منذ أن أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا موعد انطلاق المفاوضات بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة في جنيف، عشية اجتماع الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة في الرياض لاتخاذ قرار في شأن المشاركة . ظهرت إشارات متناقضة تتكشف عن كواليس التحضير لمفاوضات جنيف الحالية حول سوريا، فمع مشهد التواصل الأمريكي الروسي الذي يوحي بحلحله العقد برزت تصريحات أركان إدارة الرئيس أوباما كمن يعزف كل على ليلاه.. بايدن من تركيا يهدد بتدخل عسكري في حال فشل الحل السياسي.. ما استدعى ردا روسيا سريعا أعقبه توضيح أمريكي بأن داعش هو الهدف.
واطلع دي ميستورا العالم جدول أعمال المفاوضات والتى تتمثل فى 4 مجالات رئيسية هي: العملية السياسية "الحكم، عملية صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات"، وقف إطلاق النار، وصول المساعدات الإنسانية على الصعيد الوطني ومكافحة الإرهاب. فالبعد الإنساني الناتج من الحرب فى سوريا من مآسي القتل والدمار والتشريد ، ينعكس على المعطيات الجيو سياسية. ليس فقط فى سوريا والإقليم أيضًا على الصعيد الأوروبي والعالم أجمع.
والحال أن الحرب الأهلية فى سوريا أخذت بتلابيب مجتمع مكون من 24 مليونًا بعنف ليس له حدود تجاوز 4 سنوات، وأضحت الحياة اليومية للسوريين قوامها القتل الوحشي والفناء. مما أدى إلى فرار وهجرة الآلاف من السوريين إلى المحيط العربي والأوروبي، فوصل عدد اللاجئين فى الأردن عام 2015 إلى 625 ألف لاجئ، أضيفوا إلى 800 ألف مقيم سابق لوقت الأزمة، وتوجه إلى مصر نحو 130 ألف سوري، أما فى العراق، فقد وجد عشرات ألوف الأكراد السوريين طريقهم إلى شماله حيث شركاؤهم فى الإثنية، والعرق.
الكارثة الكبرى التى يعانى منها الشعب السوري هي الهجرة الداخلية من أماكن غير آمنة إلى أخرى أكثر أمانًا، وبالمقابل يوجد 4 ملايين لاجئ إلى خارج سوريا، يوجد ما يزيد على 7.5 مليون نازح ينتشرون على امتداد الأرض السورية مما انعكس على طبيعة الحياة للشعب السوري التى حصادها، 55 % منهم تحت خط الفقر، أن 22 % منهم لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية، بل إن 10 ملايين يعانون سوء التغذية مقابل أقل من 2 % هي نسبة الفقر الغذائي قبل الأزمة. يوجد 4 ملايين طالب سوري فى سن التعليم خارج التعليم، وهناك نحو 5000 مدرسة مدمرة، ثم إن كم التسرب المدرسي على مدى سنوات 4 متصلة يؤدى إلى تجهيل وضياعه جيل بكاملة.
بالإضافة إلى وجود 42 ألف لاجئ فلسطيني لجئوا إلى لبنان، وتوزعوا على 12 مخيمًا لينضموا إلى 270 ألف لاجئ فيها، وتكشف التقارير الأممية أن 20% من لاجئي العالم سوريون، وأن 25 % من اللاجئين فى أوروبا سوريون، ومعظمهم جاء من سوريا ولبنان ومعظمهم من أبناء الطبقة الوسطى، ومنذ منتصف عام 2015 ، يوجد نحو 8000 لاجئ يعبر شرق أوروبا كل يوم، قاصدين غربها وشمالها سعيًا إلى إقامة آمنة واعدة، ترافق ذلك مع غض تركيا الطرف عن موجه الهجرة منها وعبرها إلى أوروبا مستهدفة الضغط على أوروبا لمنح الأتراك تأشيرة شنغن الأوروبية، واستدرار دعم مالي وفير وفق شروطها، واجتذاب دعم أوروبا لمطلب "المنطقة الآمنة" فى الشمال السوري.
لقد شكل حصاد الخراب الذي يهدد الوجود الاجتماعي للشعب والدولة والمجتمع فى سوريا، إلى تمدد متسارع لداعش وانحسار سيطرة الجيش العربي السوري على مناطق شاسعة على الأرض السورية.
إن الهدف الذي كانت تراهن عليه واشنطن ومعها حلفاؤها الأطلسيون، بأن الحرب الشرسة بين الجيش العربي السوري وتنظيم داعش الإرهابي كفيل بتكسيح الاثنين ومن ثم شق الطريق إلى تخليق بديل ثالث. وفى مثل تلك اللحظة الجيو سياسية اغتنمت روسيا ميزة للولوج إلى الساحة بقوة، مستندة إلى افتقار الولايات المتحدة إلى خيار جديد فى المشهد السوري.
وهنا يطرح السؤال: ما هي خيارات واشنطن فى الأساس؟ التدخل العسكري المباشر بقواتها وقوات حلفائها الأطلسيين، وبينهم تركيا، هو خيار مستحيل، إذ لم تخرج من أوحال العراق لتأتى للمستنقع السوري.
تزويد عملائها من المعارضة السورية المسلحة "الجيش الحر" بأسلحة نوعية تهين السلاح الروسي، وتتحدى قدرة روسيا على تعديل موازين القوة بالقوة، مما ينعكس سلبا وسيديم حدة الصراع الهمجي، وسيدفع بعجلة الهجرة والتهجير نحو أوروبا، مع احتمالات مؤكدة بتسريب الكثير من تلك الأسلحة إلى أيدي داعش. لقد أصبحت سوريا ساحة للصراع بين القوى الدولية، والإقليمية ومربط الفرس، ومكان أين تُكرم القوى أو تُهان.
والسؤال الآن: ما هي المخرجات المتوقعة من مؤتمر جنيف 3؟ أي سوريا سيتم التوافق عليها؟ أهي سوريا داعش، أم سوريا المعارضة الموالية للولايات المتحدة؟ أم سوريا بقايا الدولة المحطمة؟!