تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أسعد أيام حياتي وأظنها أسعد أيام الشعب المصري والشعب العربي الذي يرى الحقيقة الناصعة في انتصار 6 أكتوبر، وهو الانتصار الذي كسر نظرية الحدود الآمنة لإسرائيل وكسر نظرية أن الجيش الإسرائيلي لا يُقهر، وأن السياسة الأمريكية والمخابرات تعلم كل شيء عن طريق أقمارها الصناعية.. وهم كبير؛ لأن الانتصار فاجأ الجميع، والعبور أذهل الجميع، ويُدَرَّس حتى الآن في جميع الأكاديميات العسكرية حول العالم، وبالطبع إن من يحس بالزهو والفخر هو من عاش زمن النكسة التي ظُلم فيها الجيش المصري ظلما شديدا، ولكن الانتصار أعاد إلينا الكرامة والثقة بالنفس، وبعد العبور استنت الإذاعة المصرية سنة حسنة بإقامة رحلات للشعراء والملحنين لزيارة خط بارليف بعد أن تحطم، وزيارة التبة التي رفع عليها العلم المصري بعد العبور، وكتب عليها بالأحجار البيضاء “,”6 أكتوبر“,”، وقد أوحت هذه الزيارة للشعراء والملحنين بالعديد من الأغاني، وقد تأثرتُ بهذه الزيارة تأثيرا بالغًا، وكانت النتيجة أغنية “,”يا بوى يا مصر أما الواحد بيحبك حب“,”، التي غناها الرائع محمد الحلو، وهي من كلمات الشاعر عصام عبد الله، وقد زرتُ ذات الموقع مرة ثانية بصحبة الفنانة الكبيرة نجاة، والمخرج العظيم فهمي عبد الحميد لتصوير أغنية “,”يوم الهنا“,” التي اشتركت في تصويرها أحد المعديات التي استخدمت في العبور، بالإضافة إلى الجسور والمعابر العسكرية.
وسعادتي ترجع إلى أجندة احتفظ فيها بكل ما أعرفه عن هذا العبور العظيم، وأسميها أجندة 6 أكتوبر حتى يطلع أولادي وأحفادي على تخطيط لم يصل إليه أعتى جيوش العالم، وأكبر قوادها، وقد تكون المعلومات متواضعة ولكنها موثقة لأنني استقيتها من كبار الضباط المتقاعدين، والذين اشتركوا في حرب الاستنزاف والعبور العظيم، ومن ذلك أن السادات استعد للحرب منذ أول يوم تولى فيه الرئاسة بخداع إسرائيل وأمريكا فقد مثل هذا الداهية دور الذي لن يحارب أبدا لنقص الإمكانيات، ولأنه لا يملك الشجاعة على أن يأخذ هذا القرار “,”يا قاتل يا مقتول“,”، وقد نجح هذا الدور، خاصة أن كل الشعب بل وكل دول العالم قارنت بين خطبة وخطب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يصرح بأنه سيقذف إسرائيل إلى البحر، أيضا كل خطط الخداع التي يعرفها الشعب المصري الآن من كتيبة القصب والبرتقال أو عمرة كبار القادة وحجهم إلى الأراضي المقدسة، وما زاد في الخداع أن الطلبة في الجامعة كانوا يتظاهرون من أجل أن نحارب، وكان دائما رد هذا الفلاح الذكي العبقري أن هناك ضبابًا سياسيًّا يمنعه من الحسم، وفي كل عام يعلن أن هذا هو عام الحسم ترفع إسرائيل درجة الاستعداد إلى الحالة القصوى، وتتكلف أموالا طائلة، واستمر هذا الخداع، بل إن المخابرات المصرية أخبرته أن هناك عميلاً إسرائيليًّا يعمل كدكتور أسنان بالولايات المتحدة الأمريكية وفي إحدى الزيارات ادعى أن أسنانه تؤلمه، فحجزت له الولايات المتحدة عند هذا الدكتور، ولما سأله “,”انتوا صحيح هاتحاربوا؟“,”، رد قائلا: “,”هذا كلام للاستهلاك الشعبي حتى تسكت الجماهير المطالبة بالحرب، أما حقيقة الوضع فنحن لا نملك ما يكفي من القمح، ولا القدرة على القتال“,”، وفي الحال بلغ هذا إلى إسرائيل حتى إنهم لم يصدقوا أحد كبراء العرب عندما أبلغهم أن المصريين سيقومون بالعبور في السادس من أكتوبر.
تحية لكل القواد والأفراد الذين اشتركوا في القتال، وخاصة الشهداء والجرحى، وأيضا تحية للشعب المصري الذي ساند قواته المسلحة فلم تسجل حالة سرقة أو نشل واحدة أثناء العبور، وأيضا تحية للإبداع المصري في جعل المشاة يتفوقون على المجنزرات والدبابات بطريقة أذهلت العالم، وغيرت من الخطط العسكرية إلى الأبد، وأيضا تحية لمن اقترح فتح ثغرات في الساتر الترابي بأبسط الطرق، وتحية لأهل النوبة الذين جندوا في سلاح الإشارة فلما فكت أمريكا الشفرة المصرية زاد ارتباكهم لأنها كانت باللغة النوبية، وعزاءً لأسرة السادات وتحية لأخيه الذي استشهد بعد أن دخل بطائرته في مركز الاتصال الإسرائيلي فعطل الاتصالات الإسرائيلية لمدة ثلاثة أيام.
أسعد أيامي عندما أجالس أصدقائي وأبنائي ونتحدث عن أمجاد العبور ونصر 6 أكتوبر.