أتحدث إليكم من أشهر ملاعب قناة «Ten».. هكذا بدأ حديثه المحاور الفذ الأستاذ مفيد فوزي.. عملاق الكلام والإعلام وهو فى ضيافة برنامج «عسل أبيض» للاحتفال بعيد ميلاد وحيدته حنان إحدى مقدمات البرنامج مع المذيعتين رنا عرفة ونهى عبدالعزيز.. ومع بداية حوارهما الممتلئ بالحيوية والجاذبية.. أغلقت تليفونى وحجرتى كى أستمتع بدقائق هذا اللقاء.. الأستاذ مفيد صاحب التاريخ الصحفى والإعلامى والذى عمل سنوات عمره بنقاء الضمير والصدق الذى أغضب منه الكثيرون، الرجل الوطنى المعارض باحترام لمؤسسات الدولة، والذى يعرف مهمة الإعلامى فى إعلام الجمهور وليس استعراض العضلات، وخاصة عضلة اللسان والتى تضخمت مع إعلاميى زماننا، فكم كان متألقا فى حواراته السنوية مع وزير الداخلية والذى كنا نخرج منه بالمعرفة والاطمئنان، ومنذ سنوات غابت الحوارات المماثلة ليظهر وزير الداخلية هذا العام مع أحد شباب الإعلاميين الذى حاول كيل الاتهامات وإلصاقها بوزارة الداخلية!!.. استعدت الشعور بالرقى والمهنية بحوار الأستاذ مع ابنته والذى بدأته هى بالشعر النثرى عنه، وتمنيت لو استطعت كتابته ليستفيد من مشاعرها الفياضة كل من لم ير الحلقة، ولكنى سأحاول تذكر بعض المقتطفات من حوارهما العذب الذى ألهمنى على الفور ضرورة عمل برنامج بين الأستاذ وابنته لكم الصدق والتلقائية والنعومة التى تعطى نموذجا للعلاقة التبادلية بين ابنة وأبيها تجمعهما الصداقة المجدولة بالحب والاحترام، وتعبر عيناهما ودموعهما المكتومة عن كم المشاعر والتأثر بكلمات كل منهما للآخر.. قالت حنان: «فى دنيا الأقنعة المستهلكة على الهواء الفائز أبى.. من علمنى حرفا وأسلوبا وإحساسا فصرت له ابنة.. عاشقة.. هو الحزب الحاكم فى عقلى.. دليلى فى الغربة.. وصديق عمري».. ليرد الإعلامى القدير: «جئت وأنا أشكو من برد، جئت استجابة لديكتاتورية حنان، جئت بكل الصلابة والالتزام».. ثم أردف أنها تعرف علاقتهما بعبارة «مسنودة عليه»، قائلا: «أشعر أن كثيرا من الأشياء تموت فى رأسى ولكنى ما زلت أندهش ولا أملك أن أكون صلبا -قصد الاندهاش مما يحدث من أشياء مؤسفة- أحتاج مجدافين من الصبر والتكيف وأعترف أنى الآن مسنود عليها».. وأضاف: «أكثر حاجة بحبها فى حنان حنيتها الطاغية، وأسوأ ما فيها تقدير المواقف».. وخاطبها: «بحاول بإخلاص لا نظير له أن أحميكى من نفسك.. ما بطبلش ولا بصقف».. ثم سألها: «محمد عبدالوهاب كان يستنكر الاحتفال بسنة مضت!!.. وكامل الشناوى قال عدت يا يوم مولدى، عدت يا أيها الشقى كيف تشعرين أنت؟».. أجابته: «أنا بحس أنى بأصغر ومش عايزه أحس أن العمر بيتسرسب ويجري».. سألها: «إيه السعادة»؟ قالت: «الأمان النفسي».. والأمومة عندك إيه؟ «أمارسها مع شريف ابنى وأصحابى وأنت، وكنت أم أمي».. ثم سألوا الأستاذ: «كيف تستطيع أن تتغلب على الخجل -إحدى سماته- أمام ضيف قوى وتريد منه المعلومات»..قال: «الخجل أمام العدسة يفر ويطير ولكن يبقى فى الحياة العامة، وهو ما يجعلنى أذهب مبكرا إذا دعيت لمناسبة حتى يسلم الناس هم على.. وأسرع بالمغادرة إذا وجدت بعدا عن السياق العام.. أنسحب لأن سنين عمرى التى على ظهرى تمنعنى أسمع سفالات أو غباوات، وأشعر أن خجلى حصنى..فعندما أشعر أن رأيى سيغضب القبيلة من حولى لا أقوله».. وقال: «أملك جينات الجرأة رغم الخجل، وقوة المعلومة تساعدنى على الجرأة، والحوار عملية سطو شرعية على حياة إنسان، وحين أكتب أشعر أن الله وحده يجعل القلم يرسم عباراتى.. وأضع صورا إنسانية فى مفرداتى.. لذلك الحوار هو الأحب من بين المفردات الصحفية لأننى لست مخبرا».. وقال: «إن الفضول المبكر كان جنين اشتغالى بالصحافة وهى اشتباك حميم مع عقل متحضر ومحاصرة ناعمة للضغط من أجل معلومة».. وسأل ابنته: «أنت حائرة بين الحرف الساكت (المقال) والحرف الراقص (الشعر) أيهما تفضلين؟».. أجابت بأنه الشعر، وقالت بإيمان شديد «إنها إنسانة قدرية وأن كل شيء ربنا يكتبه ويقدره فى أوانه، فليس هناك صدف عند الله، كل شيء فى وقته المضبوط، صحيح بنتأخر أحيانا حتى نعرف الحكمة»، وقالت: «كتير بيبقى نفسى أعرف أنا صح ولا لأ، بدور على رسائل ربنا وأنا ماشية بحتاج توصيته وإحساسى أنه موجهنى، وكما يقول الإنجيل: (تكلم يارب فإن عبدك سامع)».. وقالت: «التدين يختلف عن ممارسة طقوس العبادة لأننا بنتكسف من البشر وما بنتكسفش من ربنا».. وتكلم الأستاذ وأشاد بالبرنامج وأطلق على مذيعاته «ثلاثى أضواء ten»، وفسر لهن حب الجمهور لمشاهدتهن «لأن الناس فى الحياة وزنها تقل من الهموم».. وانتقدهن فى عدم غزل فقراتهن بالشأن العام حتى لا يشعر الناس بانفصالهم عن الواقع، وقال: «إن لكل منهن مخالب، فمخالب نهى وحنان فى رقتهما ومخالب رنا معرفة الحقيقة، وحنان بتشيل الهموم كقول البابا شنودة (الكلام الطيب يصرف الغضب)»..ومن أجمل كلماته عنها «بأكتشف فيكى أشياء ما كنتش واعيها بسبب أعبائى وأعبائك»!!.. ووصفه لحياتهما: «لم يعد قطار المحبة يتوقف عندنا.. والمحبة أخلد من الحب..لأن الحب يحدث فيه أشياء كثيرة ولخبطة.. ولكن المحبة هى الحقيقة»..وفى أواخر اللقاء أهدى الأستاذ ابنته النسخة الأولى من كتابه «إسمحلى أسألك»، ومن بعض كلمات إهدائه: «إلى من منحتنى رتبة أب.. إلى من كان اسمها صفة حقيقية فيها».. وقبل النهاية قالت حنان: «كان فيه مشروع نعمل برنامج كبير مع بعض ولم يتم».. وهو ما تمنيته فى بداية الحلقة الرائعة.. لذا أناشد أهل الكهف القائمين على التليفزيون المصرى بتنفيذ فكرة برنامج «مفيد وحنان»، والذى لن يستطيع المشاهدون إغماض أعينهم أمامه.. وأشكر قناة «ten» على الحلقة التى أسعدت كل من شاهدها والتى أرشحها لتنال جائزة الدولة التقديرية فى الإعلام الهادف والمؤثر.. جزيل الشكر للأستاذ وابنته.. وعقبال مائة عام فى حب حنان.
آراء حرة
الإعلامي المخضرم وعسليته
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق