هل تسمح لى أن أقطع لسانك حتى لا ينطق بالكذب؟! أو أفقأ عينيك حتى تغض البصر؟! أو أبتر كفيك حتى لا تسرق؟! بهذا المنطق ذاته تتعامل ملايين الأسر فى مصر وكثير من المجتمعات التى تعيش الظلام مع جسد الأنثى، في ما يتعلق بمسألة الختان، حيث يعطى رب الأسرة- أبًّا كان أم أمًّا- لنفسه كل الحق فى انتهاك حرمة جسد البنت بقطع جزء من جهازها التناسلي، الذى خلقه الله كاملا، بدعوى الحفاظ على عفة البنت وشرفها وعرضها وطولها! إلى آخر هذه القائمة من الحجج والبدع التى ما أنزل الله بها من سلطان.
وبكل أسف، يُسَخِّر المدافعون عن عادة الختان- التى أثبتت كل القرائن أنها مجرد عادة وليست فريضة- الدين الإسلامى لإضفاء الصبغة الشرعية على الفعلة النكراء، ويتناسون كون هذه الجريمة تشويها لخلق الله الذى أحسن كل شيء صنعًا، كما يتجاهل هؤلاء الظلاميون كمية الألم الرهيبة التى تصاحب عملية قطع جزء حيوى من جسم الأنثى والتى غاليًا ما تصاحبها مضاعفات خطيرة، مثل النزيف الحاد الذى قد يؤدى إلى الوفاة، أو إحداث عاهة مستديمة ببتر العضو التناسلى تمامًا، بخلاف الصدمة الخطيرة التى تلازم الفتاة طوال عمرها، ويجعلها تكره العلاقة الجنسية رغم أنها سنة الله فى إعمار الكون.
من واقع الدراسات الطبية، فإنه- فى أغلب الحالات- تحدث للفتاة- ضحية الختان- التهابات خطيرة مزمنة فضلا عن الآثار النفسية السيئة التى تبدأ من الشعور بالرعب والخوف عندما تقع الفتاة تحت قبضة من يوصلها للقائم بالعملية لتجرى لها، كذلك الشعور بالألم الذى لا يطاق أثناء إجراء العملية بسبب عدم استعمال مخدر ويتبعه الإحساس بالذل والانطواء والخجل، ما حدث لها فى هذه المنطقة الحساسة، وأيضا الرغبة فى الانتقام من أهلها الذين خانوها، وقد يتمثل هذا فى حدوث التبول اللا إرادى فى الفراش، أو عدم تقبل التوجيهات والنصائح.
كما تشير المعلومات إلى أن الفتاة التى تقع ضحية جريمة الختان هى زوجة تعسة الحظ، حيث تحرم من أدنى حقوقها فى الشعور بأى لذة أو استمتاع خلال ممارسة العلاقة الزوجية، التى تتحول إلى مهمة مؤذية أو فى أحسن الأحوال «تحصيل حاصل».. والنتيجة فشل محتوم وخراب لعش الزوجية الذى غالبًا يكون عنوانه المسكوت عنه «تعاسة الفراش».
وهو ما تترتب عليه مأساة لا تقل خطورة على المجتمع حيث ترتفع معدلات الطلاق والخيانة الزوجية والنتيجة مزيد من الأزمات الاجتماعية وتشريد ملايين الأسر، خصوصًا إذا ما تابعنا أعداد القضايا التى تنظرها محاكم الأحوال الشخصية ومحكمة الأسرة، وكل هذا يصدر للمجتمع أطفالا بؤساء كارهين للظروف المحيطة بهم وطاقة تدميرية للمجتمع غير قادرة على البناء.
ورغم عدم وجود أرقام مؤكدة عن عدد حالات الطلاق- أو حتى الختان- فإن قطاعات عديدة من المجتمع- بما لا يحتمل الشك- تضع فى اعتقادها أن ممارسة هذه العادة السيئة من قبيل إحقاق الحق وإبطال الباطل أو أنه من باب الحرص على الفضيلة فى حين أن التربية السليمة لا ترتبط بأى حال بقطع هذا الجزء من جسد الفتاة وبإمكاننا مراجعة دفاتر «بوليس الآداب» فلم نتوصل حتى الآن إلى نتيجة مفادها أن عدم ختان البنات يؤدى إلى تفشى الرذيلة.
وانطلاقًا من شعورنا بالمسئولية الاجتماعية أطلقنا خلال الأيام الماضية حملة تحت شعار «بلاش تجرحوها» لمناهضة هذه العادة السيئة المتأصلة فى الصعيد، وتعد مواجهتها تحديًا كبيرًا، خاصة بعد أن دفع الكثير من الفتيات حياتهن ثمنًا لهذه العادة المخالفة للشرع والقانون بهدف وضع برامج جديدة لمناهضة الممارسات الضارة والعنف ضد المرأة، وتغيير السلوك المجتمعي.
وتسعى المبادرة إلى تنسيق الجهود وتوحيد الرسائل الخاصة بمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعى بما يضمن تدخلًا مؤثرًا لمناهضة الممارسات الضارة، والتخلى عن ممارسة عادة ختان الإناث، وقمنا من خلال المبادرة بتنظيم ندوات توعوية وتثقيفية للأهالى وللفتيات، وعرض أفلام قصيرة وتوزيع منشورات تندد بالمشكلة، كما تنظم ورش عمل لتثقيف الفتاة فى الصعيد، لتقوم بدورها فى المجتمع باعتبارها شريكًا فى التنمية، ولا يقتصر دورها فقط على الزواج والإنجاب.
وتستهدف المبادرة المناطق الريفية الأكثر فقرًا، حيث ترتفع نسبة الممارسات الضارة، وما زال الكثير منها متأصلًا فى العقول، كذلك تتبنى قضايا العنف ضدها، حتى نرفع الوعى ضد ممارسة ختان الإناث من خلال أساليب مبتكرة، مثل الرسم والمسرح وتدريب الأطباء والممرضات على التصدى لهذه العادات السيئة، وفى النهاية لا بد من الاعتراف بخطيئتنا فى حق جسد الأنثى كأولى خطوات منع هذه الجريمة مكتملة الأركان، يليها نشر الوعى الثقافى والصحى بين الفئات المتدنية للقضاء على جميع الأفكار المغلوطة التى تحيط بهذه العادة السيئة والتركيز على أن عفة الأنثى لن تتحقق بقطع جزء من جسدها وحرمانها من الشعور فهذا انتهاك صارخ واعتداء وتشويه لخلقة الله، فلا يجب أن نعاقب الفتاة على أنها خلقت أنثى.