أنت حزين فاقد الإحساس بالحياة.. تتمايل وسط منحنيات الشرايين الجريحة، أنت حائر وسط دوامة من الرياح.. عيناك زائغة.. عاجز حتى أن تعبر الطريق، أنت الآن تجرى حافيًا خائفًا وسط أشواك فى يوم عاصف، تتعثر الدموع خلف عينيك المغلقتين.. أنا أدرى أنا أنت وأنت كل الناس، أنا خلف ظلك أتنفس منك هذا الألم.. أنا من أنا.. هل هذا واقع أم خيال؟ هل أنا هذا أم أنا وأنت ظل معتم وانعكاس لماضٍ سحيق، مهلا من حدد معنى الحزن؟ من قال إن هذه الترانيم الحزينة هى ملجأى ومخبأى؟ سكـــــــــــون يملأ عقلى وخواء يملأ قلبى وسحابات من الغيوم تأخذنى فى سفر بعيد بلا اتجاه، لست أدرى فرقًا بين حلم إلى منشأ روحى أو واقع مفرغ من ملمس الأشياء، هل أنا حقيقى؟ هل هذا هو مقصد خلقى؟ هل أنا داخل مسارى الذى أوجدنى له ربى على الأرض.
ما هذا؟ إنى أتلمس خطأ فى المسير، إنى أتعثر وأتلعثم فى طريق طويل على بعد ناظرى يكتسى وحلا وانكسارات كمثل التى تملأ قلبى، إنى أمضى هنا من هنا كل يوم ضائع ولكنى لم ألحظ يوما ملامح هذا الطريق ولا شعابه العثرة، ولا مسالكه التى تحوى أعشابا أصابها الجفاف، لم ألمح يوما أنى على شاكلة هذا الطريق.
مهلا ورويدًا.. إن مسارات هذا الطريق مرسومة على كفى.. محفورة على أوردتى.. مكتوبة على سماتى، إن هيكلة هذا الطريق ومنحنياته وشكله المحصور كأنه سفينة غارقة فى قاع من الحطام يراود أحلامى ويستدعيه خيالى وكأنى أملك خارطته، ما تعنى أكل هذا من خلقى؟ لا إن هذا قدرى وعليّ أن أسلم به، قلبى لا يعرف إلا هذه الأنشودة.. دموعى لا تسترقى إلا على هذا الترانيم الموجعة.. خيلى الجريح لا يعرف إلا هذا المسار ولا يدرى إلا هذا الدرب، ولم يعرف يومًا إلا هذا.
كيف تقول لى الآن أنى وبى خلقت كل آلامى، كيف تقول لى الآن إنه لم يكن لى أن أتعذب وأترنح فى الحفر المظلمة زمنًا لا أحصيه، اصمت يا رجل ودع الخلق للخالق، فهذا قدرى وهذه عصاى أتلمس بها ظلماتى، سكون للحظات كأنها دهر، سكون يستدعى بواعث الحكمة الإلهية داخل النفس، سكون يستطلع الأسماء كلها التى علمها الخالق العظيم لأبونا آدم، سكون يرقد العقل والأنا فى سبات عميق.
يا بنى عَلَّمنا ربنا أن من أوتى الحكمة فقد أوتى شيئًا عظيمًا والحكمة لا تأتى من العقل بل تنبع من داخل مساحات القلب، والقلب إذا مرض وجرح أنامله الجميلة نامت وخمدت داخله كل ينابيع الحكمة وحب الله، دعنى أشرح لك شيئا بسيطا، عندما تستمع إلى الراديو فإنك تستمع إلى إذاعة بتردد frequency معين ولنقل 91.88 على هذا التردد يأتى إليك عن طريق المذياع.. إذاعة الموسيقى مثلا هذا هو تردد إذاعة الموسيقى.
كل شيء على وجه الأرض له Vibrations Frequency تردد، الحزن له تردد الفرح.. له تردد الثروة.. له تردد الاكتئاب.. له تردد وحتى الأشياء الجامدة لها تردد كل يختلف عن الآخر، الأشياء الرائعة فى الحياة لها تردد عالٍ، فمثلا أعلى ترددات تصدر من إنسان يحب نفسه ويتشرف بها ويحب كل ما يتعلق بذاته (شكله – جسمه – ملبسه – طريقة كلامه وهكذا) أين نحن من كل هذا، نحن مخلوقات تصدر ترددات للحياة تعكس رؤيتنا لأنفسنا.
إذا كنت ترى نفسك تستحق كل الخير من الحياة وهذا الاستحقاق يأتى من تحت ثنايا جلدك تأكد تماما أنك ستحصل من الحياة على هذا الاستحقاق، أنت وما تعتقد، هذا الشعور بالاستحقاق يصدر له القلب ترددات رائعة للحياة، فتجد أناسًا لا يمتلكون أية مواهب وقدرات وفى نفس الوقت يمتلكون أموالا طائلة لأنه أعطى لنفسه تصريحًا وصلاحية الاستحقاق، فينصت له الكون الناس والجماد والبحار وكل الأشياء، الكون لا يعرف المنطق إنما يعرف تنفيد مسارات الترددات البشرية هذا هو خلقه وما قدره الله سبحانه لنا وللبشر.. سكـــــــون، أنا فى حالة من الصمت أنت تغير كل مفاهيمى عن نفسى وعن الحياة وكل الشبكية العقلية عندى فى حالة من الإنصات الآن. نعم هذه الشبكية العقلية هى مركز إصدار الترددات الصادرة من القلب.
تتهيكل من العام صفر حتى العام التاسع من عمر الإنسان، الطفولة نعم الطفولة تسهم فى هيكلة هذا النموذج الإلهى، فلو كانت الطفولة كسيحة عاجزة مريرة يقوم القلب الجريح ببناء ترددات تعكس كره النفس واحتكار الذات، وبالتالى طبعا تقوم هذه الترددات باجتذاب ترددات على نفس المسار وبنفس الكيفية التى تجعل الحياة بتردداتها الإلهية المعجزة تلبى لك كل نداءات تردداتك سواء سلبًا أو إيجابًا، انظر إلى القرآن الكريم وانظر إلى كلمة أنفسكم (وهذا مبحث آخر) وانظر إلى تكرار قوله تعالى {وَفِى أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} كل شيء ينبع منك من نفسك وأنت تستدعى ما تراه فى نفسك من حب أو كره أو غنى أو فقر.. أنت كل شيء، هذا هو التكليف وهذه هى قمة الحرية، هل هذا يعنى أن ما يحزننى الآن هو من خلقى؟ من قال لك إنه يتوجب الحزن على أشياء من الممكن أن تكون سرابًا فى درب الوهم.
لماذا لا تصدق أنك مخلوق قابل للتغيير حتى ولو عمرك مائة عام؟ وما الزمن إلا إحساس داخل القلب.. احبب الله.. احبب نفسك ترتفع مستويات الترددات الصدارة للكون، ولسوف ترى العجائب.. هذه هى سنة الكون.. خلق وطاقة فى كل شيء من خالق عظيم، صَدِّق أن الله سبحانه خلق كل هذا الكون لك لتحب لنفسك وتحب الأرض ومن عليها، سَكِّن هذا العقل.. تنفس بعمق.. راجع القوى الكامنة داخل قلبك.. افصل هذه الارتباطات اللاشعورية مع أحداث الماضى، لا تسوى حساباتك مع الماضى الآن فقد ولى بلا رجعة، ولم يكن لك أية حيلة فى خلقه، ولا تجعل نفسك مستعبدًا لسيد من ورق، والله سوف تجد أن ما كان يبكيك إنما كان لك طريقًا للنور والحرية.