التمرد ظاهرة معروفة فى كل المجتمعات الإنسانية المعاصرة، وهى تظهر وتختفى فى بعض اللحظات التاريخية، ووفق السياق السياسى والاجتماعى فى كل بلد.
والتمرد يمكن اعتباره ظاهرة إيجابية حين يتبلور من خلال انتفاضات جماهيرية ضد النظم الشمولية أو السلطوية. وهذه الانتفاضات قد تأخذ شكل «الثورات» إن اكتملت شروطها.
ويمكن القول إن التمرد الذى قادته مجموعة النشطاء السياسيين فى مصر يوم ٢٥ يناير كان ظاهرة إيجابية، لأنه قام ضد الاستبداد والقهر والفساد وخرق حقوق الإنسان. وقد تحول هذا التمرد -الذى عبرت عنه مجموعات محدودة من الشباب- إلى ثورة شعبية بعد أن تدفقت الملايين إلى ميدان التحرير ممثلة لكل الطبقات الاجتماعية وكل الفئات العمرية، رافعة شعارات «الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية».
ولكن يمكن أن يكون التمرد ظاهرة فى منتهى السلبية حين تمارس بعض المجموعات -خصوصا المجموعات الشبابية- سلوكا فوضويا لا علاقة له بالثورة، ولا يرفع المطالب المشروعة بشأن الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية.
ولو تأملنا الأحداث التى تلت ثورة ٢٥ يناير، لاكتشفنا بسهولة سر تعثر الثورة وعجزها عن تحقيق المطالب الشعبية.
وأسباب هذا التعثر فى الواقع متعددة، وأهمها هو تشرذم الناشطين السياسيين وعجزهم عن التوحد فى كيان واحد يسمح لهم بالتفاوض مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تسلم السلطة بعد تنحى «مبارك».
بل كان يمكن أن يشاركوا مباشرة فى السلطة من خلال تكوين كيان سياسى يجمعهم مع ممثلى الأحزاب السياسية، سواء القديمة منها أو الجديدة التى تشكلت بعد الثورة.
غير أن ذلك لم يحدث، ومن هنا اختلطت الثورة بالفوضى وشهدت البلاد عديدا من المظاهرات التى كانت فى غالبيتها عشوائية وغير محددة الهدف، وأخطر من ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين التى كانت أقوى الأحزاب السياسية تنظيما استطاعت أن تستغل الفراغ السياسى العميق فى البلاد بعد الثورة، وتسيطر على الشارع السياسى، وتمارس تهديداتها للسلطة من خلال مظاهرات غوغائية متعددة، كان أبرزها حصار المحكمة الدستورية العليا لمنعها من إصدار أحكام خاصة بحل البرلمان الإخوانى، أو حصار مدينة الإنتاج الإعلامى لإرهاب الإعلاميين، ومنعهم بالقوة من توجيه النقد العنيف إلى سلوك جماعة الإخوان المسلمين.
غير أنه بالإضافة إلى السلوك الفوضوى لجماهير الإخوان المسلمين والسلفيين وأتباع «حازم أبوإسماعيل» شهدت البلاد مظاهرات غوغائية قامت بها مجموعات من شباب الناشطين السياسيين. وهذا السلوك الذى يعبر عن التمرد على السلطة لم يكن للأسف الشديد سلوكا ثوريا بقدر ما كان سلوكا فوضويا، لأنه حاول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هدم مؤسسات الدولة.
ويشهد على ذلك محاولات هؤلاء الناشطين اقتحام مبنى وزارة الداخلية، ما أدى إلى وقوع ضحايا عديدين فى شارع «محمد محمود» بعد أن ردتهم قوات الأمن حتى لا يقتحموا مبنى الوزارة. وإذا أضفت إلى ذلك الأحداث الفوضوية والتى برزت فى حصار مبنى التليفزيون، ما أدى إلى ما أطلق عليه «أحداث ماسبيرو»، لأدركنا أن التمرد السلبى كان سائدا فى حقبة ما بعد الثورة.
ووصلت العشوائية فى التنظيم والفوضوية فى السلوك إلى محاولة اقتحام مبنى وزارة الدفاع فى العباسية، ما أدى إلى سقوط ضحايا عديدين ماتوا فى الواقع، نتيجة التمرد الفوضوى التخريبى الذى كان ينفذ مخططات مدروسة لإسقاط مؤسسات الدولة.
وفى ظل هذا المناخ السياسى الذى اختلطت فيه الثورة بالفوضى ظهرت سلبيات سلوك جماعات الأولتراس.
وعلى الرغم من أن ظاهرة الأولتراس ظهرت فى نهاية عصر «مبارك» وكانت بدايتها إيجابية بمعنى أنها كانت تعبيرا عن الدعم الشبابى لفرق الكرة المختلفة الذى كان يتم وفق طقوس خاصة تلفت النظر وتظهر محاولات الشباب التعبير عن الطاقات الإبداعية الفنية التى يمتلكونها، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى ظاهرة سلبية بعد أن أصبح من تقاليد الأولتراس -للأسف الشديد- الاصطدام المتعمد مع الأمن، ما أدى إلى وقوع ضحايا من هنا وهناك.
غير أن سلوك جماعات الأولتراس تغير نوعيا بعد ثورة ٢٥ يناير بعدما استطاعت بعض الجماعات السياسية، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، غزو صفوفها، وأدى ذلك بها إلى أن تنغمس هذه الجماعات فى السياسة، ما يدل على الانحراف عن فلسفتها الأصيلة التى كانت تقتصر على تشجيع الفرق الرياضية.
وقد أدى السلوك العشوائى لجماعات الأولتراس الأهلاوية إلى وقوع الأحداث الدامية فى بورسعيد، ما أدى إلى وقوع عشرات الضحايا. ومن الغريب أن هذه الجماعات الفوضوية الشاردة لم تعترف بأخطائها السلوكية الجسيمة، وإنما أصبحت توزع الاتهامات على أجهزة الأمن ومؤسسات السلطة دون أدنى محاولة لممارسة النقد الذاتى.
ظاهرة السلوك الفوضوى فى المجتمع المصرى تحتاج إلى مواجهة بالبحث العلمى وبالقانون وبالحوار حتى نصل إلى صيغة ملائمة تسمح للشباب بالتعبير عن طاقاتهم فى حدود القانون.