«ورد الجناين اللى فتح فى جناين مصر» ليسوا فقط هم شهداء انتفاضة يناير، وإنما أيضا كل شهداء الوطن الذين سقطوا بفعل الإرهاب الإخوانى المستتر وراء تنظيمات متعددة الأسماء تتمركز فى مثلث الرعب (العريش، رفح، الشيخ زويد).
يقتلون الجنود على الحدود بدم بارد ساعة الإفطار فى رمضان، يفجرون المبانى والمنشآت دون أى اعتبار لأى قيم إنسانية أو دينية ويسقط الضحايا من النساء وحتى الأطفال وكل ذنبهم أنهم تواجدوا فى المكان والزمان الخطأ، يسحلون ويعذبون و يمثلون بالجثث وكله تحت راية الإسلام، يحاولون السيطرة والاستيلاء على الأماكن الحيوية لإعلان الدولة الإسلامية، على غرار ما فعلته داعش فى العراق وسوريا وهو ماحدث فى الشيخ زويد وأجهضته قوات الجيش والشرطة.
أبطال مصر يتساقطون كل يوم على يد الإرهاب الإخوانى الأسود.
البطل حسام جمال يفتدى زملاءه ويحتضن الإرهابى الذى يحمل حزاما ناسفا، ويجرى به بعيدا عن وحدته العسكرية لينفجرا سويا منقذا ٢٦ ضابطا وجنديا، وتقام جنازته بدون جثمان.
ويعثر زملاء البطل النقيب أحمد فؤاد ضحية إحدى العمليات الإرهابية فى العريش على رسالة داخل زيه العسكرى موجهة لوالدته يقول فيها: «إزيك يا أمى لو قدر ليكى تشوفى رسالتى ده معناه إنى استشهدت وإن أصحابى لقيوها فى جيب الأفارول بتاعى.. زى ما دخلنى أبويا الجيش بعد الثورة وطلعت ملازم قد الدنيا كان لازم أحمى أم الدنيا»، وتابع «قولى لأحمد أخويا إننا فى حرب بجد فيها سلاح تقيل وأسلحة متطورة وفيه أعداء وناس بتضحك فى وشنا وبالليل تقتلنا بالرصاص وإحنا بنرد عليها».
وخاطب الشهيد أمه قائلا « ما تشوفى جثتى إوعى تبكى أو تضعفى.عايزك تقولى لكل الدنيا وانتى لابسة أبيض فى أبيض أنا أم الشهيد وأم البطل»، مضيفًا «قولى لكل المصريين متخفوش إحنا واقفين ناخد الرصاص بدالكم».
قبل أيام من استشهاده، نشر البطل ملازم محمد عادل عبدالعظيم حلاوة، الذى استشهد بعد قيام عناصر مسلحة تابعة لجماعة أنصار بيت المقدس باستهداف عدة كمائن أمنية بسيناء وكتب تغريدة عبر صفحتة الشخصية على «فيس بوك»: «اللهم أحسن خاتمتنا».
آخر تغريدة للشهيد البطل محمد شحاتة، نشرها عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» قبل استشهاده، كتب قائًلا: «اللهم إن كنت أنا القادم فأحسن خاتمتى واغفر لى وسخِّر لى من يدعو لى بعد موتى».
وكان شارع أسيوط فى العريش قد شهد هجوما إرهابيا بالأعيرة النارية على قوة أمنية، وأسفر الهجوم عن استشهاد ٣ ضباط وعريف ومجند، وإصابة ٣ مجندين، جميعهم من رجال الشرطة.
هؤلاء الابطال الشهداء وغيرهم بالمئات يستحقون منا واجب القصاص، صحيح أن العمليات التى ينفذها رجال الجيش والشرطة يوميا تحت اسم «حق الشهيد» تقتص من عشرات الإرهابيين، لكن تبقى البؤرة الصديدية فى مثلث (رفح، العريش، الشيخ زويد)، وهى بؤرة أصبحت تصدر عناصرها إلى محافظات مصر ولا تخلو عملية إرهابية من وجودهم.
كتبنا من قبل أن يد رجال الجيش والشرطة مازالت مغلولة بفعل اختباء الإرهابيين فى منازل المدنيين وسط النساء والأطفال والعجائز واتخاذهم دروعا بشرية.. وحماية بعض رؤساء القبائل لهم، رغم تعهدهم لرئيس الدولة بتخليهم عن الإرهابيين.
والآن يفرض السؤال نفسه: هل أصبح إرهاب شمال سيناء قدرًا لا سبيل للفكاك منه.. وبالتحديد مثلث الرعب «رفح الشيخ زويد العريش».. وكيف يمكن للقوات المسلحة أن تدير عملياتها ضد الإرهابيين دون التعرض للمدنيين الأبرياء؟.
الحل طرحه عدد من الكتاب والسياسيين، وهو إخلاء مثلث الرعب.. وجعلها أرضا مكشوفة.. فقد أصبح الوضع حربا حقيقية ضد الدولة.. وهى لا تقل عن حروب الماضى ضد إسرائيل مع الفرق أن العدو يأتى من الداخل.
السؤال: هل من الصعب تهجير سكان مثلث الرعب إلى حين القضاء نهائيا على هؤلاء الإرهابيين؟.
خريطة مثلث الرعب تقول إن العريش.. هى عاصمة وأكبر مدن محافظة شمال سيناء (عدد سكانها ١١٤.٩٠٠ نسمة)، وأكبر مدينة على شبه جزيرة سيناء، تطل على ساحل البحر المتوسط، على بعد ٣٣٤ كم من القاهرة.
رفـــح.. هى البوابة الشرقية لمصر.. يقع مركز رفــح على الحـدود الشــــماليـة الشرقية لجـــمهورية مصر العربيه بطــول ٥٥ كم تقريبا، ومن جهة الشــــمال والجنــوب بطــــــول ١٣كم تقريبا، بإجـــمالى مســــاحة ٥٠٦ ألف كم٢ أى مــا يعادل ١٥٠ ألف فدان تقريبًا.
الشيخ زويد صاحبة الموقعة الأخيرة.. هى مركز ومدينة فى محافظة شمال سيناء، وتقع بالقرب من الحدود مع قطاع غزة بين مدينة العريش ورفح على بعد ٣٣٤ كم من القاهرة.
بعد حرب ١٩٦٧، احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء وأسست مستوطنة ياميت شمال الشيخ زويد مباشرة، وكانت أكبر مستوطنة إسرائيلية فى سيناء.
يبلغ سكان مدينة الشيخ زويد ٥١ ألفًا و٥٢٧ نسمة وفقا لآخر إحصائية تم إعدادها عام ٢٠١٠.
تشتهر المدينة بزراعات الكنتالوب والخوخ واللوز والحمضيات، وهى زراعات يتم تسويقها داخليا وتصديرها عالميا، إلا أن التنمية الصناعية غائبة تماما عن مدينة الشيخ زويد، مما جعل البطالة تتفشى بين أبنائها وتعرضهم لمخاطر التطرف والعمل فى أعمال التهريب.
باختصار يصل عدد سكان مثلث الرعب نحو ٢٤٥ ألف نسمة.. ونعيد السؤال: هل من الصعب تهجير أقل من ربع مليون مواطن بشكل مؤقت حتى تنتهى الحرب مع الإرهابيين؟.
لقد فعلتها مصر أكثر من مرة مع مدن القناة (بورسعيد الإسماعيلية السويس).
أولى عمليات إخلاء مدن القناة جاءت أثناء المقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثى عام ٥٦ وقتها كانت تقصف مدن السويس وبورسعيد من الجو والبحر، ومن ثم وضعت خطة لتهجير الشيوخ والنساء والأطفال، وظل الشباب والرجال للدفاع عن بورسعيد، إلى أن انتهت هذه المرحلة بعودة السكان لمدنهم فى مارس ١٩٥٧، ثم جاءت نكسة ٦٧ لتشهد أكبر عملية تهجير فى مدن القناة، قدر وقتها عدد المهجرين فى الفترة من يونيو ١٩٦٧ إلى عودة السكان عام ١٩٧٣ بنحو مليون مواطن.. نعم مليون مواطن دفعوا ٧ سنوات من الغربة عن أرض مولدهم.. وتحملوا فى سبيل الوطن الكثير من الصعاب حتى لحظة الانتصار.
يذكر أن التحريك فى بادئ الأمر كان اختياريًا، حتى أصدرت القيادة فى مصر قرارًا بتحريك أهالى القناة، باستثناء نسبة بسيطة أطلق عليهم لقب «المستبقون» بهدف مشاركة الجيش التضحيات والمقاومة.. وتم توزيع السكان على ١٤ محافظة فى مصر.
ويظل السؤال مطروحا: هل نخلى مثلث الرعب وننهى الحرب مع الإرهاب.. ونبدأ تنمية شمال سيناء.. حتى لا يعود إليها أحفاد حسن الساعاتى مرة أخرى؟... أم ننتظر مزيدا من نزيف الدم المصرى؟.