الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"وصفة الدواء" في ثورة الأطباء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى الوقت الذى تسمع فيه خبر شهيد جديد من الشرطة فى سيناء أو أى مكان آخر على أرض المحروسة، وهو يواجه الإرهاب، تسمع فيه أيضا عن أمين شرطة يضرب ويسحل ويقتل مواطنًا، تبكى على أمين شرطة قتل غدرًا من متربصين يقتلون باسم الدين، وهو فى طريق العودة لمنزله، وتلعن آخر صفع سيدة على وجهها فى مترو الأنفاق، ومن المؤسف أن يستخدم دم الشهيد للدفاع عن بلطجة زميل له، وعلى فكرة فإنه يحدث العكس، فإن بلطجة واحد تهدر دماء آخر، توجد فى الشرطة الحالتان، ويتجلى ظهورهما الآن فى الفترة الحالية، التى تشهد حربًا ضد الإرهاب، وتشهد أيضا عودة الشرطة لسيرتها الأولى من بطش وقهر وإهانة للمواطنين الذين يدافعون فى نفس التوقيت عنهم، كيف تدافع عن شخص وتحميه، وفى نفس الوقت تظلمه وتهينه، فأن تحمى الشخص، وفى نفس الوقت تحترمه ولا تشعر أنك أفضل منه، ليست معادلة صعبة كما يبدو، هكذا نرى فى كل بلاد العالم.
أزمة الشرطة فى مصر لا تكمن فى «الأفراد»، ولكن فى النظام نفسه، والكلام عن هيكلة الداخلية من جديد، ليس له أى معنى طالما أن النظام نفسه لا يشهد عقلية جديدة تريد التغيير، عقلية تدرك أن تجاوزات الشرطة تكتب نهاية أى نظام. 
أذكر أن عالم اجتماع مصريًا راحلا، حكى لى ذات مرة قبل رحيله أنه كانت تربطه صداقة قوية بوزير الداخلية الراحل أيضًا «زكى بدر»، وأنه ذات مرة فى جلسة جمعتهما قال له: «لماذا كل هذا البطش والجبروت مع الناس، أنت أصبحت مكروهًا جدًا ليه بتعمل كدا؟» فرد عليه الوزير الراحل «يعنى تفتكر أنا بعمل كدا من نفسى، والراجل ميعرفش ولا مش راضى» وكان يقصد «بالراجل» «حسنى مبارك» الذى كان رئيسًا وقتها، وشرح له «زكى بدر» كيف أن النظام يدعم ويرعى ما يفعله الوزير، وما تقوم به الشرطة فى عهده من بطش وتعذيب للمواطنين. 
وهذا هو مربط الفرس، فلن تتغير الشرطة وتصبح للشعب تحميه وتدافع عنه لا تنكل به، تحفظ كرامته لا تهينه، إلا إذا كان هذا هدفًا واضحًا لرأس النظام، هو فقط القادر على أن يمنع كل ما يحدث من تجاوزات جهاز الشرطة، إذا أعلن بشكل واضح أنه ضد ذلك، وأنه لن يرضى بإهانة المصريين وأن عقابًا رادعًا ينتظر من يفعل عكس ما يريد، ووقتها فقط لن يحدث تعذيب فى أقسام الشرطة، ولا تعدٍ من أمناء الشرطة والضباط على الناس، ووقتها فقط سوف يعى كل من له صله بجهاز الشرطة أن هذا فى مصلحتهم أولًا قبل أى أحد، لأن الناس ستكون معهم فإن الكراهية لا تحصد غير الكراهية، ولنا فى ٢٨ يناير ٢٠١١ عبرة ومثل. 
فإن ضباط الشرطة قبل غيرهم يعلمون حقيقة ما حدث فى ذلك اليوم، يعلمون أن الشعب المصرى هو من هاجم أقسام الشرطة، وأحرقها، وليس الإخوان، فإن الأقسام التى تمت مهاجمتها جميعها فى المناطق الشعبية، وهى المناطق التى كانت تشهد بطشًا شديدًا من أقسام الشرطة ضد المواطنين فى هذه الدوائر تحديدا، وكان أمناء الشرطة فيها «الحاكم بأمره» يفرضون الإتاوات، ويتهمون الناس بالباطل إذا تمرد أحد عليهم، وكان يحدث عندما ترتكب جريمة قتل مثلًا فى المنطقة، فإن كل شباب المنطقة رهن الاعتقال فى حجز القسم، ويشهدون جميع ألوان العذاب حتى يعترف أحدهم، وإذا حدث واشتبهت مباحث القسم فى شخص بعينه، فإنه هو وأسرته «ستات ورجالة» يتم القبض عليهم وحجزهم وضربهم حتى يعترف الشخص بالجريمة حتى ولو كان بريئًا منها، ما كان يحدث فى المناطق الشعبية من انتهاك وتجاوز من قسم الشرطة، تجاه أهالى الدائرة يفسره ما يقوله الضباط أنفسهم، بأن الضابط يختلف تمامًا فى أسلوبه وشخصيته وأخلاقه عندما يخدم فى منطقة راقية، وعندما يخدم فى منطقة شعبية، وأن الضابط يكون أكثر عنفًا وعدوانية وهو فى منطقة «السيدة زينب» مثلًا عن منطقة «المعادى»، وتفسره أيضًا الإحصائيات والدراسات التى صدرت عن المنظمات الحقوقية فى السنوات الأخيرة قبيل ثورة يناير عن الأقسام التى تشهد أكثر حالات التعذيب فى مصر، وكانت كلها للمناطق الشعبية فى المحافظات وعلى رأسها القاهرة والجيزة والإسكندرية. 
وهو ما جعل الأهالى يجدون فى انطلاق ثورة يناير، فرصة للانتقام لأنفسهم ولذويهم، انتقام المقهور من القاهر بنفس الطريقة، ولم يكن للإخوان مكان فيما حدث هذا اليوم، فإن الإخوان فى الأساس أجبن من ذلك بكثير، وعندما يلصق البعض بهم يوم ٢٨ يناير فإنه يعطيهم شرفًا لا يستحقونه وبطولة لم يحققوها. 
ونجد فى ثورة الأطباء اليوم على بلطجة أمناء الشرطة طريقًا للعلاج على طريقتهم الخاصة، فهم يقدمون بإضرابهم روشتة للعلاج من بطش وقهر الغالبية من رجال الشرطة، إضرابهم يحفظ دم شهيد الشرطة من استغلال زميل له أسوأ استغلال، ويحفظ لرجل الشرطة هيبته المفقودة بإبعاده عن أسباب فقدانها، ويرسل للحاكم رسالة بضرورة الانحياز للحق ولكرامة المواطن الذى كان سببًا فى وصوله للحكم سواء عن طريق الثورة أو صناديق الانتخاب، قد تكون ثورة الأطباء سببًا لبتر الجزء الفاسد فى جهاز الشرطة، وفى إصلاح ما أفسده عهد سابق ظالم، أفسد العلاقة بين الشرطة والشعب ثلاثين عامًا، لعل شباب الضباط وطلبة أكاديمية الشرطة، يعلمون المفهوم الحقيقى لدور وواجب رجال الشرطة وحقوقهم، والوعى بأن احترام المواطن من احترامك وهيبة الضابط لن تأتى إلا باحترام المواطن الذى يدفع راتب الضابط من جيبه الخاص، والمواطن هو من يحميك إذا أنت قمت بواجبك أولًا بحمايته والدفاع عنه وحفظ كرامته، وإنك أيضًا أول من يضحى به الحاكم «أى حاكم» عندما يغضب الشعب، ويكون رجال الشرطة كبش الفداء.