"حالة يرثى لها" .. لعل هذا أقل وصف ينطبق على الحالة المزرية التي وصل إليها المشهد الإعلامي في ظل وجود بعض الأبواق الصحفية التي تجعلك تكره "الصحافة والصحفيين والكل كليلة" .. عذراً عزيزي القارئ على هذه "الداخلة الشمال" التي قد يندهش الكثيرون من خروجها من صحفي المفترض أنه يدافع بكل ما أوتي عن مهنة "البحث عن المتاعب" التي يعشقها التي كانت في يوم من الأيام "حلم عمري" الذي ما تمنيت سواه.. لكن هذا هو الحال الذي أوصلني إليه الأداء المتدني من جانب بعض المحسوبين على هذه المهنة وهي منهم براء.
نعم.. كان حلم الطفولة الذي داعبني منذ الصغر وتحقق لي بفضل الله وطول عناء استذكار مناهج عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع.. وقد انضممت لبلاط صاحبة الجلالة منذ 18 عاما وكنت حينذاك أظن، وبعض الظن إثم، أنني ملكت الدنيا بأسرها.
لكن وبكل أسف استيقظت من حلمي هذا علي واقع مؤلم يستلزم مني القيام بمهمة "جلد الذات" ليس بهدف تشويه المشوه أو زيادة الاكتئاب وإنما من باب "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" خصوصاً بعد أن سقطت الأقنعة عن كثير من وجوه الإعلاميين الذين هم بكل أسف من أصول صحفية لكنهم لم يصونوا عهدها بل خانوها وانقلبوا عليها بكل ما أوتوا من دولارات وجنيهات.. حتى انتقلت طائفة ليست بالقليلة من هؤلاء الإعلاميين (اللي هما في الأصل صحفيين) إلى مرحلة صحفيين للإيجار، وليس فقط للبيع لسبب بسيطا أنهم كل فترة تراهم في حال حتى بات شعارهم "اثبت على المبلغ" وليس المبدأ.
وأحكي لكم في السطور الآتية موقفاً حاسماً مررت به عندما ساقتني الصدفة البحتة لسماع عدد من ركاب المترو مختلفي الأعمار جمعهم نقاش واحد وهم لا يعرفون بعضا، نقاش بدأه شخص يقرأ جريدة يحملها عن تصريحات لأعضاء البرلمان عن قانون الخدمة المدنية فإذا به يؤكد أنه قرأ في موقع إلكتروني شهير أن القانون مرر.. لتدخل سيدة في منتصف الأربعينيات من عمرها في الحوار وأنتم شغالين بالكم ليه كلهم كدابين، وأنتم عِبط ومصدقين.. في بالي قولت قصدها البرلمان والدولة.
قالت بصوت عالٍ: "اتفرجتم علي حلقة وائل الإبراشي أمس ولا شوفتم لميس كانت جايبه مين وبتتكلم في إيه وليه خالد صلاح مجابش سي ديهات أحمد موسى وفضحه ولا موسى شتمه عشان مصالحهم اتصالحت"، فدخل آخر في الكلام: "إنتي شاغله بالك ليه ياحاجة أنا من 2011 مبشوفش غير كورة وعالمية بس عشان حتي ستديوهات التحليل أفاقين تصدقوا وهم بيحللوا المباريات بيهاجموا السياسيين وبيفتوا في الطبيخ.. عارفة ياحاجة محمود سعد مبقاش ليه صوت عشان الملايين الي بياخدها متروحش لحد تاني عارفة كان هو وتامر أمين في البيت بيتك بيظبطوا جمال مبارك وبياخدوا ملايين الملايين وإحنا بنموت في طابور العيش وبعد كده شتموهم وبقوا ثوار عشان ملايين تانية.. الناس دي محدش يصدقها.. الإعلام هو اللي خرب البلد".. لتعود السيدة للكلام: "ولا الإنترنت وسنينه كل شوية عيالي يقولولي متشربيش المية متشتريش سمك فيه مظاهرة تحت البيت وألاقي مفيش حاجة حتي الإنترنت الصحفيين بوظوه".
صمت كثيرا وفي حلقي مرارة من هذا الكلام، ماذا أقول، أنا أعمل في مؤسسة صحفية قومية ولا أقبض الملايين.. أنا مش محمود سعد ولا تامر أمين.. أنا لا أتابع خالد صلاح ولا مجدي الجلاد حتى لميس الحديدى بطلت أشوفها من زمان.. طيب أقول إيه أقول مرتبي ولا أسكت.
اخترت السكوت ليس هربا بل مرارة.. خمسة أعوام على ثورة يناير طفح بي الكيل من هؤلاء المحسوبين علينا، ونحن منهم براء.. هنفتكر عملوا إيه في حادثة حذاء دومة العسكري في ميدان التحرير ومهاجمته.. وبعدها الدفاع عنه في موقعة اقتحام مكتب الإرشاد.. استضافوا مرسي وبعدها قطعوه طيب الأعلي للصحافة عين رموز وشخصيات ثورة يناير في2012 ولا جاب حاشية المعزول.. وإحنا جبنا نقيب للصحفيين الولي مكان مكرم.. وشيلنا الولي وجبنا رشوان رمز 30 يونيو والأعلى للصحافة جاب رؤساء تحرير 30 يونيو طيب ليه جبنا قلاش وغيرنا رؤساء التحرير رغم أن 30 يونيو هية ثورتنا المستمرة.. طيب الحد الأقصى اطبق ولا لسه على رؤساء مجالس إدارات الصحف وبطلوا ياخدوا نسب إعلانات.. يعني الثورتين جابوا نتيجة.. آه جابوا نتيجة.. الشعب بقى يكرهنا أكتر من آفاقين مبارك.. تحولنا لسلعة تباع للي يدفع أكتر.. لم تكن تلك الصحافة التي حلمت بها.. حتي الحلم الذي تحقق أصبحت أخجل منه.. هل يستطيع أحد أن يفصح عن هويته الصحفية أمام شعب جاع، ولم يشبع حتى الآن.. شعب يموت في أروقة المستشفيات ويرانا نعالج في ألمانيا.. شعب يلتف حول التلفاز ليسمع أكاذيب يسخر منها يوميا ويعاقب المتضررين أمثالهم.
هل يعقل أن صحافة ما قبل 25 يناير كانت الأصدق بشهادة الشعب.. هل يعقل أن إعلام ما قبل 25 يناير كان الأقل فوضى هل يعقل أن نقابة الصحفيين ورؤساء تحرير ما قبل يناير أفضل أداءً من الآن.
عذرًا أيها المستاءون منا
أنا صحفي ولكني أسعى يوميا للصدق والحياة بشكل كريم أعاني مما تعانون منه أنا لست "سعد ولا أمين ولا الحديدي" أنا أنتظر راتبي وأبحث عن التخفيضات مثلكم.. ليس لي عمل إلا الصحافة ولا أجيد فن الإعلان.
أقف معكم في صف الكارهين للإعلام الحالي.. ولكني لن أتنازل عن حلمي أخجل فقط من كوني صحفيا الآن وسأحاول الأيام القادمة أفضح ما نتعرض له نحن الصحفيين ولسنا الإعلاميين شباب حلم بالمهنة وانتهى حلمه بكابوسًا.
نعم.. كان حلم الطفولة الذي داعبني منذ الصغر وتحقق لي بفضل الله وطول عناء استذكار مناهج عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع.. وقد انضممت لبلاط صاحبة الجلالة منذ 18 عاما وكنت حينذاك أظن، وبعض الظن إثم، أنني ملكت الدنيا بأسرها.
لكن وبكل أسف استيقظت من حلمي هذا علي واقع مؤلم يستلزم مني القيام بمهمة "جلد الذات" ليس بهدف تشويه المشوه أو زيادة الاكتئاب وإنما من باب "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" خصوصاً بعد أن سقطت الأقنعة عن كثير من وجوه الإعلاميين الذين هم بكل أسف من أصول صحفية لكنهم لم يصونوا عهدها بل خانوها وانقلبوا عليها بكل ما أوتوا من دولارات وجنيهات.. حتى انتقلت طائفة ليست بالقليلة من هؤلاء الإعلاميين (اللي هما في الأصل صحفيين) إلى مرحلة صحفيين للإيجار، وليس فقط للبيع لسبب بسيطا أنهم كل فترة تراهم في حال حتى بات شعارهم "اثبت على المبلغ" وليس المبدأ.
وأحكي لكم في السطور الآتية موقفاً حاسماً مررت به عندما ساقتني الصدفة البحتة لسماع عدد من ركاب المترو مختلفي الأعمار جمعهم نقاش واحد وهم لا يعرفون بعضا، نقاش بدأه شخص يقرأ جريدة يحملها عن تصريحات لأعضاء البرلمان عن قانون الخدمة المدنية فإذا به يؤكد أنه قرأ في موقع إلكتروني شهير أن القانون مرر.. لتدخل سيدة في منتصف الأربعينيات من عمرها في الحوار وأنتم شغالين بالكم ليه كلهم كدابين، وأنتم عِبط ومصدقين.. في بالي قولت قصدها البرلمان والدولة.
قالت بصوت عالٍ: "اتفرجتم علي حلقة وائل الإبراشي أمس ولا شوفتم لميس كانت جايبه مين وبتتكلم في إيه وليه خالد صلاح مجابش سي ديهات أحمد موسى وفضحه ولا موسى شتمه عشان مصالحهم اتصالحت"، فدخل آخر في الكلام: "إنتي شاغله بالك ليه ياحاجة أنا من 2011 مبشوفش غير كورة وعالمية بس عشان حتي ستديوهات التحليل أفاقين تصدقوا وهم بيحللوا المباريات بيهاجموا السياسيين وبيفتوا في الطبيخ.. عارفة ياحاجة محمود سعد مبقاش ليه صوت عشان الملايين الي بياخدها متروحش لحد تاني عارفة كان هو وتامر أمين في البيت بيتك بيظبطوا جمال مبارك وبياخدوا ملايين الملايين وإحنا بنموت في طابور العيش وبعد كده شتموهم وبقوا ثوار عشان ملايين تانية.. الناس دي محدش يصدقها.. الإعلام هو اللي خرب البلد".. لتعود السيدة للكلام: "ولا الإنترنت وسنينه كل شوية عيالي يقولولي متشربيش المية متشتريش سمك فيه مظاهرة تحت البيت وألاقي مفيش حاجة حتي الإنترنت الصحفيين بوظوه".
صمت كثيرا وفي حلقي مرارة من هذا الكلام، ماذا أقول، أنا أعمل في مؤسسة صحفية قومية ولا أقبض الملايين.. أنا مش محمود سعد ولا تامر أمين.. أنا لا أتابع خالد صلاح ولا مجدي الجلاد حتى لميس الحديدى بطلت أشوفها من زمان.. طيب أقول إيه أقول مرتبي ولا أسكت.
اخترت السكوت ليس هربا بل مرارة.. خمسة أعوام على ثورة يناير طفح بي الكيل من هؤلاء المحسوبين علينا، ونحن منهم براء.. هنفتكر عملوا إيه في حادثة حذاء دومة العسكري في ميدان التحرير ومهاجمته.. وبعدها الدفاع عنه في موقعة اقتحام مكتب الإرشاد.. استضافوا مرسي وبعدها قطعوه طيب الأعلي للصحافة عين رموز وشخصيات ثورة يناير في2012 ولا جاب حاشية المعزول.. وإحنا جبنا نقيب للصحفيين الولي مكان مكرم.. وشيلنا الولي وجبنا رشوان رمز 30 يونيو والأعلى للصحافة جاب رؤساء تحرير 30 يونيو طيب ليه جبنا قلاش وغيرنا رؤساء التحرير رغم أن 30 يونيو هية ثورتنا المستمرة.. طيب الحد الأقصى اطبق ولا لسه على رؤساء مجالس إدارات الصحف وبطلوا ياخدوا نسب إعلانات.. يعني الثورتين جابوا نتيجة.. آه جابوا نتيجة.. الشعب بقى يكرهنا أكتر من آفاقين مبارك.. تحولنا لسلعة تباع للي يدفع أكتر.. لم تكن تلك الصحافة التي حلمت بها.. حتي الحلم الذي تحقق أصبحت أخجل منه.. هل يستطيع أحد أن يفصح عن هويته الصحفية أمام شعب جاع، ولم يشبع حتى الآن.. شعب يموت في أروقة المستشفيات ويرانا نعالج في ألمانيا.. شعب يلتف حول التلفاز ليسمع أكاذيب يسخر منها يوميا ويعاقب المتضررين أمثالهم.
هل يعقل أن صحافة ما قبل 25 يناير كانت الأصدق بشهادة الشعب.. هل يعقل أن إعلام ما قبل 25 يناير كان الأقل فوضى هل يعقل أن نقابة الصحفيين ورؤساء تحرير ما قبل يناير أفضل أداءً من الآن.
عذرًا أيها المستاءون منا
أنا صحفي ولكني أسعى يوميا للصدق والحياة بشكل كريم أعاني مما تعانون منه أنا لست "سعد ولا أمين ولا الحديدي" أنا أنتظر راتبي وأبحث عن التخفيضات مثلكم.. ليس لي عمل إلا الصحافة ولا أجيد فن الإعلان.
أقف معكم في صف الكارهين للإعلام الحالي.. ولكني لن أتنازل عن حلمي أخجل فقط من كوني صحفيا الآن وسأحاول الأيام القادمة أفضح ما نتعرض له نحن الصحفيين ولسنا الإعلاميين شباب حلم بالمهنة وانتهى حلمه بكابوسًا.