تتقدم المشروعات الكبرى بمصر فى العامين الأخيرين تقدماً واضحاً، رئيس الدولة ونفر قليل حوله يسابقون الزمن، الإمكانيات المادية المتاحة قليلة ولكن العزيمة من صلب، كل هذا نراه بأعيننا فى نماذج واقعة على الأرض وكذلك فى أحلام معلنة من أجل النهوض بمصر من كبوتها.
وبينما يمشى الحال هكذا فى خط، نجد على خط مواز محاولات مستميتة من قطاع ليس بقليل داخل جهاز الدولة يحاول جاهداً إفشال ذلك التوجه، والعودة مجدداً إلى مملكات الفهلوة والرشوة والفساد، أعرف أن المطاردة مستمرة، ولكن منذ متى والمهزوم يعلن هزيمته دون مقاومة، تلك المقاومة تتجلى فى تعطيل مصالح خلق الله فى المؤسسات والمصالح الحكومية معتمدين فى ذلك على ترسانة ضخمة من القوانين القديمة واللوائح البيروقراطية العتيقة وتأويل كل ما يمكن تأويله عكس مصلحة المواطن، فنجد الدولة قد انقسمت فى داخلها إلى عشرات الدول فى الصحة والتعليم والإسكان وغيرها، تمشى كل واحدة فى اتجاه شعاره «العكننة على المواطن» فلا التعليم صار متاحاً بالجودة المطلوبة ولا الصحة صارت حقا مكفولاً للناس، ولا المواطن صار آمناً داخل أى مصلحة حكومية يرتادها لقضاء مصلحته.
نقول هذا بكل أسف ونحن نلمح تناقضاً صارخاً بين توجه مؤسسة الرئاسة التى تسعى نحو التقدم بينما الدولة العتيقة تشدنا لخلف بكل قوة، فتولد العشوائية فى السكن ولا تتوقف عند تدنى المرافق الأساسية ولكن تتجه تلك العشوائية إلى نمط تفكير قطاع ليس بقليل من الشعب المصرى حتى إننا نرى بأم أعيننا البلطجة وهى تسيطر على كيان الشارع ونرى تراجعاً ملحوظاً فى فرض القوانين وتنفيذها، وبتمدد مثل تلك الظواهر يصبح الخوف على المستقبل أمراً مشروعاً.
تتقدم الدول عندما يحترم أبناؤها القانون، وعندما ترفع الدولة شعار سيادة القانون، قد يعترض المواطن على قانون ما ويرى فيه ضرراً لمصالحه، ولكن طالما القانون سارياً فاحترامه وتنفيذه واجبا، وأن يكون السعى لتغييره أو تعديله فى المسار ذاته الذى تم إقراره والعمل به وهو المسار التشريعى المعروف.
دولة ٣٠ يونيو لن تتقدم إذا استمر تجاهل القواعد الأساسية لحقوق المواطنين، بيع الوظائف والمحسوبية والرشوة، انتشار البطالة وغياب العدالة والمساواة، توريث الفساد وصناعة دويلات صغيرة داخل كل إدارة حكومية لقهر مصالح الناس والتعامل بمنهج الفهلوة الذى أضاع أربعين عاماً من عمر البلاد.
المؤكد هو أن جماعات المصالح الضيقة جبناء لا يستطيعون حماية دولة بوزن مصر، وأنهم أول الهاربين فى المصاعب التى قد تصادف الوطن، إن الحماية الحقيقية لا تأتى إلا بقلوب البسطاء وعندنا مئات النماذج التى قدمت دماءها على رمال سيناء فى الفترة الأخيرة، بينما لصوص المال العام ومافيا الأراضى قد جعلوا من أموالهم الحرام وطناً وحصناً لهم، كل هذا التناقض يفتح بوابات الغضب ويهدد بجدية فكرة الانتماء عند أجيال جديدة هى متمردة بطبعها.
فالإرهاب إلى جانب كونه يبدأ فكراً، إلا أن ذلك الفكر المسموم يبحث دائماً عن بيئة حاضنة له، ومهما تفتق ذهن الإرهابيين تأسيس تلك البيئة فلن يصلوا إلى ما وصل إليه الجهاز الوظيفى فى قطاعات متعددة فى البنيان المصرى من إبداع فى تسميم الأجواء بين الناس لتكون حتى ولو كان عن غير قصد بيئة مواتية لنشر التطرف وتجنيد الصغار المتضررين من حالة الاحتقان لنراهم فى مدرسة الفكر الضال الإرهابى. نحن نحذر وقد بُحت أصواتنا من أن جهاز الدولة يحتاج إلى مراجعة شاملة ورقابة صارمة ومكافأة المجتهد ومحاسبة المفسد، فالتسامح مع من يحصل على راتبه من ضرائب الناس مكافأة له على تنغيص حياتهم يجعل الأفق نحو التطور مسدوداً، ويجعل كل التوجهات الكبرى الحالمة التى نعيشها الآن فى مهب الريح.