الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عن الصحافة والإعلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تدفعنا الضجة المثارة حول قوانين الصحافة والإعلام وشيكة العرض على مجلس النواب إلى مناقشة عدد من الأمور ذات الصلة، غابت وسط طنين أصحاب المواقف المتباينة من ذلك الملف، وصار من المحتم مناقشتها إذا قرر أحدنا أو كلنا بحث ذلك الملف، وأوجز تلك المسائل فيما يلى:
أولا: أن الصحافة القومية تحولت من مرفق عام يمتلكه الشعب، إلى ضيعة يمرح فى ربوعها أعضاء ورئيس ما يُسمى المجلس الأعلى للصحافة، ويتضامن معهم نقيب ومعظم أعضاء نقابة الصحفيين، وينتمى ذلك الجمع السعيد بأكمله إلى تيار سياسى واحد لا أخاصمه ولا أختلف معه فكرا، ولكننى أرفض منطقه فى الإقصاء والنفى والتجاهل من جانب والاستئثار والاستحواذ واحتكار السلطة فى مؤسساتنا الصحفية القومية من جانب آخر.
وبناء عليه، فإننى أرفض الركيزة التى بنى عليها أولئك جميعا مواقفهم وهى الازدواجية الشديدة، فهم يحاولون الظهور- الآن- أمام الدولة والجماعة الصحفية على أنهم يستعجلون صدور القوانين الصحفية فيما هم الذين أخروها- عن قصد وتدبر- لأربعة وعشرين شهرا، ثم هم الذين أرسلوها إلى الحكومة بصيغة شائهة دمجت القوانين الثلاثة (المجلس الوطنى للصحافة والمجلس الوطنى للبث والمجلس الأعلى للصحافة والإعلام) فى قانون واحد بمخالفة فاضحة.
وهذا- أيضا- سوف يمدد الفترة التى سينظر فيها مجلس النواب تلك القوانين وبما يناقض ادعاءات الجمع السعيد بأنه حريص على استعجال صدور القوانين.
ثانيا: هذه المجموعة السياسية تريد البقاء قابضة على مقاعد المجلس الأعلى للصحافة، ورابضة فى نقابة الصحفيين، وهى مسألة تناقض ضرورة تدوير السلطة فى المربعين (نقابة الصحفيين+ المجلس الأعلى للصحافة).
وفضلا عن ذلك فإن الصبغة السياسية لذلك التمسك الشديد بالبقاء وإغلاق دائرة تلك المناصب بالضبة والمفتاح على فصيل سياسى معين، تعنى فى حقيقة الأمر التسييس الكامل لوظائف لها جوانب أخرى مهنية واجتماعية وقيمية، مما لا يمكن تسييسه كون أداؤها لا يستوي إلا فى إطار قومى يفرض على مؤيديها أن يحافظوا على مسافة واحدة بينهم وكل الأطراف، وهو ما تم العصف به فى السنوات القليلة الماضية، وعلى نحو مخجل وغير مسبوق.
لقد عشنا مجالس مختلفة لنقابة الصحفيين على امتداد أربعين عاما من عملنا الصحفى، وكان اليسار يسيطر على بعضها تماما، ومع ذلك فقد تحلى أفراده بروح الحكم الموضوعى، وفهموا قومية وظائفهم وضرورة أن يؤدوها على ذلك النحو، فنالوا احترامنا جميعا، ولكننا لم نر- أبدا- جماعة سياسية تريد أن تخطف المؤسسات الصحفية إلى حيث تريد وتحويل الصحفيين إلى أسرى تتم قيادتهم بكل جبروت، وحرمانهم من الأمل والتطلع إلى زمن يستحقون فيه المشاركة فى المسئولية عن صحفهم ومجلاتهم.
ثالثا: فى كل هذا الهرج الذى ساد مسألة القانون (أو القوانين) لم يبرز فى أداء المجلس الأعلى للصحافة أو نقابة الصحفيين اهتمام حقيقى بالجوانب المهنية أو التحديات التقنية للصحافة الورقية، أو باقتصاديات المؤسسات الصحفية، والدليل هو عدم الاكتراث بالتراجع المخيف فى توزيع الجرائد القومية، وانهيار اقتصادياتها تأثرا بتراجع التوزيع الذى ترتب عليه انهيار الإعلانات، فضلا عن الركود الاقتصادى فى البلاد بعد عملية يناير ٢٠١١ التى أسفرت عن مزيد من الضغط المالى على المؤسسات الصحفية، سواء بتباطؤ سوق الإعلانات أو بانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج فى تلك المؤسسات.
رابعا: مع اعترافنا بأن عصورا خلت تسببت فى تعيين مئات الصحفيين دون أي معايير موضوعية أو مهنية، فإننا يجب أن نقرر أن مجهودا من أى نوع لم يتم بذله لإعادة تأهيل تلك العناصر وتعزيز صلاحيتها للعمل المهنى، وأتصور أن المجلس الأعلى للصحافة- باعتباره القائم بدور المالك- كان عليه أن يفعل شيئا في ذلك الإطار، ولكن أعضاءه كانوا- مع كثير الأسف- مشغولين بهندسة وبناء قيم الشللية والتحوصل السياسى حول أفكار واحدة وتجاهل كل آخر وأى آخر، ومن ثم فقد أغفل أعضاء المجلس الأعلى هذا الواجب واندمجوا فيما نذروا أنفسهم له من إفشاء ثقافة الإقصاء.
أما النقابة فقد شحب دورها المهنى تماما، فى حين انهمك ممثلوها فى مساندة ما يقوده جهابذة المجلس الأعلى من عمليات تعطيل القوانين، ثم محاولة إصدارها بصيغة تكرس بقاءهم، أو تعيين بعضهم فى المجالس الجديدة، بحيث يفضى ذلك إلى (مط) بقاء القيادات الصحفية الحالية فى أماكنها، وعلى الرغم من صلاحية استمرار بعض القيادات الحالية، فإن منطق المجلس الأعلى والنقابة يدفع إلى بقاء الكل، وكأنهم قدر مقدور لا نستطيع أمامه رد القضاء، وسواء كان الاتجاه إلى بقاء البعض أو الكل، فإن تحديد وقت بقاء القيادات فى كل القوانين والتشريعات سواء الحالية أو المقرر نظرها هو أمر لا يحتمل لبسا، ومن ثم فإن اتجاه المجلس الأعلى والنقابة هو (المد للجميع)، وبأى ثمن حتى لو كان تلفيقات إجرائية لا يسندها أى نص قانونى.
خامسا: عدم تشكيل الهيئات والمجالس المنوط بها إدارة الصحافة والإعلام، يلقى بظلال وشبهات كثيرة حول ميول بعض أعضاء المجلس الأعلى والنقابة لنصرة المؤسسات الخاصة المنافسة للإعلام والصحافة القوميين، وهو ما لن يكون إلا بهز أوضاع المؤسسات القومية وإنهاكها وهو ما يحدث الآن- بامتياز- عبر تمزيق الإطار القانونى لمؤسسات الصحافة والإعلام ومنعها من تغيير قياداتها، والانتصار للمعايير المهنية التى صارت- بكل أسف- (شهيدة)!!.