عرفنا في الحلقات السابقة أن جماعة الإخوان تشترك مع الخوارج في صفة تكفير المخالف، وتختلف معها في الكثير من أصولها، كما تشترك مع الشيعة في العديد من صفاتها وتختلف معها في أخرى، وهو ما يجعل من الصعوبة اعتبار أن الجماعة هي الخوارج، كما لا يمكن اعتبارها من فرق الشيعة.
وفي هذه الحلقة نواصل محاولة الوصول إلى توصيف عقدي دقيق للجماعة، وندلف إلى فرقة أخرى من الفرق الإسلامية التي خالف أصحابها السنة، وهي فرقة المرجئة، لنعرف مدى قرب فكر الجماعة منها.
يصف قيادات الإخوان علماء السنة بأنهم مرجئة العصر، وعلى رأسهم الإمام الألباني رحمه الله، لا لشيء إلا لأنهم يرفضون مجاراتهم أو تأييدهم في منابذة الحكام، ويلتزمون بأوامر الشرع في عدم الخروج عليهم، ومن بين الأوصاف التي يطلقونها على هؤلاء العلماء، أنهم "مرجئة على الطغاة خوارج على الدعاة".. وهنا يبرز السؤال، من هم المرجئة؟ الملتزمون بالسنة؟ أم الاخوان؟
يقول الشهرستاني في كتابه "المِلل والنِحَل": "الإرجاء على معنيين:
أحدهما: بمعنى التأخير كما في قوله تعالى: (قالوا أرجه وأخاه) أي أمهله وآخره.
والثاني: إعطاء الرجاء، أما إطلاق اسم المرجئة عليهم بالمعنى الأول فصحيح، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد، وأما بالمعنى الثاني فظاهر فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار، فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان، وقيل الإرجاء: تأخير عليٍّ رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة، فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان.
والمرجئة أربعة أصناف: مرجئة الخوارج ومرجئة القدرية ومرجئة الجبرية والمرجئة الخالصة" انتهى كلام الشهرستاني.
وما يهمنا هنا هو الصنف الأول وهو مرجئة الخوارج، قال الإمام أحمد- رحمهُ اللهُ-: "وأما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة وكذبت الخوارج في قولهم بل هم المرجئة، يزعمون أنهم على إيمان وحق دون الناس ومن خالفهم كافر" (انظر: طبقات الحنابلة).
ولم يجد منظرو الجماعة ودعاتها من بين البدع إلا مصطلح الإرجاء ليتهموا به علماء السنة، كما ذهب إلى ذلك شيخهم سفر الحوالي في كتابه "ظاهرة الارجاء"، الذي وصف فيه ائمتهم ومن سار علي منهجه من أهل الحديث بأنهم من المرجئة، وهو الوصف الذي يحمل دليلا دامغا علي جهل الجماعة، لأنهم ظنوا أن المرجئة لا يرون الخروج على الحكام، وهو أمر يتنافى مع الحقيقة ولو أنهم كلفوا أنفسهم فقط بالبحث لخجلوا من إطلاق هذا الوصف على من لا يرى منابذة الحكام والخروج عليهم.
فالثابت عن المرجئة أنهم يرون الخروج على الحكام، حيث يقولون بمنابذتهم بالسيف دون تكفيرهم، ومع ذلك يجعل الإخوان المرجئة أهل طاعة لولاة الأمور، بينما أجمع علماء السلف والخلف على أن حقيقة المرجئة أنهم أهل خروج واستحلال للسيف على المسلمين وعلى الحكام، ولو لم يقع ولي الأمر في الكفر الصريح.
قال الإمام عبد الله بن طاهر– رحمه الله– عن المرجئة: "إنكم تـُبـغِـضونَ هؤلاء القوم جهلاً، وأنا أُبغضهم عن معرفة، أولاً: أنهم لا يرون للسلطان طاعة، والثان : أنه ليس للإيمان عندهم قدرٌ، والله لا أستجيزُ أن أقول: إن إيماني كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: "إيماننا كإيمان جبريل وميكائيل!". (انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني)
قال أبو الحسين بن أبي يعلى: أما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة ، وكذبت الخوارج في قولهم، بل هم المرجئة يزعمون أنهم على إيمان وحق دون الناس ومن خالفهم كافر. (انظر: طبقات الحنابلة)
أما عن مفهوم الإيمان فإنك تستطيع أن ترى اختلافَ مدلولِه لدى كل من الإخوان ولدى المرجئة عن أهل السنة والجماعة فالإخوان يترجمون مقولة حسن البنا في أن الإيمان محصور في الدخول في دائرتهم، في تقسيمه البدعي للعباد في مذكرات الدعوة والداعية حيث قال: كل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدًا من أربعة الأول: مؤمن بدعوتنا، الثاني: متردد، الثالث: نفعي، الرابع: متحامل.
ويعتبر الإخوان بناء على هذا التقسيم، أن دعوتهم هي الإسلام، ويوضح ذلك حسن البنا في رسالة مطولة للشباب في كتابه مجموع الرسائل، فيقول: "أيها الـشـباب على هذه القواعد الثابتة وإلى هذه التعاليم السامية ندعوكم جميعا، فإن آمنتم بفكرتنا، واتبعتم خطواتنا، وسلكتم معنا سبيل الإسلام الحنيف، وتجردتم من كل فكرة سوى ذلك، ووقفتم لعقيدتكم كل جهودكم فهو الخير لكم في الدنيا والآخرة وسيحقق الله بكم إن شاء الله ما حقق بأسلافكم في العصر الأول، وسيجد كل عامل صادق منكم في ميدان الإسلام ما يرضي همته ويستغرق نشاطه إذا كان من الصادقين.
وإن أبيتم إلا التذبذب والإضطراب، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة، فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا بكثرة" انتهي كلام البنا في الرسائل.
ثم يتلقف ذلك أتباعه من بعده ويعتبرون أن الإيمان هو الالتزام بمبادئ الإخوان، وأن مفارقتها هي عينها مفارقة جماعة المسلمين يقول سعيد حوي بعد أن عدَّدَ صفات جماعة الإخوان، وشدد على أنها صفات جماعة المسلمين فيقول:"ونعتقد أنه لا جماعة كاملة للمسلمين إلا بفكر الأستاذ البنا وإلا بنظرياته وتوجيهاته التي في جملتها الحب لكل العاملين المخلصين". (انظر: جولات في الفقهين الكبير والاكبر لسعيد حوي)، ويقول: "والبيت المسلم الكامل هو الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمين، لأن ذلك هو الكمال الإسلامي المعاصر". (انظر: في آفاق التعاليم لسعيد حوي)
ثم يأتي بالخلاصة فيقول: "وإذا كانت الجماعة هذا شأنها، فلا يجوز الخروج منها قال عليه السلام: من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه". انتهى كلام سعيد حوى.
فالإيمان لدى الإخوان هو موافقة الجماعة وليس موافقة الإسلام ومن دخل في دائرتهم لا تضره مع كفره بغير الجماعة معصية كما لا ينفعه مع الكفر بها طاعة، وهي القاعدة نفسها التي رسمها المرجئة لمفهوم الايمان الذي لا يزيد ولا ينقص.
ولعل معرفة مدلول الإيمان لدى الإخوان يحل الكثير من الغوامض حول مرض التكفير اللا إرادي الذي أصيب به أتباعها في نظرتهم لكل من خالفهم أو خرج من عباءتهم، كما يكشف سر تعاملهم مع أهل الدعوات المشبوهة، واحتواءهم لهم وموالاتهم على ما عندهم من طوام.
إذن فالاخوان يتفقون مع فرقة المرجئة في أصليْن من أصولها، وهما الخروج على الحكام ومنابذة المسلمين، والوجه الثاني هو تشويه مدلول مصطلح الإيمان.
وفي هذه الحلقة نواصل محاولة الوصول إلى توصيف عقدي دقيق للجماعة، وندلف إلى فرقة أخرى من الفرق الإسلامية التي خالف أصحابها السنة، وهي فرقة المرجئة، لنعرف مدى قرب فكر الجماعة منها.
يصف قيادات الإخوان علماء السنة بأنهم مرجئة العصر، وعلى رأسهم الإمام الألباني رحمه الله، لا لشيء إلا لأنهم يرفضون مجاراتهم أو تأييدهم في منابذة الحكام، ويلتزمون بأوامر الشرع في عدم الخروج عليهم، ومن بين الأوصاف التي يطلقونها على هؤلاء العلماء، أنهم "مرجئة على الطغاة خوارج على الدعاة".. وهنا يبرز السؤال، من هم المرجئة؟ الملتزمون بالسنة؟ أم الاخوان؟
يقول الشهرستاني في كتابه "المِلل والنِحَل": "الإرجاء على معنيين:
أحدهما: بمعنى التأخير كما في قوله تعالى: (قالوا أرجه وأخاه) أي أمهله وآخره.
والثاني: إعطاء الرجاء، أما إطلاق اسم المرجئة عليهم بالمعنى الأول فصحيح، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد، وأما بالمعنى الثاني فظاهر فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار، فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان، وقيل الإرجاء: تأخير عليٍّ رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة، فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان.
والمرجئة أربعة أصناف: مرجئة الخوارج ومرجئة القدرية ومرجئة الجبرية والمرجئة الخالصة" انتهى كلام الشهرستاني.
وما يهمنا هنا هو الصنف الأول وهو مرجئة الخوارج، قال الإمام أحمد- رحمهُ اللهُ-: "وأما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة وكذبت الخوارج في قولهم بل هم المرجئة، يزعمون أنهم على إيمان وحق دون الناس ومن خالفهم كافر" (انظر: طبقات الحنابلة).
ولم يجد منظرو الجماعة ودعاتها من بين البدع إلا مصطلح الإرجاء ليتهموا به علماء السنة، كما ذهب إلى ذلك شيخهم سفر الحوالي في كتابه "ظاهرة الارجاء"، الذي وصف فيه ائمتهم ومن سار علي منهجه من أهل الحديث بأنهم من المرجئة، وهو الوصف الذي يحمل دليلا دامغا علي جهل الجماعة، لأنهم ظنوا أن المرجئة لا يرون الخروج على الحكام، وهو أمر يتنافى مع الحقيقة ولو أنهم كلفوا أنفسهم فقط بالبحث لخجلوا من إطلاق هذا الوصف على من لا يرى منابذة الحكام والخروج عليهم.
فالثابت عن المرجئة أنهم يرون الخروج على الحكام، حيث يقولون بمنابذتهم بالسيف دون تكفيرهم، ومع ذلك يجعل الإخوان المرجئة أهل طاعة لولاة الأمور، بينما أجمع علماء السلف والخلف على أن حقيقة المرجئة أنهم أهل خروج واستحلال للسيف على المسلمين وعلى الحكام، ولو لم يقع ولي الأمر في الكفر الصريح.
قال الإمام عبد الله بن طاهر– رحمه الله– عن المرجئة: "إنكم تـُبـغِـضونَ هؤلاء القوم جهلاً، وأنا أُبغضهم عن معرفة، أولاً: أنهم لا يرون للسلطان طاعة، والثان : أنه ليس للإيمان عندهم قدرٌ، والله لا أستجيزُ أن أقول: إن إيماني كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: "إيماننا كإيمان جبريل وميكائيل!". (انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني)
قال أبو الحسين بن أبي يعلى: أما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة ، وكذبت الخوارج في قولهم، بل هم المرجئة يزعمون أنهم على إيمان وحق دون الناس ومن خالفهم كافر. (انظر: طبقات الحنابلة)
أما عن مفهوم الإيمان فإنك تستطيع أن ترى اختلافَ مدلولِه لدى كل من الإخوان ولدى المرجئة عن أهل السنة والجماعة فالإخوان يترجمون مقولة حسن البنا في أن الإيمان محصور في الدخول في دائرتهم، في تقسيمه البدعي للعباد في مذكرات الدعوة والداعية حيث قال: كل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدًا من أربعة الأول: مؤمن بدعوتنا، الثاني: متردد، الثالث: نفعي، الرابع: متحامل.
ويعتبر الإخوان بناء على هذا التقسيم، أن دعوتهم هي الإسلام، ويوضح ذلك حسن البنا في رسالة مطولة للشباب في كتابه مجموع الرسائل، فيقول: "أيها الـشـباب على هذه القواعد الثابتة وإلى هذه التعاليم السامية ندعوكم جميعا، فإن آمنتم بفكرتنا، واتبعتم خطواتنا، وسلكتم معنا سبيل الإسلام الحنيف، وتجردتم من كل فكرة سوى ذلك، ووقفتم لعقيدتكم كل جهودكم فهو الخير لكم في الدنيا والآخرة وسيحقق الله بكم إن شاء الله ما حقق بأسلافكم في العصر الأول، وسيجد كل عامل صادق منكم في ميدان الإسلام ما يرضي همته ويستغرق نشاطه إذا كان من الصادقين.
وإن أبيتم إلا التذبذب والإضطراب، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة، فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا بكثرة" انتهي كلام البنا في الرسائل.
ثم يتلقف ذلك أتباعه من بعده ويعتبرون أن الإيمان هو الالتزام بمبادئ الإخوان، وأن مفارقتها هي عينها مفارقة جماعة المسلمين يقول سعيد حوي بعد أن عدَّدَ صفات جماعة الإخوان، وشدد على أنها صفات جماعة المسلمين فيقول:"ونعتقد أنه لا جماعة كاملة للمسلمين إلا بفكر الأستاذ البنا وإلا بنظرياته وتوجيهاته التي في جملتها الحب لكل العاملين المخلصين". (انظر: جولات في الفقهين الكبير والاكبر لسعيد حوي)، ويقول: "والبيت المسلم الكامل هو الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمين، لأن ذلك هو الكمال الإسلامي المعاصر". (انظر: في آفاق التعاليم لسعيد حوي)
ثم يأتي بالخلاصة فيقول: "وإذا كانت الجماعة هذا شأنها، فلا يجوز الخروج منها قال عليه السلام: من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه". انتهى كلام سعيد حوى.
فالإيمان لدى الإخوان هو موافقة الجماعة وليس موافقة الإسلام ومن دخل في دائرتهم لا تضره مع كفره بغير الجماعة معصية كما لا ينفعه مع الكفر بها طاعة، وهي القاعدة نفسها التي رسمها المرجئة لمفهوم الايمان الذي لا يزيد ولا ينقص.
ولعل معرفة مدلول الإيمان لدى الإخوان يحل الكثير من الغوامض حول مرض التكفير اللا إرادي الذي أصيب به أتباعها في نظرتهم لكل من خالفهم أو خرج من عباءتهم، كما يكشف سر تعاملهم مع أهل الدعوات المشبوهة، واحتواءهم لهم وموالاتهم على ما عندهم من طوام.
إذن فالاخوان يتفقون مع فرقة المرجئة في أصليْن من أصولها، وهما الخروج على الحكام ومنابذة المسلمين، والوجه الثاني هو تشويه مدلول مصطلح الإيمان.