فى البلد بسبب الاقتصاد غير الرسمى، ورغم كل ذلك يقول الرجل إنه يملك رؤية واستراتيجية وخططا شاملة للتعليم والصحة والبنية التحتية، يحمل خططا للمستقبل الذى فصلتنا برامج المساء والسهرة عنه بشكل كامل، فلم نعد نراه لا قريبا ولا بعيدا، أصبحنا نخاف منه ونهرب منه، ومش عايزين حد يجيب سيرته خالص، بالبلدى سيبوا بكرة لبكرة، إحنا أجازة، أجازة مفتوحة من التفكير، من الوجع من الوخز.
والحمد لله الذى منحنا اختراعات مهمة من الريموتات الحديثة التى تسمح لنا بالتنقل السريع من «محمد سعد.. إلى فيفى عبده.. إلى نجوى فؤاد».