السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خليج الخنازير..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشهد المنطقة العربية وخصوصًا منطقة الهلال الخصيب التى تشمل سوريا والعراق محاولات حثيثة لجرها إلى أتون حرب قد لا تُبقى ولا تذر، حيث تحمل نذر حرب عالمية بامتياز، وتعيد للأذهان الحرب المروعة التى كادت تشتعل عام ١٩٦١ بين القوتين العظميين فى ذلك الوقت: الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة إبان أزمة الصواريخ الشهيرة التى نصبها السوفييت على الأراضى الكوبية على بُعد ٩٠ ميلًا من الأراضى الأمريكية ضد المحاولات الأمريكية لغزو كوبا، والتى اشتهرت منها عملية «خليج الخنازير» التى كانت بداية التخطيط لها فى ١٧ مارس ١٩٦٠، عندما وافق الرئيس الأمريكى، دوايت أيزنهاور، على اقتراح المخابرات المركزية الأمريكية بدعم المعارضة الكوبية ضد النظام الشيوعى الجديد فى كوبا بزعامة فيديل كاسترو. 
وفى الدولة الأمريكية اللاتينية جواتيمالا قاموا بتدريب قوات المعارضة الكوبية وتشكيل ما يسمى باللواء «بريجادا أسالتو» وتم إعطاء اسم كودى للعملية هو «زاباتا»، وكلف آلن دالاس وكان وقتها مديرًا للـC.I.A بتولى مسئولية العملية ولكن أنباء تلك الخطة وصلت إلى الكوبيين عن طريق شبكة عملائهم السرية والمخابرات السوفييتية «كيه جى بى» وكانت العملية تقوم على إنزال قوات الكوماندوز التابعة للـC.I.A وهى قوات مشكلة من المرتزقة المأجورين ومن العناصر المضادة للثورة الشعبية فى كوبا، وإنزال عدد كبير من الجنود فى ترينيداد فى الصباح الباكر، ولكن جرى تعديل على هذه الخطة ليتم الإنزال فى خليج كوتشينوس أو «خليج الخنازير» غربى ترينيداد ليلًا بسبب أن خليج الخنازير أقل تعدادًا للسكان وأصغر مساحة من ترينيداد وأن المنطقة ملائمة أكثر لعمليات الإنزال، وبحسب تصريحات قادة الـC.I.A فإن أعدادًا كبيرة من المواطنين الكوبيين سيقدمون الدعم لقوات المرتزقة الأمريكية وأن دعم العملية سيأتى من الداخل والخارج على حد سواء.
كان مخطط العملية يقوم على البدء بضرب أهم القواعد الجوية الكوبية قبل يومين من عملية الإنزال بطائرات تحمل إشارة الطيران الحربى الكوبى ويقودها طيارون كوبيون، وتوجه ضربة ثالثة لهذه القواعد الجوية صبيحة يوم الإنزال، بهدف شل حركة الطيران الكوبى وتمهيد الطريق للتدخل، ومن ثم ضرب الجسور البرية والحديدية فى هافانا والمناطق المجاورة، وفضلت أمريكا فى تلك الفترة البقاء بعيدة عن أضواء العملية، والتظاهر بأن العملية منظمة من قبل القوات المسلحة الكوبية وليست بتوجيه من الخارج، وأطلق على العملية اسم «خليج الخنازير» وبدأت فى عهد الرئيس الأمريكى، جون كينيدى، الذى جاء خلفًا لأيزنهاور، ورغم إخفاق العملية فى أولى غاراتها إلا أن الرئيس الأمريكى كينيدى لم يلغ خطة الإنزال بل أصدر قرارًا بإلغاء الغارة الثانية «قبيل الإنزال»، وبدأ الإنزال من السفن المتواجدة على شواطئ كوبا والذى بدأ ليلًا واستمر حتى فجر ١٧ إبريل، وبعد الإنزال انتشر المئات من المرتزقة على الشواطئ واتجهوا إلى الداخل حيث كانت لهم بالمرصاد الميليشيات الشعبية التى قاومت بعنف لمنع هذه المجموعات من التقدم وكسب الوقت لحين قدوم قوات الجيش الثورى.
وفى يوم ١٩ إبريل، تم القيام بآخر الغارات الجوية ولكن الكوبيين أسقطوا طائرتى B-٢٦ وقتل ٤ أمريكيين وتم إسقاط طائرة B-٢٦ أخرى فى منطقة جيرون، ومع غياب الدعم الجوى، ونفاد الذخيرة، انسحبت قوات اللواء «بريجادا أسالتو» إلى الشاطئ، وقامت سفن الدعم القريبة من الشاطئ بمحاولة إخلاء تلك القوات إلا أنها لم تتمكن من ذلك، وهكذا فشلت عملية خليج كوتشينوس (أو خليج الخنازير) فشلًا ذريعًا وكان من نتيجة هذه العملية أن الجيش الثورى الكوبى قد أسر ١١٧٩ شخصًا من مجموعات الإنزال واستولى على خمس دبابات ثقيلة شيرمان وعشرات من الأسلحة الفردية وثمانية رشاشات ثقيلة والكثير من الرشاشات والأسلحة المضادة للطائرات وعشر سيارات نقل عسكرية وتم إغراق أربع سفن وإسقاط ١٢ طائرة قاذفة وبالتحقيق مع الأسرى تبين أنهم جميعًا من أنصار باتيستا «رئيس كوبا الذى قامت الثورة بالإطاحة به» وأنهم جميعًا قد صرحوا بأن الاستخبارات الأمريكية قد دربتهم، وكان لفشل العملية صدمة حقيقية للقيادة الأمريكية، وللرئيس الأمريكى جون كينيدى ذاته، ولم تنجح C.I.A بالتستر على اشتراكها فى العملية فقد صرّح وزير الخارجية الكوبى فى الجلسة السياسية الخاصة للأمم المتحدة: «إننى أتهم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أمام الرأى العام العالمى بأنها شنت حربًا ضد كوبا من أجل أن تمتلك من جديد ثرواتها ومن أجل أن تحول كوبا، مرة ثانية إلى تابع لها».
وما أشبه اليوم بالبارحة، حيث أعلنت السعودية «نيتها» غزو سوريا بريا انطلاقا من الأراضى التركية معتمدة على «قوات خاصة» من المعارضة السورية بحجة محاربة داعش الذى «تموله» بالمال والسلاح مع دويلة قطر والدولة التركية تحت غطاء أمريكى، وهو ما قد يفتح الباب واسعًا أمام احتماليات زج منطقتنا لآتون حرب عالمية ستشهد استخدام أعلى تقنيات الحروب الحديثة، وأشد الذخائر فتكا وتدميرا، وساعتئذ ستتغير المنطقة برمتها إلى الأبد وسيتساوى المعتدى والمعتدى عليه فى حسابات الخسائر التى ستكون أفدح مما يظن الجميع.