السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

يومَ سقطَ الزمالك.. وعاشَ إسلام عماد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوم الإثنين الماضى الموافق الثامن من فبراير، مرَ عامٌ كامل على ذكرى مذبحة وايت نايتس التى صعدت فيها أرواحُ عشرين شهيدًا من شبابِ هذا البلد، لا ذنبَ لهم إلا أنهم يُحبونَ ناديهم وذهبوا لتشجيعِه، وكما يقولُ بيانُ الوايت نايتس فى ذكرى المذبحة يصفُ هذه الكارثة: «لقد كانت الفاجعةُ والجريمةُ الكاملة فى الثامن من فبراير الماضى، أكبرَ من أى كلمات.. عشراتٌ من الشهداء، ومئاتٌ من المصابين.. وآلافُ الأسر التى امتلأت قلوبُها قلقًا على أبنائِها الذين ذهبوا لمشاهدة المباراة.. خوفًا ألا يعودوا.. باتت العاصمةُ حزينةً كئيبة يَعُمُ شوارعُها ظلٌ ثقيل من الألمِ المُتَشِحِ بالسَواد.. انطفأت أنوارُ المدينة.. ولم تنطفئ قلوبُ الأمهاتِ الثكلى والآباءِ الحزانى على فِراقِ فِلْذَاتِ أكبادِهم.. حتى بعدَ مرورِ عامٍ على المذبحة.. شبابٌ لم يبتغوا سوى تشجيع ألوانِ فريقِهم الذى طالما عشقوه وضحوا من أجلِه بالكثير، أقسموا ألا ينسوا أو يستسلموا أو يسلموا الرايةَ إلا بعدَ عودةِ الحقِ لأصحابِه.. حتى ترتاحَ أرواحَ الشهداءِ فى الجنة».
لقد ذكرنى الـ«فيس بوك» بذلك اليوم الثقيل والليلة الكئيبة التى لم أنم فيها أنا وابنى أحمد لكى نتابعَ تفاصيلَ هذه المذبحة.. ونتابعَ أى أخبار عن زميلِه فى الفرقةِ الثالثة إسلام عماد الذى ذهبَ لمشاهدةِ المباراة بعدما استطاعَ الحصولَ على تذكرة من بين عددٍ محدود من تذاكرِ المباراة، ونشرَ صورةً لهذه التذكرة على حسابِه على الـ«فيس بوك»، مُعربًا عن فرحِه بالحصولِ عليها لتشجيعِ ناديه، ولم يكن يعلمُ وقتَها أن التذكرةَ التى حصلَ عليها سوف تكونُ تذكرةَ خروجٍ من الحياة وليس تذكرةَ دخولٍ لاستاد الدفاع الجوى الذى أُقيمت على أرضه المباراة.
فى تلكَ الليلة المُتشحةِ بالسواد كتبتُ على الـ«فيس بوك» بعد منتصف الليل، وأنا أرى الدموعَ المُتحجرة والذهول فى مُقلتيْ ابنى، البوست التالى مخاطبًا الرئيسَ عبدالفتاح السيسى: «سيادةَ الرئيس: أقول لأحمد ابنى إيه اللى مات زميله إسلام عماد الطالب بالفرقة الثالثة بكلية الهندسة بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فى أحداث الليلة على أسوار إحدى منشآت القوات المسلحة اللى المفروض تحميه.. إسلام مش بلطجى وكان معاه تذكرة ومنزلها على حسابه على الـ«فيس بوك».. يا ترى هيتحاسب المسئول عن إهدار دم إسلام وزملائه؟ يا ترى هيتحاسب اللى لعب المباراة على جثث هؤلاء الشهداء؟ يا ترى هيتحاسب اللى وقف لاعب رفض اللعب على جثث جماهير ناديه؟.. أتمنى ذلك لأن الدم المصرى عمره ما كان رخيص». وبعدها كتبت بوستا آخر على الـ«فيس بوك» موجهًا سؤالى للرئيس: «إقالة أم استقالة؟»، لتأتى إقالة وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم الذى يتحمل المسئولية السياسية عن هذه المذبحة، وحلف وزير داخلية جديد لليمين القانونية أمام الرئيس، فى الوقت الذى كان فيه وزيرُ الداخلية المُقال يزورُ أحدَ معسكراتِ الأمنِ فى محافظةِ الإسماعيلية، لكى لا تمر هذه المذبحة دونَ عِقاب، ولكى يجففَ الرئيسُ بعضَ دموعِ الأمهاتِ الثكالى، ويَشُدَ على أيدى أُسرِ الشهداءِ والمصابين.
لقد كانت هذه المذبحةُ كاشفةً لعديدٍ من العوْرات، وسقطَ فى براثنِها كثيرون: سقطَ نادى الزمالك الذى أصرَ على خوضِ مباراتِه فى تلكَ الليلةِ الحزينة مع إنبى، ليلعبَ على جُثثِ الشُهداء، ليحصلَ بعدَها على درعِ الدورى العام مُلَطَخًا بدماءِ هؤلاءِ الشُهداء، سقطت إدارةُ النادى التى جاهرت بالعداءِ والتوعدِ بالويلِ والثُبور للاعب عمر جابر الذى رفضَ أن يلعبَ تلكَ المباراة على جثثِ الشبابِ من جماهيرِ النادى ومحبيه، تلطخت فانلةُ النادى الأبيض ببقعٍ كبيرةٍ من اللونِ الأحمر القانى الذى تناثرَ على جنباتِ الاستاد، سقطَ الأمنُ الذى لم يستطعْ أن يؤمنَ مباراةَ كرةِ قدم ولا يزال فى حين أننا نوكلُ له الحفاظَ على أمنِ بلدٍ كبير بحجمِ مِصر، سقطَ الإعلامُ الذى عاقبَ الضحايا ولم يوجه حتى اللوم من طرفٍ خفى للجلادين، واتهم الوايت نايتس بالبلطجة وعدم حصولِهم على تذاكرِ المباراة، وهى كلُها أكاذيبٌ لم تنطلِ على أحد.
ولأنَ دمَ الشُهداءِ ليس رخيصًا، فقد انتقمَ لهم الله من نادى الزمالك والقائمين عليه فى ذكرى المذبحة، فقد لعبَ الزمالك مباراته مع غريمِه التقليدى الأهلى يومَ الثلاثاء الماضى، معتقدًا أنه سيُحققُ النصرَ على الأهلى فى ذكرى لعبه على جُثَثِ الشُهداء منذُ عام، ولكن اللهَ المُنتقمَ الجبارَ العادلَ لم يشأ أن يُفْلِتَ النادى بفعلتهِ مرتيْن، فأذاقهُ الأهلى وَبَالَ أمرِه بهدف مارادونى للاعب إيفونا الذى تلاعبَ بأربعةٍ من لاعبى المذبحة حتى أودعَ الكُرةَ على يمينِ الحارس، وأحسبُ أن أقدامَ الشُهداءِ وأرواحِهم هى التى أودعت الكرةَ فى المرمى وليسَ إيفونا، ليُسَجِلَ بعدَها عمرو جمال من تمريرةٍ رائعة من رمضان صبحى الهدف الثانى ليقضى على آمالِ الزمالك فى المباراة، إن لم يكن فى دِرعِ الدورى التى تصرخُ طلبًا للخروجِ من قلعةِ الدم فى ميت عقبة، التى لاتزالُ تُطاردُ الوايت نايتس كما تُطاردُ عُتَاةَ المجرمين والإرهابيين.
حقًا.. إن مباراةَ الأهلى والزمالك يومَ الثلاثاء الماضى سجلت فى ذكرى مذبحةِ الوايت نايتس وفى سِجلِ تاريخِ بطولةِ الدورى العام عباراةً واحدة تقول: «يومَ سَقَطَ الزمالك.. وعَاشَ إسلام عماد ورفاقُه».. المَجْدُ للشُهداء.