تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أول الكلام.. «منين أجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه»، عبارة تغنى بها العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ وتركها إرثًا لنا نستعيره فى أى موقف يستدعى معانى الحيرة والمفارقة بين ما يقال وما ينفذ على أرض الواقع.
قفزت إلى رأسى هذه الفكرة وأنا أتأمل جميع مواقف الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يعلن فيها انحيازه الكامل للشباب وإيمانه غير المحدود بطاقاتهم وأنهم أمل الأمة وعليهم تتعلق الآمال فى أى حلم للنهضة وقراراته الداعمة لهذه الشريحة التى على أكتافها تبنى الأمم، على الجانب الآخر نفاجأ بالسادة المسئولين لا يألون جهدًا فى السير عكس التيار وبذل كل ما فى وسعهم لتبديد الأحلام وتسريب مشاعر اليأس والإحباط للشباب.
ولعله ليس من قبيل المصادفة ما شهدته دولة الإمارات العربية الشقيقة منذ أيام من تعديل وزارى مفعم بروح تمكين الشباب، حيث أعلنها صراحة أن التشكيل الجديد للحكومة هو مرحلة جديدة عنوانها المستقبل والشباب والسعادة والتسامح وتطوير التعليم، وترجم هذه السياسة بتعيين وزيرة شابة عمرها ٢٢ عامًا لتعكس تطلعات وقضايا الشباب لدى الحكومة.. وأعلن بن راشد أن الحكومة ستمنح صلاحيات واسعة جدا للشباب فى المرحلة المقبلة.. وهى تقريبا الأفكار ذاتها التى تؤمن بها القيادة السياسية فى مصر على أساس أنها المخرج الوحيد لأغلب أزماتنا.
وغنى عن القول أننا نستبشر خيرًا بحضور المهندس شريف إسماعيل لقمة حكومات العالم المنعقدة بدبي، لكى لا يكون عليه حرج، فنتوقع اتخاذ إجراءات فعلية على أرض الواقع تترجم حضوره لهذا المؤتمر وتثبت أنه لم يكن حضورًا شكليًا فقط أو أن جسده كان فى الإمارات وعقله فى مصر..
فمستقبل أى أمة يبنيه الشباب وتقدم أى دولة إنما يقاس بأوضاع هذه الشريحة.. فعلى قدر الاهتمام والمشاركة الإيجابية للشباب والمرأة يتحدد إلى أى مدى هذه الدولة متقدمة أو متخلفة.
وبكل أسف أننا فى بلدنا الغالية مصر لا نهتم لا بالشباب ولا بالمرأة بل نتفنن فى إتعاس هاتين الشريحتين ربما عن دون قصد ولكنه أصبح بمثابة أسلوب حياة.. وبطبيعة الحال الحجج الواهية جاهزة.. فتجد من يقول لك إن المرأة لا تتولى أمرًا إلا أفسدته.. وحين تضرب لهم مثل أنجيلا ميركل أو المرأة الحديدية مارجريت تاتشر يقولون لك إن هذه حالات فردية وإن مجتمعاتنا لا ينصلح حالها إلا بتولى الرجال.
أما عزل الشباب وإبعادهم عن المشاركة فله أيضًا مبرراته المثيرة للاشمئزاز من عينة «دول شوية عيال إزاى يحكموا ويديروا مؤسسات البلد؟».. وحين ترد عليهم: يا أسيادنا دعونا نمنحهم الخبرة ونؤهلهم للقيادة، فإن الرد العجيب جاهز وتحت الطلب: «شراء العبد ولا تربيته».. انظروا معنا إلى أى مدى وصلنا إلى حالة التخلف والرجعية.
وحين تحاجج أحدهم: «يا اخوانا الرئيس مؤمن بالشباب وحريص على منحهم الفرصة لإثبات الذات حتى ولو فى بعض المواقع التى تعبر عنهم».. فإنك تفاجأ بالرد المذهل: «رئيس لجنة الشباب بمجلس النواب عمره ٧٣ عامًا».. طيب كيف حدث هذا؟ الإجابة أن العرف جرى على تولية أكبر الأعضاء سنًا رئاسة اللجان البرلمانية.
إن لدينا الآن فرصة ذهبية بوجود رئيس وطنى يؤمن بطاقة الشباب وضرورة تنمية قدراتهم ليكونوا شركاء فى البناء لا الهدم فهذا هو الضمان الوحيد لاجتذابهم بعيدًا عن مثلث الانحراف المرعب «الفقر والإدمان والإرهاب».. خصوصًا بعد أن ثبت لدينا بما لا يدع مجالًا للشك أن إهمال طاقة هذه الشرائح ليس له سوى نتيجة واحدة.. السقوط فى براثن التطرف.. ولعل بيان الحكومة المنتظر عرضه أمام البرلمان يحمل أجندة تنفيذية لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى التى حملها خطابه التاريخى أمام مجلس النواب.. فهذه الفرصة الحقيقية التى تثبت فيها الحكومة جدارتها بثقة الرئيس والشعب.