جاء عرض الرئيس على روابط الأولتراس الكروية للجلوس حول مائدة حوار مفاجئا بالنسبة للعديد من المتابعين للشأن المصرى أو المنخرطين فيه.
والحقيقة أن التعرض لذلك الموضوع يقتضى منا- فى البداية- أن نكرر تأكيد محبتنا للرئيس عبد الفتاح السيسى، وتأييدنا له اللذين لا يمنعان اختلافنا مع بعض ما يقوله أو يقوم به طالما ظل ذلك الاختلاف فى إطار الثوابت والوطنية وركائز الأمن القومى ودعائم استرجاع هيبة الدولة التى تجمعنا به.
السطور السابقة مثل مانعة الصواعق التى توضع فوق البيوت فى الخارج، لكى تضمن ألا يحترق البيت بما فيه ومن فيه.
إذ إن التعرض لملف الرئيس والأولتراس- وبالذات فى الظروف التى يمر بها بلدنا- هو بالقطع موضوع لا تنقصه الحساسية لالتباسات تحوط جماعة الأولتراس من جهة والرأى العام المصرى من جهة أخرى.. ولتشابكات تحوط وضع الرئيس فى المرحلة الحالية.
وقد رأيت استعراض جوانب اختلافى مع الرئيس فى هذا الموضوع على النحو التالي:
أولا: إن روابط الأولتراس صدر بحقها حكم قضائى فى الدعوى التى رفعها المستشار مرتضى منصور رئيس نادى الزمالك، وذلك باعتبارها: (جماعة إرهابية مسلحة)، وبالتالى فإن المخاطبة الرئاسية لها لا تجوز مع ذلك التوصيف القانونى الذى دمغها به قرار المحكمة، وإذا كانت المخاطبة تمتنع فإن الجلوس إلى ممثلى هذه الجماعة والحوار إليها يمتنعان كذلك، كما أن مواقف تلك الروابط سواء فى التظاهر والتخريب اللذين سادا عملية يناير ٢٠١١، أو فى عدائهم المعلن والمتواصل للداخلية المصرية وهجماتهم الشرسة والإجرامية ضد العناصر الشرطية فى كل مكان يجعل موقف الرئيس (إذا تم ذلك الحوار) يبدو مهادنا لأولئك الذين يستهدفون مؤسسات الدولة ويبغون هدمها.
ثانيا: إن جميع المهتمين بالشأن السياسى فى مصر أدركوا- بأدلة وبراهين وقرائن ثبوت- أن الذى قام بتوظيف الأولتراس فى أحداث التخريب المرتبطة بعملية يناير هو تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابى العميل، وبحيث صار الأولتراس هم ذراعه الحركية الأساسية فى تلك الأحداث، وشاع وذاع أن من يقوم بإعطائهم التكليفات وتحريضهم على تنفيذها هو رجل الجماعة القوى المهندس خيرت الشاطر.
وبناء عليه، فإن فكرة الجلوس إلى ممثلى الأولتراس والتحاور معهم تعنى الحوار مع جماعة الإخوان، وإلا إن لم تكن تعنى ذلك، فلتقدم الرئاسة إلى مواطنيها تصورها عن كنه جماعة الأولتراس التى قررت أن تحاورها، أو تفسيرها لما قامت به من أعمال تخريبية مروعة على مدى السنوات التى تلت عملية يناير ٢٠١١.
الحوار هنا يعنى وثيقة براءة للأولتراس تمنحها لها رئاسة الجمهورية، والحوار هنا يعنى التفاوض- ولو غير المباشر- مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.
ولما كان الفضاء السياسى يغص- هذه الأيام- بدعوات زنانة لحوح من الداخل والخارج للحوار مع الإخوان ودمجهم فى العملية السياسية بما يعنى شرعنة وجودهم، فإن طرح موضوع الحوار مع الأولتراس يبدو حضورا ملتبسا جدا فى ذلك الإطار.
فنحن- مثلا- تابعا ونتابع المحاولات المريبة للرئيس الأمريكى وللغرب بعامة لفرض الإخوان على الحالة المصرية وإدماجهم بدأب لا يعرف الملل، على الرغم من الهزيمة الماحقة التى لحقت بذلك الطرح إبان ثورة ٣٠ يونيو العظمى، وقد أعلنت إدانتها بالعار ذلك الفصيل المتمسح بالدين والذى أراد طمس هوية الدولة الحديثة فى مصر، وتغيير طرائق الناس فى الحياة، فضلا عن تفريطه الإجرامى فى التراب الوطنى، وإساءته الممنهجة للحالة الطائفية فى البلاد، واحتكار إدارة الدولة للأهل والعشيرة وإقصاء ما عداهم.
أما فى الداخل فقد تواصلت محاولات قديمة لتحقيق إدماج الإخوان، مقدمة طبعة جديدة من محاولة سابقة جرت منذ ٢٢ عاما.
إذ راح القطب الإسلامى المعروف أحمد كمال أبو المجد يسعي- من جديد- لرأب الصدع بين جماعة الإخوان والدولة المصرية، ومحاولة طرح فكرة الحوار والصلح التى صارت غير ذات طعم من فرط ما لاكتها الأفواه.
هذه- كما أوضحنا- ليست المرة الأولى التى يطرح فيها كمال أبوالمجد بنفس درجة الإصرار «الأمريكي» فكرة الصلح مع الإخوان، فقد تقدم أبو المجد مجموعة من الإسلاميين زمن تقلد اللواء عبد الحليم موسى لمنصب وزير الداخلية، وطرح- كذلك- أفكار الحوار، وهو ما رفضه المجتمع السياسى المصرى والجماعة الوطنية على وجه الإطلاق.
وكانت مجموعة الإسلاميين تلك تضم المرحوم أحمد فراج، والدكتور محمد سليم العوا، والدكتور محمد عمارة، والكاتب الصحفى فهمى هويدى.
والمرجح عند الكثيرين أن كمال أبو المجد وجماعته يلجآن إلى فكرة المصالحة والحوار حين تبدو الجماعة محاصرة أو مرفوضة بعد جولة فاشلة من جولات العنف التى تحاول إنشاب مخالبها فى لحم المجتمع.
ومن ثم، فإن طرح فكرة الحوار مع الأولتراس فى ذات التوقيت الذى يطرح فيه الإسلاميون فكرة الحوار مع الإخوان، يسبب اختلاطا والتباسا كبيرين، كان ينبغى على مؤسسة الرئاسة المصرية أن تبقى بمنأى عنهما، أو تقدم تفسيرا مقنعا للرأى العام يقول إن هناك ضرورة لتحول استراتيجى كبير بهذا الحجم، وبخاصة مع الاحتقان الشديد غير القابل للتراجع عند المصريين إزاء الإخوان المجرمين، الذى يغذيه سقوط الشهداء من الجيش والشرطة والمدنيين بشكل يومى تقريبا، وقد ترتب عليه وجود جماعة ضغط كبيرة اسمها: (أهالى الشهداء) لا يمكن أن تتسامح فى هذا الأمر أو تتراجع.
ثالثا: حتى لو افترضنا مع كل ما سبق أن الرئيس يريد حوارا ما مع الأولتراس أو غيرهم، فالأوفق أن تترك مهمة ذلك الحوار لمستويات أقل من ذلك بكثير فى هرم الدولة، أو حتى بمقدمة من عناصر غير رسمية، ولكن ذات صلة بمؤسسات الدولة كى تقوم بجس النبض والتعرف على المطالب أو الأفكار أو الطروح، وإلا فإن فشل الحوار أو الانقلاب عليه من جانب الأولتراس سوف يصير موجها للرئيس مباشرة، وهو ما لا يقبله أو يتحمله الرأى العام، أى أن إدارة الرئيس لمثل تلك الملفات عن بُعد فيها تجاوب مع الحرص العام بألا تصير الرئاسة فى متناول المساس بها وبخاصة من جماعات غير مسئولة وصمها حكم قضائى بأنها (إرهابية مسلحة).